بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير القرآن
 للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ] وهي  [ 286 ] آية
تفسير الآيات من 89 إلى 93 .
الميزان في تفسير القرآن ج‏1ص 222 .

الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي رحمه الله : تفسير سورة البقرة  89 - 93
 ملاحظة : ما بين القوسين (  ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا .

سورة البقرة   89-93 .

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 

 
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{
 وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ
وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا
فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89)
 بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً
أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
فَباءو بِغَضَبٍ عَلى‏ غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90)
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ  قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا
وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ
قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى‏ بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ (92)
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا
قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ
قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) }
 

( تفسير الآيات 89-93 من سورة البقرة ، وفيها بيان لمعاني ألفاظها ، و تحقيق عميق وشيق يعرفنا معنى وجواز القسم على الله بحق النبي وآله صلى الله عليهم ، ولماذا يتوقع أن يبر الله قسم بهم ، بعد بيان سبب عدم إيمان بني إسرائيل بنبينا مع معرفتهم به وغضب الله عليهم ، و بحث روائي : في أن إيمان اليهود ببعثة نبينا دعاهم للسكن في المدينة وما حولها ، مع ذكر روايات استفتاح اليهود بدعائهم الله لطلب النصر بحق نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ..  )

 

بيان ( تفسير الآيات ومعاني ألفاظها )
( سبب عدم إيمان بني إسرائيل بنبينا مع معرفتهم به وغضب الله عليهم )

قوله تعالى : { وَ لَمَّا جاءَهُمْ ....} .
 السياق : يدل على أن هذا الكتاب ، هو القرآن .

و قوله : { وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } .
على وقوع : تعرض بهم من كفار العرب .
و أنهم : كانوا يستفتحون ، أي يطلبون الفتح عليهم ببعثة النبي ، و هجرته .
و أن ذلك الاستفتاح : قد استمر منهم قبل الهجرة .
بحيث : كان الكفار من العرب ، أيضا يعرفون ذلك منهم .
لمكان قوله : { كانُوا .. }.

 و قوله : { فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ... } .
 أي عرفوا : أنه هو ، بانطباق ما كان عندهم من الأوصاف عليه ، كفروا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص222 .

قوله تعالى : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا ...} .
بيان : لسبب كفرهم بعد العلم .
و أن السبب : الوحيد في ذلك .
هو : البغي ، و الحسد .
فقوله : { بَغْياً } ، مفعول مطلق نوعي .
و قوله : { أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ } ، متعلق به .
و قوله تعالى : { فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى‏ غَضَبٍ }.
 أي رجعوا : بمصاحبته ، أو بتلبس غضب ، بسبب كفرهم بالقرآن .
{ عَلى‏ غَضَبٍ }. بسبب كفرهم بالتوراة من قبل .
و المعنى : أنهم كانوا قبل البعثة و الهجرة ، ظهيرا للنبي صلى الله عليه وآله .
و مستفتحين : به ، و بالكتاب النازل عليه .
ثم لما نزل : بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و نزل عليه القرآن .
و عرفوا : أنه هو الذي كانوا يستفتحون به ، و ينتظرون قدومه .
هاج بهم : الحسد .
و أخذهم : الاستكبار .
فكفروا : و أنكروا ما كانوا يذكرونه،  كما كانوا يكفرون بالتوراة من قبل .
فكان : ذلك منهم ، كفرا على كفر .

قوله تعالى :
{ وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ } .
أي يظهرون : الكفر بما وراءه ، و إلا فهم ، بالذي أنزل إليهم ، و هو التوراة أيضا كافرون .

قوله تعالى :
{ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ ...} .
 الفاء : للتفريع .
و السؤال : متفرع ، على قولهم : { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } .
 أي لو كان قولكم : { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } حقا و صدقا .
فلم : تقتلون أنبياء الله ، و لم كفرتم بموسى باتخاذ العجل .
و لم : قلتم عند أخذ الميثاق : و رفع الطور : { سَمِعْنا وَ عَصَيْنا } .
 

قوله تعالى : { وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ...} .
 الإشراب : هو السقي .
و المراد بالعجل : حب العجل ، وضع موضعه ، للمبالغة .
كأنهم : قد أشربوا نفس العجل .
و به يتعلق قوله : { فِي قُلُوبِهِمُ } .
 ففي الكلام : استعارتان ، أو استعارة ، و مجاز .
قوله تعالى : { قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ ... } .
بمنزلة : أخذ النتيجة ، مما أورد عليهم .
من : قتل الأنبياء ، و الكفر بموسى ، و الاستكبار بإعلام المعصية .
و فيه : معنى الاستهزاء بهم .

الميزان في تفسير القرآن ج1ص223 .
 

============

+++++++++

===========

بحث روائي :
( قصة إيمان اليهود ببعثة نبينا دعاهم للسكن في المدينة وما حولها )

في تفسير العياشي ، عن الصادق عليه السلام :
في قوله تعالى : { وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌا ....} الآية .
قال عليه السلام : كانت اليهود ، تجد في كتبهم .
أن مهاجر : محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ما بين عير و أحد ، فخرجوا يطلبون الموضع .
فمروا : بجبل ، يقال له : حداد ، فقالوا : حداد و أحد سواء ، فتفرقوا عنده .
فنزل : بعضهم بتيماء ، و بعضهم بفدك ، و بعضهم بخيبر .
فاشتاق : الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم ، فمر بهم أعرابي من قيس ، فتكاروا منه .
و قال لهم : أمر بكم ما بين عير و أحد .
فقالوا له : إذا مررت بهما ، فأذنا لهم .
فلما : توسط بهم ، أرض المدينة .
قال : ذلك عير ، و هذا أحد ، فنزلوا عن ظهر إبله .
و قالوا له : قد أصبنا بغيتنا ، فلا حاجة بنا إلى إبلك ، فاذهب حيث شئت .
و كتبوا : إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر ، أنا قد أصبنا الموضع ، فهلموا إلينا .
فكتبوا إليهم : أنا قد استقرت بنا الدار ، و اتخذنا بها الأموال ، و ما أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك أسرعنا إليكم .
و اتخذوا : بأرض المدينة أموال .
فلما كثرت : أموالهم ، بلغ ذلك تبع .
فغزاهم : فتحصنوا منه ، فحاصرهم ،  ثم آمنهم ، فنزلوا عليه .
فقال لهم : إني قد استطبت بلادكم ، و لا أراني إلا مقيما فيكم .
فقالوا : ليس ذلك لك ، إنها مهاجر نبي ، و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك .
فقال لهم : فإني مخلف فيكم من أسرتي .
من إذا : كان ذلك ، ساعده و نصره .
خلف : حيين تراهم ، الأوس ، و الخزرج .

فلما كثروا بها : كانوا يتناولون أموال اليهود .
فكانت اليهود تقول لهم :
 أما لو بعث : محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لنخرجنكم من ديارنا و أموالنا .
 فلما بعث الله : محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ،آمنت به الأنصار ، و كفرت به اليهود .
و هو قوله تعالى : { وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا  ....}  إلى آخر الآية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص224 .
 

 

( روايات استفتاح اليهود بدعائهم الله لطلب النصر بحق نبينا )
و في الدر المنثور : أخرج ابن إسحاق و ابن جرير ، و ابن المنذر ، و ابن أبي حاتم ، و أبو نعيم في الدلائل .
عن ابن عباس : أن اليهود كانوا ، يستفتحون على الأوس و الخزرج ، برسول الله قبل مبعثه .
فلما بعثه الله : من العرب ، كفروا به ، و جحدوا ما كانوا يقولون فيه .
فقال لهم : معاذ بن جبل ، و بشر بن أبي البراء ، و داود بن سلمة .
يا معشر اليهود : اتقوا الله و أسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ، و نحن أهل شرك .
و تخبرونا : بأنه مبعوث ، و تصفونه بصفته .
فقال سلام بن مشكم : أحد بني النضير ، ما جاءنا بشي‏ء نعرفه ، و ما هو بالذي كنا نذكر لكم .
فأنزل الله : { وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... } الآية .


و في الدر المنثور أيضا : أخرج أبو نعيم في الدلائل ، من طريق عطاء و الضحاك ، عن ابن عباس قال :
كانت : يهود بني قريظة و النضير ، من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله .
يستفتحون : الله ، يدعون على الذين كفروا .
و يقولون : اللهم ، إنا نستنصرك بحق النبي الأمي ، إلا نصرتنا عليهم ، فينصرون .
فلما جاءهم : ما عرفوا ، يريد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، و لم يشكوا فيه ، كفروا به .
 

++++++++

( تحقيق عميق بمعنى القسم على الله بحق النبي وآله صلى الله عليهم )

أقول :
و روى : قريبا من هذين المعنيين ، بطرق أخرى أيضا .

قال بعض المفسرين : بعد الإشارة إلى الرواية الأخيرة ، و نظائرها .
 إنها : على ضعف رواتها ، و مخالفتها للروايات المنقولة .
شاذة المعنى : بجعل الاستفتاح دعاء بشخص النبي .
 و في بعض : بحقه ، و هذا غير مشروع ، و لا حق لأحد على الله،  فيدعى به . انتهى .

+++


و هذا : ناش من عدم التأمل ، في معنى الحق ، و في معنى القسم .
+
بيانه :
 أن القسم : هو  تقييد الخبر .
أو الإنشاء : بشي‏ء ذي شرافة و كرامة ، من حيث إنه شريف أو كريم .
فتبطل : شرافته أو كرامته ، ببطلان النسبة الكلامية .
فإن كان : خبرا ، فببطلان صدقه .
و إن كان : إنشاء أمرا أو نهيا ، فبعدم امتثال التكليف ( يبطل ) .
+

فإذا قلت :
 لعمري : إن زيدا قائم .
فقد : قيدت صدق كلامك ، بشرافة عمرك و حياتك ، و علقتها عليه .
بحيث : لو كان حديثك كاذبا ، كان عمرك فاقدا للشرافة .

و كذا إذا قلت :
أفعل : كذا ، و حياتي .
أو قلت : أقسمك بحياتي ، أن تفعل كذا .
فقد : قيدت أمرك ، بشرف حياتك .
بحيث : لو لم يأتمر مخاطبك ، لذهب بشرف حياتك و قيمة عمرك .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص225 .

+
و من هنا يظهر :
أولا : أن القسم ، أعلى مراتب التأكيد في الكلام ، كما ذكره أهل الأدب .
و ثانيا : أن المقسم به ، يجب أن يكون أشرف من متعلقه .
فلا معنى : لتأكيد الكلام ، بما هو دونه في الشرف و الكرامة ..


+++
و قد أقسم :
الله تعالى : في كتابه ، باسم نفسه و وصفه .
كقوله : { وَ اللَّهِ رَبِّنا .. (23) } الأنعام.
و كقوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) }الحجر .
و قوله : { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ } .
( وأقسم سبحانه بقول : { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)  } الذاريات .
وبقوله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) } مريم .
+
و أقسم
:
 بنبيه : و ملائكته ، و كتبه .
+
و أقسم
: بمخلوقاته .
 كالسماء : و الأرض .
و الشمس : و القمر .
 و النجوم : و الليل .
 و النهار : و اليوم .
 و الجبال : و البحار .
 و البلاد : و الإنسان .
 و الشجر : و التين و الزيتون .
+

و ليس : إلا أن ، لها شرافة حقة ، بتشريف الله .
و كرامة : على الله ، من حيث إن كلا منها .
إما ذو صفة : من أوصافه المقدسة ، الكريمة بكرامة ذاته المتعالية .
أو فعل : منسوب إلى منبع البهاء و القدس .
و الكل : شريف ، بشرف ذاته الشريفة .
++++

فما المانع : للداعي منا ، إذا سأل الله شيئا ، أن يسأله بشي‏ء منها .
من حيث : إن الله سبحانه شرفه ، و أقسم به .

و ما الذي : هون الأمر .
 في خصوص : رسول الله صلى الله عليه وآله .
حتى أخرجه : من هذه الكلية ، و استثناء من هذه الجملة ؟ .
+++
 

و لعمري : ليس رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
بأهون : عند الله .
من : تينة عراقية ، أو زيتونة شامية .


و قد أقسم الله :
 بشخصه : الكريم .
فقال : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) } الحجر .

+

ثم إن الحق : و يقابله الباطل .
 ( والحق ) : هو الثابت الواقع في الخارج ، من حيث إنه كذلك .
كالأرض : و الإنسان ، و كل أمر ثابت في حد نفسه .
و منه : الحق المالي ، و سائر الحقوق الاجتماعية .
حيث : إنها ثابتة بنظر الاجتماع .

و قد أبطل : القرآن .
كل ما : يدعى حقا.
إلا ما : حققه الله ، و أثبته .
سواء : في الإيجاد ، أو في التشريع .

فالحق :
 في عالم : التشريع ، و ظرف الاجتماع الديني .
هو : ما جعله الله حقا ، كالحقوق المالية ، و حقوق الإخوان ، و الوالدين على الولد .
و ليس : هو سبحانه ، محكوما بحكم أحد .
فيجعل : عليه تعالى ما يلزم به .
كما ربما : يظهر من بعض الاستدلالات الاعتزالية
الميزان في تفسير القرآن ج1ص226 .

غير أنه : من الممكن ، أن يجعل على نفسه حق .
جعلا : بحسب لسان التشريع ، فيكون حقا لغيره عليه تعالى .
كما قال تعالى : { كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) } يونس  .
و قال تعالى : { وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) } الصافات .
و النصر : كما ترى مطلق ، غير مقيد بشي‏ء .
فالإنجاء : حق للمؤمنين على الله .
و النصر : حق للمرسل على الله تعالى .
و قد : شرفه الله تعالى .
حيث : جعله له .
فكان : فعلا منه ، منسوبا إليه ، مشرفا به .
 

فلا مانع : من القسم به عليه تعالى .
و هو : الجاعل ، المشرف للحق ، و المقسم بكل أمر شريف .

إذا عرفت ما ذكرناه :
علمت : أن لا مانع من إقسام الله تعالى ، بنبيه صلى الله عليه وآله ، أو بحق نبيه .
و كذا إقسامه : بأوليائه الطاهرين ، أو بحقهم .
و قد جعل : لهم على نفسه حقا .
أن ينصرهم : في صراط السعادة ، بكل نصر مرتبط بها ، كما عرفت .
 

و أما قول القائل :
 ليس : لأحد على الله حق .

فكلام : واه .
نعم : ليس على الله حق يثبته عليه غيره .
فيكون : محكوما بحكم غيره مقهورا بقهر سواه .
و لا كلام : لأحد في ذلك ، و لا أن الداعي يدعوه بحق ألزمه به غيره

بل : بما جعله ، هو تعالى .
بوعده : الذي لا يخلف ، هذا .

 

( يا طيب : ما جاء من استفتاح وقسم اليهود وتوجهم إلى الله تعالى بحق نبي الرحمة ، في رواياتنا يوجد في روايات أخرى ، وبتفاصيل متنوعة ولأحوال أخرى .
 وما ذكره السيد : في التفسير أعلاه من روايات العامة ، وعن عدة مصادر وعن عدة رواة منهم :
ولكنهم : لكونها متعلقة بنبي الرحمة وشرفه وفضله ، رفضها بعضهم وضعفوها سندا ومعنى .
 وجزا الله تعالى : السيد الطباطبائي خير الجزاء على ما نورنا به من تحقيق شريف ، وعالي المعاني ، وعميق الأسلوب ، وحسن البحث .
وأنه  رحمه الله : أوضح ببيان جميل ، معنى القسم وحقيقته ، وأنه بحق من جعل الله تعالى له حقا ، و  أن الله تعالى أقسم بحق النبي ، وجعل له حرمة في كثير من الآيات ، ويمكن أن يقسم عليهم به بل وبآله ، لما جعل لهم من الحرمة والشأن الكريم ، فيبر قسم من يقسم عليه بحقهم .
و لذا الحق : مع المؤمنين ، حين يقسمون على الله بحق نبي الرحمة وآله الكرام الطيبين الطاهرين ، وتقديمهم بين يدي الدعاء وقبله ، والتوسل بحقهم على الله الذي جعلهم أشرف خلقه وأفضل من يحترمهم من العباد ، ولا يرد الله تعالى قسم من يقسم عليه بحقهم الذي جعله لهم ، وبالخصوص ممن يتولاهم ومن يعرف شرفهم وشأنهم الكريم عنده تعالى ، وأنه قد طهرهم بآية التطهير ، وصدقهم بآية المباهلة ، وأمر بودهم بأية المودة ، وأمر بوجوب طاعتهم وإتباعهم بآيات القربى والإمامة والولاية ، وجعلهم آية الخير والبركة في سورة الكوثر ، وقد قال الله له تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وقال له { وأما بنعمة ربك فحدث } وغيرها ، وأي شرف وكرامة لشيء أعلى من نبي الرحمة وآله شأنا حتى يبر القسم بحقهم عليه ، ويكرم العبد المقسم عليه بحقهم بفضله ويقضي حوائجه ، وبالخصوص حين تقديمهم بين يدي الطلب منه تعالى .
فإنه:  نفس الآيات مورد التفسير ، الله تعالى قال :  { وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا  ....} .
فكان استفتاحهم : في أول الدعاء وطالب النصر من الله مقسمين عليه بنبي الرحمة وآله ، وإلا بما كانوا يستفتحون ، والآيات نازلة في تعريف نبي الرحمة ، وأنهم كيف كانوا يحكون لكفار مكة والمدينة وغيرها ، بأنه سيبعث ، ويظهرون اسمه وفضله وشرفه عند الله تعالى ، وبالخصوص بالدعاء والتوسل إلى الله بحقه الذي جعله الله له وشرفه به ، هذا .
فضلا : عن أمر الله تعالى بالصلاة والسلام  على نبي الرحمة .
قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } الأحزاب .
وقال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ
جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) } النساء .

فأي شرف : وأعلى كرامة من أمر العباد على طول الزمان إلى يوم القيامة ، أن يصلوا على نبي الرحمة وآله صلى الله عليهم وسلم ، وأن نسلم عليهم ونسلم لهم ، فنقتدي بهم بكل معارف علومهم ، ثم بعد أن يسلم ويصلي عليهم يستغفر الله المؤمن ، ويطلب من الرسول وآله أن يستغفروا له ، ثم يطلب حاجته .
وهذا الشرف و التكريم : يستمر لنبي الرحمة ولآله أولي الأمر من بعده ، وهو معنى الحق والمقام الكريم لهم ، ومن يسأل الله بحقهم وشرفهم ، فلا يخزي الله الرسول والذين آمنوا به وعرفوه بما له من الشأن الكريم عند الله تعالى

وهذا كتاب لآية الله السبحاني في القسم في القرآن الكريم ، وهو تلميذ آية الله الطباطبائي رحمه الله ، وفيه بحوث كريمة في صحة القسم بالنبي وآله وتقديمهم بين يد الدعاء والتوجه إلى الله تعالى والطلب بحقهم وأسمه الأقسام في القرآن  .
http://imamsadeq.com/ar.php/page,531BookAr73.html?PHPSESSID=6fe5be57bca5730fed5c42c5d95867b6  ) .

 


( وإن شاء الله سيأتي في تفسير الآيات 95 - 101 من سورة البقرة : معنى رد دعوى بني إسرائيل بأن لهم الدار الآخرة من دون الناس وأنهم لا يتمنوها ، و بيان سبب نسبة الأعمال إلى الأيدي وحرص بني إسرائيل على الحياة ، و بيان أسباب بطلان عداوتهم لجبرائيل وعدم إيمانهم بنبينا ، و بحث روائي في هذا المعنى )
 

.

 

 

 

 

http://www.alanbare.com/almezan
 الميزان في تفسير الميزان
للعلامة محمد حسين الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية
استخرج التفسير الموضوعي منه ورتب فهارسه
 وأعد الصفحة للإنترنيت

خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين