بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ]
وهي [ 286 ] آية
تفسير الآيات من 83 إلى 88 .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 218.
ملاحظة : ما بين القوسين
( ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 83 - 88
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ |
|
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ
لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَ
بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ
وَ
قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ
ثُمَّ
تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
وَ إِذْ
أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ
مِنْ دِيارِكُمْ
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
ثُمَّ أَنْتُمْ
هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ
دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ
وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ
أَ فَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ
مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ
إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(85)
أُولئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ
الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ
قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ
وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما
لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً
تَقْتُلُونَ (87)
وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما
يُؤْمِنُونَ (88) } البقرة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص218 .
( تفسير الآيات 83-88 من سورة البقرة ، ومعنى ألفاظها و بديع نظمها بين مخاطبة
الحاضر والإشارة للغائب ، و معنى الإحسان والوالدان واليتيم والمسكين ، و معنى سفك الدماء ، والتظاهر ،
والإيمان ببعض الكتاب ، و التقفية .. و بحث روائي في معنى قولوا للناس حسنا ) :
بيان : ( معنى وتفسير الآيات ) :
( بديع نظم الآيات بين الغيبة والخطاب )
قوله تعالى : { وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ....} .
في بديع نظمها
: تبتدئ أولا بالغيبة ، و
تنتهي إلى الخطاب .
حيث تقول : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا
قَلِيلًا مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } .
ثم إنها (الآيات ) تذكر :
أولا : الميثاق : و هو أخذ
للعهد ، و لا يكون إلا بالقول .
ثم تحكي : ما أخذ عليه الميثاق ، فتبتدئ فيه بالخبر .
حيث تقول : { لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ..} .
و تختتم بالإنشاء : حيث تقول : { وَ قُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْناً .. } .
و لعل : الوجه في ذلك كله .
أن الآيات : المتعرضة لحال بني
إسرائيل .
لما بدئت : بالخطاب ، لمكان اشتمالها على التقريع و التوبيخ
.
و جرت عليه : كان
سياق الكلام فيها الخطاب .
ثم لما تبدل : الخطاب بالغيبة ، بعد قصة البقرة .
لنكتة : داعية
إليها ، كما مر .
حتى انتهت : إلى هذه الآية .
فبدئت أيضا : بالغيبة .
لكن الميثاق : حيث كان
بالقول ، و بني على حكايته ، حكي بالخطاب .
فقيل : { لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ....} .
و
هو : نهي ، في صورة الخبر .
و إنما فعل ذلك : دلالة على شدة الاهتمام به .
كان الناهي :
لا
يشك : في عدم تحقق ما نهى عنه ، في الخارج .
و لا يرتاب : في أن المكلف المأخوذ عليه
الميثاق ، سوف لا ينتهي عن نهيه .
فلا يوقع : الفعل قطعا .
و كذا قوله : { وَ
بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ ..} .
كل ذلك : أمر ، في صورة الخبر .
ثم إن الانتقال : إلى الخطاب من قبل الحكاية .
أعطى : فرصة للانتقال إلى أصل الكلام .
و
هو : خطاب بني إسرائيل ، لمكان الاتصال .
في قوله : { وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا
الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ .....} .
و انتظم : بذلك السياق .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص219 .
( معنى الإحسان والوالدان واليتيم والمسكين
)
قوله تعالى : { وَ بِالْوالِدَيْنِ
ِحْساناً ..} .
أمر : أو خبر بمعنى الأمر .
و التقدير : و
أحسنوا بالوالدين إحسان ، و ذي القربى و اليتامى و المساكين .
أو التقدير : و تحسنون
بالوالدين إحسان ، .... إلى آخرة .
و قد رتب : موارد الإحسان ، أخذا من الأهم و الأقرب ، إلى المهم
و الأبعد .
فقرابة الإنسان : أقرب إليه من غيرهم .
و الوالدان : و هما الأصل الذي تتكي
عليه ، و تقوم به شجرة وجوده .
أقرب : من غيرهما من الأرحام .
و في غير القرابة أيضا
: اليتامى أحق بالإحسان لصغرهم ، ولفقدهم من يقوم بأمرهم من المساكين .
هذا .
و قوله : { وَ
الْيَتامى } .
اليتيم : من مات أبوه ، و لا يقال لمن ماتت أمه يتيم .
و قيل : اليتيم في
الإنسان ، إنما تكون ، من جهة الأب .
و في غير الإنسان : من سائر الحيوان ، من جهة الأم .
و قوله تعالى :
{ وَ الْمَساكِينِ } .
جمع مسكين : و هو الفقير العادم الذليل .
و قوله
تعالى : { حُسْناً } .
مصدر : بمعنى الصفة ، جيء به للمبالغة .
و في بعض القراءات : حسن ،
بفتح الحاء و السين ، صفة مشبهة .
و المعنى : قولوا للناس قولا حسن .
و هو كناية : عن حسن
المعاشرة مع الناس ، كافرهم ، و مؤمنهم .
و لا ينافي : حكم القتال ، حتى تكون آية القتال
ناسخة له .
لأن : مورد القتال ، غير مورد المعاشرة .
فلا ينافي : الأمر بحسن المعاشرة .
كما أن
: القول الخشن في مقام التأديب ، لا ينافي حسن المعاشرة .
+
( معنى السفك والتظاهر والإيمان ببعض الكتاب
والتقفية .. )
قوله تعالى : { لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ } .
خبر : في معنى الإنشاء ، نظير ما مر .
في
قوله : {
لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ }.
و السفك : الصب .
قوله تعالى : { تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ } .
التظاهر : هو التعارف ، و الظهير العون
، مأخوذ من الظهر ، لأن العون يلي ظهر الإنسان .
قوله تعالى : { وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ } .
الضمير : للشأن و القصة
.
كقوله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } .
قوله تعالى : { أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ } .
أي : ما هو الفرق بين الإخراج
و الفدية .
حيث : أخذتم بحكم الفدية ، و تركتم حكم الإخراج .
و هما جميعا في الكتاب : { أَ
فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } .
قوله تعالى : { وَ قَفَّيْنا } .
التقفية : الإتباع ، و إتيان الواحد قفا الواحد .
قوله تعالى : { وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ }.
سيأتي الكلام : فيه
في سورة آل عمران .
قوله تعالى : { وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ } .
جمع أغلف : من الغلاف ، أي قلوبنا محفوظة
تحت لفائف و أستار و حجب .
فهو نظير قوله تعالى : { وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي
أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ (5) } حم سجدة .
و هو : كناية ، عن عدم إمكان
استماع ما يدعون إليه .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص220 .
+++++++
بحث روائي : ( معنى قولوا للناس حسنا ) :
في الكافي ، عن أبي جعفر عليه السلام :
في قوله تعالى : { وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ....} الآية
.
قولوا للناس : أحسن ما تحبون أن يقال فيكم .
و في الكافي أيضا : عن الصادق عليه السلام قال:
قولوا للناس : و لا تقولوا إلا خيرا ، حتى تعلموا
ما هو .
و في المعاني : عن الباقر عليه السلام قال:
قولوا للناس : أحسن ما تحبون أن يقال لكم .
فإن الله
عز و جل : يبغض السباب ، اللعان ، الطعان على
المؤمنين ، الفاحش المفحش ،
السائل .
و يحب : الحيي
، الحليم ، العفيف ، المتعفف .
أقول :
و روى : مثل الحديث في الكافي ، بطريق آخر عن الصادق عليه السلام ، و كذا العياشي عنه عليه
السلام .
و
مثل : الحديث الثاني ، في الكافي عنه .
و مثل : الحديث الثالث ، العياشي عن الباقر عليه السلام .
و
كائن : هذه المعاني ، اُستفيدت :
من إطلاق : الحسن ، عند القائل
.
و إطلاقه : من حيث المورد .
و في تفسير العياشي ، عن الصادق عليه السلام قال :
إن الله : بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم
، بخمسة أسياف .
فسيف : على
أهل الذمة .
قال الله : { وَ قُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْناً } .
نزلت : في أهل الذمة ، ثم نسختها
أخرى .
قوله : { قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ....(29) } التوبة ،
الحديث .
أقول :
و هو منه عليه السلام : أخذ بإطلاق آخر للقول .
و هو : شموله للكلام ، و لمطلق التعرض .
يقال :
لا
تقل له : إلا حسنا و خيرا .
أي لا تتعرض له : إلا بالخير و الحسن ، و لا تمسسه إلا بالخير
و الحسن . هذا .
إن كان النسخ : في قوله عليه السلام ، هو النسخ بالمعنى الأخص .
و هو : المصطلح .
و يمكن : أن يكون المراد ، هو النسخ بالمعنى الأعم .
على ما سيجيء في
قوله تعالى : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها (106) } البقرة .
و هو الكثير
: في كلامهم عليهم السلام ، لتكون هذه الآية ، و آية القتال ، غير متحدتين موردا .
.الميزان في تفسير القرآن ج1ص221 .
( لأنه قولوا للناس حسنا ، لمطلق العباد عامة المورد ، وآية قاتلوا مختصة بغير
المؤمنين مع شروطها ، على القول الثاني ، وسيأتي تفصيل معنى النسخ في تفسير الآية 106 من سورة
البقرة )
( وإن شاء الله يأتي
( تفسير الآيات 89-93 من سورة البقرة ، وفيها بيان لمعاني ألفاظها ، و تحقيق عميق وشيق يعرفنا جواز القسم على الله بحق النبي وآله صلى الله عليهم ، بعد بيان سبب عدم إيمان بني إسرائيل بنبينا مع معرفتهم به وغضب الله عليهم ، و بحث روائي : في أن إيمان اليهود ببعثة نبينا دعاهم للسكن في المدينة وما حولها ، مع ذكر روايات استفتاح اليهود بدعائهم الله لطلب النصر بحق نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. )
http://www.alanbare.com/almezan