بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
موسوعة صحف الطيبين في
أصول الدين وسيرة المعصومين
الميزان في
تفسير القرآن / بحوث موضوعية
مقدمة الميزان في تفسير القرآن
للعلام السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله
المس الصورة لترى فيديو مقابلة مع السيد محمد حسين الطباطبائي في طريقة تفسيره للقرآن في كتاب : الميزان في تفسير القرآن
هذه مقابلة مع السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله صاحب تفسير الميزان في
أواخر أيام حياته :
الترجمة :
ما هو أسلوبكم وطريقتكم في تفسير القرآن يا أستاذ .
السيد الطباطبائي :
طريقتنا : في تفسير القرآن ، تفسير قرآن بالقرآن ، توضيحه :
القرآن الكريم : وهو كتاب سماوي ، وخصوصياته السماوية هي خصوصيات حقيقة و ويحكي عن
واقعها .
فمطالب الكتاب الكريم : حين تريد أن تفسرها ، تراه هو يحل نفسه بنفسه .
أي مطلب في القرآن : تبحث عنه بالدقة وتلاحظه ، تراه توجد آيات في معناه تفسره .
أذا أحبب أن تفسر آية : توجد آية أخرى تبينها وتشرحها ، ولا توجد آية مغلقة لا يمكن
أن تفهم .
وطريقتنا : لتفسير الكتاب من الأول التفسير إلى أخره، بهذه الطريقة والترتيب : أي
تفسير القرآن بالقرآن .
مقدمة الميزان في تفسير القرآن
للعلام السيد محمد حسين الطباطبائي
رحمه الله
مقدمة الميزان في تفسير القرآن للعلام السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله :
المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين
نذيرا ، و الصلاة على من جعله شاهدا و مبشرا و نذيرا ، و داعيا إلى الله بإذنه و
سراجا منيرا ، و على
آله الذين أذهب عنهم الرجس أهل البيت و طهرهم تطهيرا.
مقدمة : نعرف فيها مسلك البحث عن
معاني آيات القرآن الكريم في هذا الكتاب بطريق الاختصار.
التفسير : و هو بيان معاني الآيات القرآنية و الكشف عن مقاصدها و مداليلها.
من أقدم : الاشتغالات العلمية التي تعهد من المسلمين .
فقد شرع : تاريخ هذا النوع من البحث ، و التنقير المسمى بالتفسير ، من عصر نزول
القرآن كما يظهر من قوله تعالى و تقدس:
{ كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ
يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ (151)} البقرة .
و قد كانت الطبقة الأولى : من مفسري المسلمين ، جماعة من الصحابة ، و المراد بهم
غير علي عليه السلام.
فإن له و للأئمة من ولده : نبأ آخر ، سنتعرض له .
كابن عباس : و عبد الله بن عمر ، و أبي ، و غيرهم ، اعتنوا بهذا الشأن .
و كان البحث يومئذ : لا يتجاوز عن بيان ما يرتبط ، من الآيات بجهاتها الأدبية ، و
شأن النزول ، و قليل من الاستدلال بآية على آية .
و كذلك قليل : من التفسير بالروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله في القصص
، و معارف المبدأ و المعاد و غيرها.
و على هذا الوصف : جرى الحال بين المفسرين من التابعين ، كمجاهد ، و قتادة ، و ابن
أبي ليلى ، و الشعبي ، و السدي، و غيرهم في القرنين الأولين من الهجرة .
فإنهم لم يزيدوا : على طريقة سلفهم من مفسري الصحابة شيئا ، غير أنهم زادوا من
التفسير بالروايات ، و بينها روايات دسها اليهود أو غيرهم ، فأوردوها في القصص و
المعارف الراجعة
إلى الخلقة كابتداء السماوات و تكوين الأرض و البحار و إرم شداد و عثرات الأنبياء و
تحريف الكتاب و أشياء أخر من هذا النوع، و قد كان يوجد بعض ذلك في المأثور عن
الصحابة من التفسير و البحث.
الميزان في تفسير القرآن ج1ص5 .
ثم استوجب : شيوع البحث الكلامي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن الخلفاء
، باختلاط المسلمين بالفرق المختلفة من أمم البلاد المفتوحة بيد المسلمين ، و علماء
الأديان و
المذاهب المتفرقة من جهة .
و نقل فلسفة اليونان : إلى العربية ، في السلطنة الأموية ، أواخر القرن الأول من
الهجرة ، ثم في عهد العباسيين ، و انتشار البحث العقلي الفلسفي بين الباحثين من
المسلمين من جهة
أخرى ثانية .
و ظهور التصوف : مقارنا لانتشار البحث الفلسفي ، و تمايل الناس إلى نيل المعارف
الدينية من طريق المجاهدة ، و الرياضة النفسانية ، دون البحث اللفظي و العقلي من
جهة أخرى
ثالثة .
و بقاء جمع من الناس : و هم أهل الحديث على التعبد المحض بالظواهر الدينية ، من غير
بحث إلا عن اللفظ بجهاتها الأدبية ، من جهة أخرى رابعة.
أن اختلف الباحثون : في التفسير في مسالكهم :
بعد ما عمل فيهم : الانشعاب في المذاهب ما عمل ، و لم يبق بينهم جامع في الرأي و
النظر ، إلا لفظ لا إله إلا الله ، و محمد رسول الله .
و اختلفوا : في معنى الأسماء و الصفات و الأفعال ، و السماوات و ما فيها ، و الأرض
و ما عليها ، و القضاء و القدر ، و الجبر و التفويض ، و الثواب و العقاب ، و في
الموت و
في البرزخ ، و البعث و الجنة و النار .
و بالجملة : في جميع ما تمسه الحقائق و المعارف الدينية و لو بعض المس ، فتفرقوا في
طريق البحث عن معاني الآيات ، و كل يتحفظ على متن ما اتخذه من المذهب و الطريقة .
+++
فأما المحدثون : فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السلف من الصحابة و التابعين ،
فساروا و جدوا في السير حيث، ما يسير بهم المأثور ، و وقفوا فيما لم يؤثر فيه شيء
، و لم يظهر
المعنى ، ظهورا لا يحتاج إلى البحث .
أخذا بقوله تعالى : { وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (7) } آل عمران.
و قد أخطئوا : في ذلك ، فإن الله سبحانهلم يبطل حجة العقل في كتابه ، و كيف يعقل
ذلك و حجيته إنما تثبت به !
و لم يجعل : حجية في أقوال الصحابة و التابعين و أنظارهم على اختلافها الفاحش ، و
لم يدع إلى السفسطة بتسليم المتناقضات و المتنافيات من الأقوال .
و لم يندب : إلا إلى التدبر في آياته .
فرفع به : أي اختلاف يتراءى منها ، و جعله هدى و نورا ، و تبيانا لكل شيء .
فما بال النور : يستنير بنور غيره !
و ما شأن الهدى : يهتدي بهداية سواه !
و كيف يتبين: ما هو تبيان كل شيء بشيء ، دون نفسه !.
الميزان في تفسير القرآن ج1ص6 .
و أما المتكلمون : فقد دعاهم الأقوال المذهبية على اختلافها ، أن يسيروا في التفسير
على ما يوافق مذاهبهم ، بأخذ ما وافق ، و تأويل ما خالف ، على حسب ما يجوزه قول
المذهب.
و اختيار : المذاهب الخاصة ، و اتخاذ المسالك و الآراء المخصوصة ، و إن كان معلولا
لاختلاف الأنظار العلمية ، أو لشيء آخر كالتقاليد و العصبيات القومية ، و ليس
هاهنا محل
الاشتغال بذلك ، إلا أن هذا الطريق من البحث ، أحرى به أن يسمى تطبيقا لا تفسيرا .
ففرق : بين أن يقول الباحث عن معنى آية من الآيات ، ما ذا يقول القرآن ؟
أو يقول : ما ذا يجب أن نحمل عليه الآية ؟
فإن القول الأول : يوجب أن ينسى كل أمر نظري عند البحث ، و أن يتكي على ما ليس
بنظري .
و الثاني : يوجب وضع النظريات في المسألة ، و تسليمها ، و بناء البحث عليها .
و من المعلوم : أن هذا النحو من البحث في الكلام ، ليس بحثا عن معناه في نفسه .
++
و أما الفلاسفة : فقد عرض لهم ما عرض للمتكلمين من المفسرين ، من الوقوع في ورطة
التطبيق ، و تأويل الآيات المخالفة بظاهرها ، للمسلمات في فنون الفلسفة بالمعنى
الأعم .
أعني : الرياضيات ، و الطبيعيات ، و الإلهيات ، و الحكمة العملية ، و خاصة المشائين
.
و قد تأولوا : الآيات الواردة في حقائق ما وراء الطبيعة ، و آيات الخلقة ، و حدوث
السماوات و الأرض ، و آيات البرزخ ، و آيات المعاد .
حتى أنهم ارتكبوا التأويل : في الآيات التي لا تلائم الفرضيات ، و الأصول الموضوعة
، التي نجدها في العلم الطبيعي : من نظام الأفلاك الكلية و الجزئية ، و ترتيب
العناصر ، و
الأحكام الفلكية ، و العنصرية ، إلى غير ذلك .
مع أنهم نصوا : على أن هذه الأنظار ، مبتنية على أصول موضوعة لا بينة و لا مبينة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص7 .
+++
و أما المتصوفة : فإنهم لاشتغالهم بالسير في باطن الخلقة ، و اعتنائهم بشأن الآيات الأنفسية ، دون عالم الظاهر ، و آياته الآفاقية
، اقتصروا في بحثهم على التأويل ، و رفضوا التنزيل.
فاستلزم ذلك : اجتراء الناس على التأويل ، و تلفيق جمل شعرية ، و الاستدلال من كل
شيء على كل شيء ، حتى آل الأمر إلى تفسير الآيات بحساب الجمل ، و رد الكلمات إلى
الزبر و البينات ، و الحروف النورانية و الظلمانية ، إلى غير ذلك.
و من الواضح : أن القرآن ، لم ينزل هدى للمتصوفة خاصة ، و لا أن المخاطبين به هم
أصحاب علم الأعداد و الأوفاق و الحروف ، و لا أن معارفه مبنية على أساس حساب الجمل
الذي وضعه أهل التنجيم ، بعد نقل النجوم من اليونانية و غيرها إلى العربية.
نعم قد وردت روايات : عن النبي و أئمة أهل البيت صلى الله عليهم وسلم .
كقولهم : إن للقرآن ظهرا و بطنا ، و لبطنه بطنا ، إلى سبعة أبطن ، أو إلى سبعين
بطنا الحديث.
لكنهم عليهم السلام : اعتبروا الظهر كما اعتبروا البطن ، و اعتنوا بأمر التنزيل كما
اعتنوا بشأن التأويل .
و سنبين في أوائل سورة آل عمران إن شاء الله : أن التأويل الذي يراد به المعنى
المقصود ، الذي يخالف ظاهر الكلام من اللغات المستحدثة في لسان المسلمين بعد نزول
القرآن ، و
انتشار الإسلام ، و أن الذي يريده القرآن من لفظ التأويل فيما ورد فيه من الآيات ،
ليس من قبيل المعنى و المفهوم.
+++++
و قد نشأ : في هذه الأعصار مسلك جديد في التفسير :
و ذلك أن قوما : من منتحلي الإسلام ، في إثر توغلهم في العلوم الطبيعية ، و ما
يشابهها ، المبتنية على الحس و التجربة ، و العلوم الاجتماعية ، المبتنية على تجربة
الإحصاء .
مالوا : إلى مذهب الحسيين ، من فلاسفة أوربا سابقا .
أو إلى مذهب أصالة العمل : لا قيمة للإدراكات ، إلا ترتب العمل عليها ، بمقدار
يعينه الحاجة الحيوية ، بحكم الجبر .
فذكروا : أن المعارف الدينية ، لا يمكن أن تخالف الطريق الذي تصدقه العلوم .
و هو أن : لا أصالة في الوجود ، إلا للمادة و خواصها المحسوسة.
فما كان : الدين يخبر عن وجوده ، مما يكذب العلوم ظاهره ، كالعرش ، و الكرسي ، و
اللوح ، و القلم ، يجب أن يؤول تأويلا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص8.
و ما يخبر عن وجوده : مما لا تتعرض العلوم لذلك ، كحقائق المعاد ، يجب أن يوجه
بالقوانين المادية .
و ما يتكي عليه التشريع : من الوحي ، و الملك ، و الشيطان و النبوة و الرسالة و
الإمامة و غير ذلك.
إنما هي : أمور روحية ، و الروح مادية ، و نوع من الخواص المادية .
و التشريع : نبوغ خاص اجتماعي ، يبنى قوانينه على الأفكار الصالحة ، لغاية إيجاد
الاجتماع الصالح الراقي .
وذكروا : أن الروايات ، لوجود الخليط فيها ، لا تصلح للاعتماد عليها ، إلا ما وافق
الكتاب .
و أما الكتاب : فلا يجوز أن يبنى في تفسيره على الآراء و المذاهب السابقة ،
المبتنية على الاستدلال من طريق العقل ، الذي أبطله العلم ، بالبناء على الحسن و
التجربة .
بل الواجب : أن يستقل بما يعطيه القرآن من التفسير ، إلا ما بينه العلم.
هذه جمل : ما ذكروه ، أو يستلزمه ما ذكروه ، من اتباع طريق الحس و التجربة .
فساقهم ذلك : إلى هذا الطريق من التفسير .
و لا كلام لنا : هاهنا في أصولهم العلمية و
الفلسفية ، التي اتخذوها أصولا و بنوا عليها ما بنوا.
+++
( تبديل التفسير بالتطبيق على الآراء المستبقة لكل طائفة وآثاره - عنوان
مضاف -)
و إنما الكلام : في أن ما أوردوه على مسالك السلف من المفسرين
.
أن ذلك تطبيق و ليس
بتفسير ، وارد بعينه على طريقتهم في التفسير ، و إن صرحوا أنه حق التفسير الذي يفسر به
القرآن بالقرآن .
و لو كانوا : لم يحملوا على القرآن في تحصيل معاني آياته شيئا ، فما بالهم يأخذون
الأنظار العلمية مسلمة ، لا يجوز التعدي عنها؟
فهم : لم يزيدوا على ما أفسده السلف إصلاحا .
و أنت بالتأمل : في جميع هذه المسالك المنقولة في التفسير .
تجد : أن الجميع مشتركة في نقص و بئس النقص ، و هو تحميل ما أنتجه الأبحاث العلمية
أو الفلسفية من خارج ، على مداليل الآيات .
فتبدل به : التفسير تطبيقا ، و سمي به
التطبيق
تفسيرا .
و صارت بذلك : حقائق من القرآن مجازات ، و تنزيل عدة من الآيات تأويلات .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص9 .
و لازم ذلك : كما أومأنا إليه في أوائل الكلام ، أن يكون القرآن الذي يعرف نفسه :
بأنه هدى للعالمين ، و نور مبين ، و تبيان لكل شيء ، مهديا إليه بغيره ، و مستنيرا
بغيره ، و
مبينا بغيره .
فما هذا : الغير ! و ما شأنه ! و بما ذا يهدي إليه ! و ما هو المرجع و الملجأ إذا
اختلف فيه ! و قد اختلف و اشتد الخلاف .
++
( القرآن يفسر نفسه ولا توجد آية مغلقة ومعقدة -
عنوان مضاف -)
و كيف كان : فهذا الاختلاف لم يولده اختلاف النظر في مفهوم ( مفهوم اللفظ المفرد أو
الجملة بحسب اللغة و العرف العربي ) الكلمات أو الآيات .
فإنما هو : كلام عربي مبين ، لا يتوقف في فهمه عربي ، و لا غيره ممن هو عارف باللغة
، و أساليب الكلام العربي .
و ليس بين آيات القرآن :
و هي
: بضع آلاف آية ، آية واحدة ذات إغلاق و تعقيد في
مفهومها ، بحيث يتحير الذهن في فهم معناها .
و كيف: و هو أفصح الكلام ، و من شرط الفصاحة ، خلو الكلام عن الإغلاق و التعقيد .
حتى أن الآيات : المعدودة من متشابه القرآن، كالآيات المنسوخة و غيرها ، في غاية
الوضوح من جهة المفهوم ، و إنما التشابه في المراد منها ، و هو ظاهر .
+++
( اختلاف المفسرون في تطبيق المفهوم على المصداق مع ذكر
أمثلة له - عنوان مضاف -)
و إنما الاختلاف : كل الاختلاف في المصداق ، الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية ، من
مفردها ، و مركبها ، و في المدلول التصوري و التصديقي .
توضيحه :
أن الأنس و العادة : كما قيل ، يوجبان لنا أن يسبق إلى أذهاننا عند استماع
الألفاظ معانيها المادية ، أو ما يتعلق بالمادة ، فإن المادة هي التي يتقلب فيها
أبداننا و قوانا
المتعلقة بها ، ما دمنا في الحياة الدنيوية .
فإذا سمعنا ألفاظ : الحياة ، و العلم ، و القدرة ، و السمع ، و البصر ، و الكلام ،
و الإرادة ، و الرضا ، و الغضب ، و الخلق ، و الأمر ،.
كان السابق : إلى أذهاننا منها ، الوجودات المادية لمفاهيمها.
و كذا إذا سمعنا ألفاظ : السماء ، و الأرض ، و اللوح ، و القلم ، و العرش ، و
الكرسي ، و الملك ، و أجنحته ، و الشيطان ، و قبيله، و خيله ، و رجله إلى غير ذلك .
كان المتبادر : إلى أفهامنا ، مصاديقها الطبيعية.
و إذا سمعنا : أن الله خلق العالم ، و فعل كذا ، و علم كذا ، و أراد أو يريد ، أو
شاء و أو يشاء كذا ، قيدنا الفعل بالزمان ، حملا على المعهود عندنا .
و إذا سمعنا نحو قوله : : {وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ....} الآية .
و قوله : { لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا .... } الآية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص10 .
و قوله : { وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ .... } الآية .
و قوله : { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ...} الآية.
قيدنا : معنى الحضور ، بالمكان .
و إذا سمعنا نحو قوله : { إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا
مُتْرَفِيها ...} الآية.
أو قوله : { وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنّ ....} ، الآية .
أو قوله : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ....}
الآية .
فهمنا : أن الجميع سنخ واحد من الإرادة ، لما أن الأمر على ذلك فيما عندنا ، و
على هذا القياس.
و هذا شأننا : في جميع الألفاظ المستعملة ، و من حقنا ذلك .
+++
(سبب وضع الألفاظ لمعانيها هو غايتها والمفاهيم المادية متغيرة - عنوان مضاف -)
فإن الذي أوجب علينا : وضع
ألفاظ ، إنما هي الحاجة الاجتماعية إلى التفهيم و التفهم ، و الاجتماع إنما تعلق به
الإنسان
ليستكمل به في الأفعال المتعلقة بالمادة و لواحقها .
فوضعنا الألفاظ : علائم لمسمياتها
التي نريد منها غايات و أغراضا عائدة إلينا.
و كان ينبغي لنا أن نتنبه : أن المسميات المادية محكومة بالتغير و التبدل ، بحسب تبدل
الحوائج في طريق التحول و التكامل .
كما أن السراج : أول ما عمله الإنسان كان إناء فيه
فتيلة ، و
شيء من الدهن تشتعل به الفتيلة للاستضاءة به في الظلمة ، ثم لم يزل يتكامل حتى بلغ
اليوم إلى السراج الكهربائي ، و لم يبق من أجزاء السراج المعمول أولا الموضوع بإزائه
لفظ السراج
شيء و لا واحد .
و كذا الميزان : المعمول أولا ، و الميزان المعمول اليوم لتوزين ثقل الحرارة مثلا.
و السلاح المتخذ : سلاحا أول يوم، و السلاح المعمول اليوم إلى غير ذلك.
فالمسميات : بلغت في التغير إلى حيث ، فقدت جميع أجزائها السابقة ذاتا و صفة .
و الاسم مع
ذلك : باق ، و ليس إلا لأن المراد في التسمية إنما هو من الشيء غايته ، لا شكله و
صورته .
فما دام غرض : التوزين ، أو الاستضاءة ، أو الدفاع ، باقيا ، كان اسم الميزان و السراج و
السلاح و غيرها باقيا على حاله.
++
( لمعرفة معنى الآية يجب أن نرى غاية المعنى في المصداق - عنوان مضاف -)
فكان ينبغي لنا : أن نتنبه أن المدار في صدق الاسم ، اشتمال المصداق على الغاية و
الغرض ، لا جمود اللفظ على صورة واحدة ، فذلك مما لا مطمع فيه البتة، و لكن العادة و
الأنس
منعانا ذلك .
و هذا هو الذي : دعا المقلدة من أصحاب الحديث من الحشوية ، و المجسمة أن
يجمدوا على ظواهر الآيات في التفسير ، و ليس في الحقيقة جمودا على الظواهر ، بل هو جمود
على
العادة و الأنس في تشخيص المصاديق .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص11 .
لكن بين هذه الظواهر أنفسها : أمور تبين ، أن الاتكاء و الاعتماد على الأنس و العادة
في فهم معاني الآيات ، يشوش المقاصد منها ، و يختل به أمر الفهم ؟
كقوله تعالى : { لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... }
الآية . و
قوله : { لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } .
و قوله : { سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } .
و هذا هو الذي دعا الناس : أن لا يقتصروا على الفهم العادي ، و المصداق المأنوس به
الذهن ، في فهم معاني الآيات .
++
( لمعرفة المصداق الحقيقي لمعنى الآية يجب نستعين بنفس القرآن - عنوان
مضاف -)
كما كان غرض : الاجتناب عن الخطاء ، و الحصول على النتائج
المجهولة ،
هو الذي دعا الإنسان إلى أن يتمسك بذيل البحث العلمي ، و أجاز ذلك للبحث أن يداخل في
فهم حقائق القرآن ، و تشخيص مقاصده العالية .
و ذلك على أحد وجهين :
أحدهما :
أن نبحث : بحثا علميا أو فلسفيا ، أو غير ذلك ، عن مسألة من المسائل التي تتعرض له الآية
، حتى نقف على الحق في المسألة ، ثم نأتي بالآية و نحملها عليه ، و هذه طريقة يرتضيها
البحث
النظري .
غير أن القرآن : لا يرتضيها كما عرفت .
و ثانيهما :
أن نفسر القرآن بالقرآن : و
نستوضح معنى الآية من نظيرتها ، بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن ، و نشخص المصاديق
و
نتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات .
كما قال تعالى :{ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ
.... } الآية .
و حاشا أن
يكون القرآن : تبيانا لكل شيء ، و لا يكون تبيانا لنفسه .
و قال تعالى : { هُدىً
لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ ...} الآية .
و قال تعالى : { وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ......} الآية .
و كيف يكون
القرآن : هدى ، و بينة ، و فرقانا، و نورا مبينا للناس ، في جميع ما يحتاجون
، و لا يكفيهم في
احتياجهم إليه ، و هو أشد الاحتياج!
و قال تعالى : { وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ...} الآية
، و أي
جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه !
و أي سبيل : أهدى إليه من القرآن ! .
و الآيات في هذا المعنى : كثيرة ، سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم و المتشابه في
أوائل سورة آل عمران.
+
( النبي وآله يستعينون بالقرآن لبيان حقائقه ومصاديقه - عنوان مضاف -)
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الذي علمه القرآن ، و جعله معلما لكتابه
.
كما يقول تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ الآية ..} .
و يقول : { وَ أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ....} الآية .
و يقول :
{ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ
الْحِكْمَةَ ....الآية } .
و
عترته و أهل بيته : الذين أقامهم النبي هذا المقام .
في الحديث المتفق
عليه بين الفريقين :
[ إني تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما ، لن تضلوا بعدي أبدا.
كتاب الله : و عترتي أهل بيتي .
و إنهما : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض
].
الميزان في تفسير القرآن ج1ص12 .
و صدقه الله تعالى : في علمهم بالقرآن .
حيث قال عز من قائل : { إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً } .
و قال : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ
إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ ...} الآية .
و قد كانت طريقتهم : في التعليم و التفسير ، هذه الطريقة بعينها
، على ما وصل إلينا من أخبارهم في التفسير .
و سنورد : ما تيسر لنا مما نقل عن النبي و
أئمة أهل بيته صلى الله عليهم وسلم .
في ضمن أبحاث : روائية في هذا الكتاب، .
و لا يعثر المتتبع الباحث : فيها : على مورد واحد
يستعان فيه على تفسير الآية بحجة نظرية عقلية ، و لا فرضية علمية.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
[ فإذا التبست عليكم : الفتن ، كقطع الليل المظلم .
فعليكم بالقرآن : فإنه
شافع مشفع و ماحل مصدق .
من جعله أمامه : قاده إلى الجنة .
و من جعله خلفه : ساقه إلى النار .
و هو الدليل : يدل على خير سبيل .
و هو كتاب : تفصيل ، و بيان و تحصيل .
و هو الفصل : ليس
بالهزل .
و له ظهر و بطن :
فظاهره : حكمة : و
باطنه علم .
ظاهره: أنيق : و باطنه عميق .
له
نجوم : و على نجومه نجوم .
لا تحصى : عجائبه : و لا تبلى غرائبه .
فيه مصابيح الهدى : و منار
الحكمة .
و دليل : على المعروف ، لمن عرف النصفة .
فليرع : رجل بصره ، و ليبلغ الصفة نظره
، ينجو
من عطب : و يخلص من نشب .
فإن التفكر : حياة قلب البصير .
كما يمشي : المستنير في الظلمات
بالنور ، يحسن التخلص و يقل التربص ] .
وقال علي عليه السلام : يصف القرآن على ما في النهج :
[ ينطق : بعضه ببعض .
و يشهد : بعضه على بعض
..] الخطبة.
هذا هو : الطريق المستقيم ، و الصراط السوي ، الذي سلكه معلموا القرآن و هداته صلوات
الله عليهم .
و سنضع : ما تيسر لنا بعون الله سبحانه من الكلام ، على هذه الطريقة ، في البحث عن الآيات
الشريفة ، في ضمن بيانات ، قد اجتنبنا فيها عن أن نركن إلى حجة نظرية فلسفية ، أو إلى
فرضية علمية ، أو إلى مكاشفة عرفانية .
و احترزنا فيها : عن أن نضع إلا نكتة أدبية يحتاج إليها فهم الأسلوب العربي ، أو مقدمة
بديهية ، أو عملية ، لا يختلف فيها الأفهام .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص13 .
+++
( أهم أنواع العلوم والمعارف التي نحصلها في الميزان في تفسير القرآن - عنوان
مضاف -)
و قد تحصل : من هذه البيانات الموضوعة ، على هذه الطريقة من البحث ، استفراغ الكلام فيما
نذكره :
(1 ) : المعارف المتعلقة :
بأسماء الله سبحانه و صفاته : من الحياة ، و العلم ، و القدرة ، و
السمع ، و البصر ، و الوحدة ، و غيرها ، و أما الذات ، فستطلع أن القرآن يراه غنيا عن
البيان .
(2) المعارف المتعلقة :
بأفعاله تعالى : من الخلق ، و الأمر، و الإرادة ، و المشية ، و الهداية ،
و الإضلال ، و القضاء و القدر ، و الجبر و التفويض ، و الرضا و السخط ، إلى غير ذلك من
متفرقات
الأفعال .
(3) المعارف المتعلقة :
بالوسائط الواقعة : بينه و بين الإنسان، كالحجب ، و اللوح ، و القلم
، و العرش ، و الكرسي ، و البيت المعمور ، و السماء و الأرض ، و الملائكة ، و الشياطين
، و الجن ، و
غير
ذلك.
(4) المعارف المتعلقة :
بالإنسان : قبل الدنيا.
(5) المعارف المتعلقة :
بالإنسان : في الدنيا، كمعرفة تاريخ نوعه ، و معرفة نفسه ، و معرفة
أصول اجتماعه ، و معرفة النبوة و الرسالة و الوحي و الإلهام ، و الكتاب و الدين ، و
الشريعة ، و من
هذا الباب مقامات الأنبياء المستفادة من قصصهم المحكية.
(6) المعارف المتعلقة :
بالإنسان : بعد الدنيا ، و هو البرزخ و المعاد.
(7) المعارف المتعلقة :
بالأخلاق الإنسانية : و من هذا الباب ما يتعلق بمقامات
الأولياء في صراط العبودية ، من الإسلام ، و الإيمان ، و الإحسان ، و الإخبات ، و الإخلاص
، و
غير ذلك.
و أما آيات الأحكام : فقد اجتنبنا تفصيل البيان فيها ، لرجوع ذلك إلى الفقه .
++
( طريقة بحث العلامة في الميزان في تفسير القرآن -
عنوان مضاف -)
و قد أفاد هذه الطريقة من البحث :
ارتفاع التأويل : بمعنى الحمل على المعنى المخالف
للظاهر من بين الآيات .
و أما التأويل : بالمعنى الذي يثبته القرآن في مواضع من
الآيات ، فسترى أنه
ليس من قبيل المعاني.
ثم وضعنا في ذيل البيانات : متفرقات من أبحاث روائية ، نورد ما تيسر لنا إيراده من
الروايات المنقولة ، عن النبي و أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين ، من طرق
العامة و الخاصة .
و
أما الروايات : الواردة عن مفسري الصحابة و التابعين ، فإنها
على ما فيها من الخط و التناقض لا حجة فيها على مسلم.
و سيطلع الباحث : المتدبر في الروايات المنقولة عنهم ، أن هذه الطريقة الحديثة التي
بنيت عليها بيانات هذا الكتاب ، أقدم الطرق المأثورة في التفسير التي سلكها معلموه
سلام الله
عليهم.
ثم وضعنا أبحاثا مختلفة : فلسفية ، و علمية ، و تاريخية ، و اجتماعية ، و أخلاقية ، حسب ما
تيسر لنا من البحث ، و قد آثرنا في كل بحث قصر الكلام على المقدمات المسانخة له ، من
غير تعد
عن طور البحث.
نسأل الله تعالى : السداد و الرشاد، فإنه خير معين و هاد .
الفقير إلى الله : محمد حسين الطباطبائي ( رحمه الله وقدس نفسه الزكية ) .
الميزان في تفسير القرآن ج1 ص .15
http://www.alanbare.com/almezan
الميزان في تفسير الميزان