بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير القرآن
 للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ] وهي  [ 286 ] آية
تفسير الآيات من 63 إلى 74 .
الميزان في تفسير القرآن ج‏1ص 198 .

الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي رحمه الله : تفسير سورة البقرة الآيات 63- 74
 ملاحظة : ما بين القوسين (  ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا .

سورة البقرة من 63 - 74 .

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 

 
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ   وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ   وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ   لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ  فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ  لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64)
 وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ   فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65)
 فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها 
وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً
قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ  قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ  فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68)
 قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها  قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
 قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ  إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا  وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
 قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها
قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها  وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى‏  وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)

 ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ  وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ
 وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ   وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) } البقرة .
 

(تفسير الآيات 63-74 من سورة البقرة وبيان معانيها ، ويتبعها بحث فلسفي في إحياء الأموات و المسخ ورجوع الأموات للاستكمال ، و بحث علمي و أخلاقي في معنى التقليد والاجتهاد ، بعد بيان تفسير الآيات وما فيها من قصص بني إسرائيل ، وأهمها قصة رفع الطور وأخذ الميثاق عليهم ، وقصة البقرة والقتيل الذي أحيي بضربه ببعضها ، وبيان مفصل يبين مجادلة بني إسرائيل لنبيهم وكثرة تشديدهم وتشديد الله عليهم ، وبيان موارد كثيرة لسوء أدبهم مع نبيهم وعدم احترامهم لأوامر الله سبحانه وتعالى )


بيان : ( رفع الطور فوقهم لإرهابهم ليلتزموا بالدين لا لإجبارهم )
قوله تعالى : { وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ (63)} .
 الطور : هو الجبل ، كما بدله منه .
في قوله تعالى : { وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (171) } الأعراف  .
و النتق : هو الجذب و الاقتلاع .
و سياق الآية :
 حيث : ذكر أخذ الميثاق ، أولا .
و الأمر : بأخذ ما أوتوا .
و ذكر : ما فيه ، أخيرا .
و وضع : رفع الطور فوقهم بين الأمرين ، مع السكوت عن سبب الرفع و غايته .
 يدل على أنه : كان لإرهابهم بعظمة القدرة ، من دون أن يكون لإجبارهم و إكراههم على العمل بما أوتوه .
و إلا : لم يكن لأخذ الميثاق وجه .

+

فما ربما يقال :
إن رفع الجبل : فوقهم ، لو كان على ظاهره ، كان آية معجزة .
و أوجب : إجبارهم ، و إكراههم على العمل .
و قد قال سبحانه : { لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ (256) } البقرة  .
و قال تعالى : { أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) } يونس .

غير وجيه :
فإن الآية : كما مر ، لا تدل على أزيد من الإخافة و الإرهاب .
و لو كان : مجرد رفع الجبل فوق بني إسرائيل ، إكراها لهم على الإيمان أو العمل .
لكان : أغلب معجزات موسى ، موجبة للإكراه .
نعم : هذا التأويل ، و صرف الآية عن ظاهره .
+


و القول :
بأن بني إسرائيل : كانوا في أصل الجبل .
 فزلزل و زعزع : حتى أظل رأسه عليهم .
فظنوا : أنه واقع بهم .
فعبر عنه : برفعه فوقهم ، أو نتقه فوقهم .


مبني :
على أصل : إنكار المعجزات ، و خوارق العادات .
و قد مر : الكلام فيها .
و لو جاز : أمثال هذه التأويلات .
لم يبق : للكلام ظهور .
و لا : لبلاغة الكلام و فصاحته ، أصل تتكي عليه و تقوم به .
 

قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
 لعل : كلمة ترج ، و اللازم في الترجي ، صحته في الكلام .
سواء : كان قائما بنفس المتكلم ، أو المخاطب ، أو بالمقام .
كأن يكون : المقام مقام رجاء ، و إن لم يكن للمتكلم و المخاطب ، رجاء فيه .
و هو : لا يخلو عن شوب جهل بعاقبة الأمر .
فالرجاء : في كلامه تعالى .
إما بملاحظة : المخاطب ، أو بملاحظة المقام .
و أما هو تعالى : فيستحيل نسبة الرجاء إليه ، لعلمه بعواقب الأمور ، كما نبه عليه الراغب في مفرداته .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص199 .


قوله تعالى : { كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ } ، أي صاغرين .
قوله تعالى : { فَجَعَلْناها نَكالًا } ، أي عبرة يعتبر به .
و النكال : هو ما يفعل من الإذلال و الإهانة بواحد ، ليعتبر به آخرون .
+

 

( بيان قصة البقرة )
( بيان سبب التقديم والتأخير في القصة وفي الخطاب والغيبة )
قوله تعالى : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ..... }.
 هذه قصة : بقرة بني إسرائيل ، و بها سميت السورة سورة البقرة .
و الأمر : في بيان القرآن لهذه القصة عجيب .
فإن القصة : فصل بعضها عن بعض .
حيث قال تعالى : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ ......} إلى آخره .
 ثم قال : { وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها } .
ثم إنه أخرج : فصلا منها من وسطها ، و قدم أولا .
و وضع : صدر القصة ، و ذيلها ثاني .

ثم إن الكلام :
 كان
: مع بني إسرائيل في الآيات السابقة ، بنحو الخطاب .
فانتقل : بالالتفات إلى الغيبة .
حيث قال : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ } .
ثم التفت : إلى الخطاب ثانيا .
بقوله : { وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها } .

أما الالتفات :
في قوله تعالى : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } .
 ففيه : صرف الخطاب عن بني إسرائيل ، و توجيهه إلى النبي في شطر من القصة .
و هو : أمر ذبح البقرة و توصيفها .
 ليكون : كالمقدمة الموضحة للخطاب ، الذي سيخاطب به بنو إسرائيل .
بقوله : { وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
 فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى‏ وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)  } .
 الآيتان : في سلك الخطابات السابقة .
فهذه الآيات الخمس :
من قوله : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ .... (67)} ، إلى قوله : { ... وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) } .
كالمعترضة : في الكلام ، تبين معنى الخطاب التالي .
 

( بيان ما في الآيات من سوء أدب بني إسرائيل  )
مع ما فيها : من الدلالة على سوء أدبهم و إيذائهم لرسولهم ، برميه بفضول القول و لغو الكلام .
مع ما فيه : من تعنتهم و تشديدهم ، و إصرارهم في الاستيضاح و الاستفهام .
المستلزم : لنسبة الإبهام ، إلى الأوامر الإلهية ، و بيانات الأنبياء .
مع ما في كلامهم : من شوب الإهانة و الاستخفاف الظاهر بمقام الربوبية .

فانظر :
إلى قول موسى عليه السلام لهم : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } .
 و قولهم : { ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ }.
 و قولهم ثانيا : { ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُه }
 و قولهم ثالثا : { ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا }.
 فأتوا في الجميع : بلفظ ربك ، من غير أن يقولوا ربنا .
ثم كرروا قولهم : { ما هِيَ } .
و قالوا : { إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا } .
فادعوا : التشابه بعد البيان .
و لم يقولوا : إن البقرة تشابهت علينا .
بل قالوا : { إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا } .
كأنهم : يدعون أن جنس البقر متشابه .
و لا يؤثر : هذا الأثر ، إلا بعض أفراد هذا النوع .
و هذا المقدار : من البيان ، لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب و تشخيصه .
مع أن : التأثير لله عز اسمه ، لا للبقرة .

و قد أمرهم : أن يذبحوا بقرة ، فأطلق القول و لم يقيده بقيد .
و كان لهم : أن يأخذوا بإطلاقه .
 

ثم انظر إلى قولهم لنبيهم : { أَ تَتَّخِذُنا هُزُوا } .
المتضمن : لرميه عليه السلام بالجهالة و اللغو .
حتى نفاه عن نفسه بقوله : { أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ }.
 و قولهم : أخيرا ، بعد تمام البيان الإلهي : { الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } .
 الدال : على نفي الحق ، عن البيانات السابقة ، المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز ، البيان الإلهي ، و التبليغ النبوي .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص200 .

و بالجملة :
فتقديم : هذا الشطر من القصة ، لإبانة الأمر في الخطاب التالي ، كما ذكر ، مضافا إلى نكتة أخرى .
و هي : أن قصة البقرة .
غير مذكورة :
في التوراة ، الموجودة عند اليهود اليوم .
فكان : من الحري ، أن لا يخاطبوا بهذه القصة أصلا .
أو يخاطبوا بها : بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التحريف .
فأعرض : عن خطابهم أولا ، بتوجيه الخطاب إلى النبي .
ثم بعد : تثبيت الأصل ، عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل .
+

 

( قصة التوراة في حكم القتيل الذي لم يعرف قاتله )
نعم : في هذا المورد من التوراة ، حكم لا يخلو عن دلالة ما على وقوع القصة .
و هاك عبارة التوراة :
قال : في الفصل الحادي و العشرين ، من سفر تثنية الاشتراع :
إذا وجد
: قتيل ، في الأرض التي يعطيك الرب إلهك ، لتمتلكها واقعا في الحقل ، لا يعلم من قتله .
يخرج : شيوخك و قضاتك ، و يقيسون إلى المدن التي حول القتيل .
فالمدينة : القريبة من القتيل ، يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها ، لم تجر بالغير .
و ينحدر : شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان ، لم يحرث فيه ، و لم يزرع .
و يكسرون : عنق العجلة في الوادي ، ثم يتقدم الكهنة بني لاوي ، لأنه إياهم اختار الرب إلهك ، ليخدموه ، و يباركوا باسم الرب .
و حسب قولهم : تكون كل خصومة ، و كل ضربة .
و يغسل : جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل ، أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي .
و يصرخون و يقولون : أيدينا لم تسفك هذا الدم ، و أعيننا لم تبصر .
اغفر : لشعبك إسرائيل ، الذي فديت ، يا رب .
و لا تجعل : دم بري‏ء ، في وسط شعبك إسرائيل ، فيغفر لهم الدم . انتهى .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص201 .
 

 

( عدم مسارعة بني إسرائيل لجهلهم حكمة الله وضعف إيمانهم بقدرته )
إذا عرفت هذا : على طوله .
علمت : أن بيان هذه القصة على هذا النحو ، ليس من قبيل فصل القصة .
بل القصة : مبينة على نحو الإجمال في الخطاب .
الذي في قوله : { وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً .... } .
و شطر : من القصة مأتي به ، ببيان تفصيلي في صورة قصة أخرى ، لنكتة دعت إليه .
 

فقوله تعالى : { وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ ... } .
 خطاب للنبي عليه السلام : و هو كلام في صورة قصة .
و إنما هي : مقدمة توضيحية للخطاب التالي .
لم يذكر معها : السبب الباعث على هذا الأمر ، و الغاية المقصودة منها .
بل أطلقت : إطلاقا ، ليتنبه بذلك نفس السامع ، و تقف موقف التجسس ، و تنتشط إذا سمعت أصل القصة ، و نالت الارتباط بين الكلامين .
و لذلك : لما سمعت بنو إسرائيل .
قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } .
تعجبوا : من ذلك ، و لم يحملوه إلا على أن نبي الله موسى ، يستهزئ بهم .
لعدم وجود : رابطة عندهم ، بين ذبح البقرة ، و ما يسألونه من فصل الخصومة ، و الحصول على القاتل .
قالوا : أ تتخذنا هزوا و سخرية .
و إنما قالوا : ذلك ، لفقدهم روح الإطاعة و السمع ، و استقرار ملكة الاستكبار ، و العتو فيهم .
و قولهم : إنا لا نحوم حول التقليد المذموم ، و إنما نؤمن بما نشاهده و نراه .
كما قالوا لموسى : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } .
+
و إنما وقعوا : فيما وقعوا .
من جهة : استقلالهم في الحكم و القضاء ، فيما لهم ذلك ، و فيما ليس لهم ذلك .
فحكموا : بالمحسوس على المعقول ، فطالبوا معاينة الرب بالحس الباصر .
و قالوا : { يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ  قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) } الأعراف .
و زعموا : أن نبيهم موسى مثلهم ، يتهوس كتهوسهم ، و يلعب كلعبهم ، فرموه بالاستهزاء و السفه و الجهالة .
حتى رد عليهم و : { قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) } .
و إنما : استعاذ بالله ، و لم يخبر عن نفسه ، بأنه ليس بجاهل .
لأن ذلك : منه عليه السلام .
أخذ : بالعصمة الإلهية ، التي لا تتخلف .
لا الحكمة  : الخلقية ، التي ربما تتخلف .

و زعموا : أن ليس للإنسان أن يقبل قولا ، إلا عن دليل .
و هذا : حق .

لكنهم : غلطوا في زعمهم .
 أن كل حكم : يجب العثور على دليله تفصيلا ، و لا يكفي في ذلك الإجمال .
و من أجل ذلك : طالبوا تفصيل أوصاف البقرة .
لحكمهم : أن نوع البقر ليس فيه خاصة الإحياء .
فإن كان : و لا بد ، فهو في فرد خاص منه ، يجب تعيينه بأوصاف كاملة البيان .
و لذلك : { قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ } .
و هذا تشديد : منهم على أنفسهم ، من غير جهة ، فشدد الله عليهم .
و قال موسى : { إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ   لا فارِضٌ  } .
أي ليست : بمسنة انقطعت ولادتها .
 الميزان في تفسير القرآن ج1ص202 .
{ وَ لا بِكْرٌ } : أي لم تلد .
{ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ } : و العوان من النساء و البهائم ، ما هو في منتصف السن ,
أي واقعة : في السن ، بين ما ذكر من الفارض و البكر .

ثم ترحم : عليهم ربهم ، فوعظهم ، أن لا يلحوا في السؤال ، و لا يشددوا على أنفسهم ، و يقنعوا بما بين لهم .
فقال : { فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ } .

 لكنهم : لم يرتدعوا بذلك بل : {  قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها  قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) } .
و تم بذلك : وصف البقرة بيان ، و اتضح أنها ما هي و ما لونها .
و هم : مع ذلك لم يرضوا به ، و أعادوا كلامهم الأول ، من غير تحجب و انقباض .
{ و قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } .
 فأجابهم ثانيا : بتوضيح في ماهيتها و لونها .
و قال : { إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ } ، أي غير مذللة بالحرث و السقي .
{ تُثِيرُ الْأَرْضَ } : بالشيار ، { وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ } .
فلما تم : عليهم البيان ، و لم يجدوا ما يسألونه .
{ قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } .
قول : من يعترف بالحقيقة بالإلزام و الحجة ، من غير أن يجد إلى الرد سبيل .
فيعترف : بالحق اضطرارا .
و يعتذر : عن المبادرة إلى الإنكار ، بأن القول لم يكن مبينا من قبل ، و لا بيانا تاما .
 و الدليل على ذلك قوله تعالى : { فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ } .

قوله تعالى : { وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها } .
 شروع : في أصل القصة .
و التدارؤ : هو التدافع من الدرء ، بمعنى الدفع فقد كانوا قتلوا نفس .
و كل طائفة : منهم ، يدفع الدم عن نفسها إلى غيره .
و أراد الله سبحانه : إظهار ما كتموه .
قوله تعالى : { فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها } .
  أول الضميرين : راجع إلى النفس ، باعتبار أنه قتيل ، و ثانيهما إلى البقرة .

+

و قد قيل :
إن المراد بالقصة : بيان أصل تشريع الحكم .
حتى ينطبق : على الحكم المذكور في التوراة ، الذي نقلناه .

و المراد : بإحياء الموتى ، العثور بوسيلة تشريع هذا الحكم على دم المقتول .
 نظير ما ذكره تعالى بقوله : { وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (179) } البقرة  .
من دون : أن يكون هناك إحياء ، بنحو الإعجاز ، هذا .

و أنت خبير :
بأن سياق الكلام : و خاصة قوله تعالى : { فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى‏ } .
 يأبى : ذلك .

الميزان في تفسير القرآن ج1ص203 .
 

++

( بيان معنى قسوة قلوبهم وتشقق الحجارة بالماء وهبوطها من خشية الله  )
قوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ......  (74)} .
القسوة : في القلب ، بمنزلة الصلابة في الحجر .
و كلمة : أو ، بمعنى بل ، و المراد بكونها بمعنى ، بل ، انطباق معناه على مورده .
و قد بين : شدة قسوة قلوبهم .
بقوله : { وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ } .
 و قوبل فيه : بين الحجارة و الماء .
لكون الحجارة : يضرب بها المثل في الصلابة .
ككون الماء : يضرب به المثل في اللين .
فهذه الحجارة : على كمال صلابتها ، يتفجر منها الأنهار على لين مائها .
و تشقق : فيخرج منها الماء ، على لينه و صلابته .
و لا يصدر : من قلوبهم حال يلائم الحق ، و لا قول حق يلائم الكمال الواقع .

قوله تعالى : { وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } .
و هبوط الحجارة : ما نشاهد من انشقاق الصخور على قلل الجبال .
و هبوط قطعات : منها ، بواسطة الزلازل .
و صيرورة الجمد : الذي يتخللها في فصل الشتاء ، ماء في فصل الربيع ، إلى غير ذلك .
و عد هذا الهبوط : المستند إلى أسبابها الطبيعية ، هبوطا من خشية الله تعالى .
لأن جميع : الأسباب ، منتهية إلى الله سبحانه .

فانفعال الحجارة : في هبوطها عن سببها الخاص بها ، انفعال عن أمر الله سبحانه إياها بالهبوط .
و هي شاعرة : لأمر ربها شعورا تكوينيا .
كما قال تعالى : { وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ  وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (44) } إسراء  .
و قال تعالى : { كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) } البقرة  .
و الانفعال الشعوري : هو الخشية ، فهي هابطة من خشية الله تعالى .
فالآية جارية مجرى قوله تعالى : { وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ (13) } الرعد .
و قوله تعالى : { وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (15) } الرعد  .
حيث عد : صوت الرعد تسبيحا بالحمد ، و عد الظلال ساجدة لله سبحانه .
إلى غير ذلك : من الآيات التي جرى القول فيها ، مجرى التحليل ، كما لا يخفى .

و بالجملة فقوله : { وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ } .
 بيان ثان : لكون قلوبهم ، أقسى من الحجارة .
فإن الحجارة : تخشى الله تعالى ، فتهبط من خشيته .
و قلوبهم : لا تخشى الله تعالى و لا تهابه .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص204 .
 

=========

+++

========

 

بحث روائي : ( معنى القوة وسبب التشديد وقصة القتيل والبقرة وصاحبها )
في المحاسن : عن الصادق عليه السلام ، في قول الله : { خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ } .
 أي قوة : الأبدان ، أو قوة القلب ؟
قال عليه السلام : فيهما جميعا .
أقول : و رواه العياشي أيضا في تفسيره .

و في تفسير العياشي : عن الحلبي ، في قوله تعالى : { وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ } .
 قال : قال اذكروا ما فيه ، و اذكروا ما في تركه من العقوبة .

أقول :
و قد : استفيد ذلك من المقام ، من قوله تعالى : { وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ...} .

و في الدر المنثور :  عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
لو لا أن : بني إسرائيل ، قالوا : و إنا إن شاء الله لمتهدون ، ما أعطوا أبدا .
و لو أنهم : اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لأجزأت عنهم .
و لكنهم : شددوا ، فشدد الله عليهم .
 

و في تفسير القمي :  عن ابن فضال قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :
 إن الله : أمر بني إسرائيل ، أن يذبحوا بقرة ، و إنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها ، فشدد الله عليهم .

و في المعاني  و تفسير العياشي :  عن البزنطي قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول :
 إن رجلا : من بني إسرائيل قتل قرابة له .
ثم أخذه : و طرحه على طريق ، أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل .
ثم جاء : يطلب بدمه .
فقالوا لموسى : إن سبط آل فلان ، قتلوا فلان ، فأخبر من قتله .
قال : ائتوني ببقرة .
قالُوا : { أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً ...} ، { قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ } .
و لو أنهم : عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، و لكن شددوا .
فشدد الله عليهم : { قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ } ؟
{ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ } .
يعني : لا صغيرة و لا كبيرة ، عوان بين ذلك .
و لو أنهم : عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، و لكن شددوا فشدد الله عليهم .
{ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها } .
{ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } .
و لو أنهم : عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، و لكن شددوا فشدد الله عليهم .
{ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }
{ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيه }
{ قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } .
فطلبوها : فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل .
فقال : لا أبيعها إلا بملء مسكها ( أي جلدها ) ذهبا .
فجاءوا : إلى موسى،  و قالوا له ذلك .
قال : اشتروها ، فاشتروها ، و جاءوا بها ، فأمر بذبحها ، ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها ، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول .
و قال : يا رسول الله ، إن ابن عمي قتلني ، دون من أدعي عليه قتلي ، فعلموا بذلك قاتله .
فقال : لرسول الله موسى بعض أصحابه ، إن هذه البقرة لها نبأ .
فقال : و ما هو ؟
قال : إن فتى من بني إسرائيل ، كان بارا بأبيه ، و أنه اشترى بيعا ، فجاء إلى أبيه و الأقاليد تحت ، رأسه فكره أن يوقظه ، فترك ذلك البيع .
فاستيقظ أبوه : فأخبره .
فقال : أحسنت ، هذه البقرة فهي لك ، عوضا مما فاتك .
فقال له : رسول الله موسى ، انظر إلى البر ما بلغ بأهله .

أقول :
و الروايات : كما ترى منطبقة على إجمال ما أستفدناه من الآيات الشريفة .

الميزان في تفسير القرآن ج1ص205 .
 

=========

+++

========


 

بحث فلسفي: إحياء الأموات و المسخ :
( ذكر الآيات المعجزة والتركيز على آيات الإحياء بعد الموت )
السورة : كما ترى ، مشتملة على عدة من الآيات المعجزة .
في قصص : بني إسرائيل و غيرهم .
 كفرق البحر و إغراق آل فرعون .
في قوله تعالى : { وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ ...(50) } البقرة  .
و أخذ الصاعقة : بني إسرائيل ، و إحيائهم بعد الموت .
في قوله تعالى : { وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‏ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ..(56) } البقرة .
و تظليل الغمام : و إنزال المن و السلوى عليهم .
في قوله تعالى : { وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ  .....(57)} البقرة .
و انفجار العيون : من الحجر .
في قوله تعالى : { وَ إِذِ اسْتَسْقى‏ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ ....(60)} البقرة .
و رفع الطور فوقهم :
في قوله تعالى : { وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ .. (63)} البقرة .
و مسخ قوم منهم :
في قوله تعالى : { فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً ....(66)} البقرة .
و إحياء القتيل : ببعض البقرة المذبوحة .
في قوله تعالى : { فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ....(73) } البقرة .
و كإحياء قوم آخرين :
في قوله تعالى : { أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ...(243).} البقرة .
و كإحياء الذي مر على قرية خربة .
في قوله تعالى : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى‏ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها .....(259)} البقرة .
و كإحياء الطير بيد إبراهيم :
في قوله تعالى : { وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ ....(260)} البقرة .

 فهذه
:
اثنتا عشرة : آية معجزة ،
خارقة للعادة .
جرت : أكثرها في بني إسرائيل ، ذكرها القرآن .
+

( الإشارة إلى بحث سابق في تحقق المعجزة )
و قد بينا : فيما مر ، إمكان وقوع المعجزة ، و أن خوارق العادات جائزة الوقوع في الوجود .
و هي مع ذلك : ليست ناقضة ، لقانون العلية و المعلولية ، الكلي .
و تبين به : أن لا دليل على تأويل الآيات ، الظاهرة في وقوع الإعجاز ، و صرفها عن ظواهرها ما دامت الحادثة ممكنة .

بخلاف : المحالات ، كانقسام الثلاثة بمتساويين ، و تولد مولود ، يكون أبا لنفسه .
فإنه : لا سبيل إلى جوازه .
( يا طيب : مر في الجزء 1ص75 في تفسير سورة البقرة الآيات من 21 إلى 25 ، بحث الإعجاز و ماهيته ، و الكلام في الإعجاز و إعجاز القرآن ، وحقيقته ومعانية ، ببحث مفصل . )
+

( التحقيق في معجزة إحياء الموتى وإمكانها )

( ذكر إشكال : عدم إمكان الرجوع من للقوة من الفعل ولا من الكمال للنقص )
نعم : تختص بعض المعجزات.
 كإحياء الموتى : و المسخ ، ببحث آخر .
 

فقد قيل :
 إنه قد : ثبت في محله .
أن الموجود : الذي له قوة الكمال و الفعلية .
إذا خرج : من القوة إلى الفعل .
 فإنه : يستحيل بعد ذلك ، رجوعه إلى القوة ثاني .
و كذلك : كل ما هو أكمل وجودا .
فإنه لا يرجع : في سيره ألاستكمالي ، إلى ما هو أنقص وجودا منه ، من حيث هو كذلك .

و الإنسان : بموته .
يتجرد : بنفسه عن المادة .
فيعود : موجودا مجردا ، مثاليا ، أو عقلي .
و هاتان الرتبتان : فوق مرتبة المادة .
و الوجود : فيهما ، أقوى من الوجود المادي .
فمن المحال : أن تتعلق النفس بعد موتها ، بالمادة ثاني .
و إلا لزم : رجوع الشيء إلى القوة ، بعد خروجه إلى الفعل .
و هو : محال .


و أيضا :
الإنسان : أقوى وجودا ، من سائر أنواع الحيوان .
فمن المحال : أن يعود الإنسان ، شيئا من سائر أنواع الحيوان ، بالمسخ .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص206 .
 


أقول :
ما ذكره : من استحالة رجوع ، ما بالقوة بعد خروجه إلى الفعل ، إلى القوة ثانيا .
حق : لا ريب فيه .

لكن : عود الميت إلى حياته الدنيا ثانيا ، في الجملة .
و كذا :  المسخ .
ليسا : من مصاديقه .

 بيان ذلك :
( بيان تكامل الصورة النباتية حتى الحيوانية )
أن المحصل : من الحس و البرهان .
أن الجوهر : النباتي المادي .
إذا وقع : في صراط الاستكمال الحيواني ، فإنه يتحرك إلى الحيوانية .
فيتصور : بالصورة الحيوانية .
و هي : صورة مجردة ، بالتجرد البرزخي .
و حقيقتها : إدراك الشيء نفسه ، بإدراك جزئي خيالي .
و هذه الصورة : وجود كامل ، للجوهر النباتي .
و فعليّة : لهذه القوة ، تلبس بها (الجوهر ) ، بالحركة الجوهرية .
و من المحال : أن ترجع يوما إلى الجوهر المادي ، فتصير إياه .
إلا أن تفارق ( الصورة الجوهرية المتكاملة ) : مادتها .
فتبقى : المادة مع صورة مادية .
كالحيوان : يموت ، فيصير جسدا لا حراك به .
( يا طيب :الموجود النباتي ، الذي شأنه النمو بدون حركة إرادية وتفكر ، والسائر في طريق الاستكمال ، يتكامل حتى يصير حيوان ، ويخرج من من جوهر ذو صورة نباتية إلى جوهر ذو صور حيوانية ذات حركة وفكر ، وإن سار في طريق الإنسانية صار حيوان متحرك بالإرادة وفكر ونطق ، وإما أذا وقف استكماله قبل الوصول للحيوانية ، فهو يبقى بصورة نباتية ، أو يفقد صورته النباتي بالمفارقته لها بالموت ، فتبقى مادتها فيكون ذو صورة مادية )

+

( تكامل الصورة الحيوانية بأنواع تخصها )
ثم إن الصورة الحيوانية : مبدأ لأفعال إدراكية تصدر عنها .
و أحوال علمية : تترتب عليها .
تنتقش النفس : بكل واحد من تلك الأحوال ، بصدورها منها .
و لا يزال : نقش عن نقش .
و إذا تراكمت : من هذه النقوش ، ما هي متشاكلة متشابهة .
يحصل : نقش واحد .
و صار : صورة ثابتة ، غير قابلة للزوال ، و ملكة راسخة .
و هذه : صورة نفسانية جديدة .
 يمكن : أن يتنوع بها ، نفس حيواني .
فتصير : حيوانا خاصا .
 ذا صورة : خاصة منوعة .
كصورة : المكر ، و الحقد ، و الشهوة ، و الوفاء ، و الافتراس ، و غير ذلك .
و إذا لم تحصل : ملكة .
بقيت النفس : على مرتبتها الساذجة السابقة .
كالنباتات : إذا وقفت عن حركتها الجوهرية ، بقي نباتا .
و لم يخرج : إلى الفعلية الحيوانية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص207 .
( يا طيب : الكلام في مسير الصورة النباتية بتكاملها حتى تصير حيوانا خاصا  ، إما حيوان يعيش في الماء أو في البر أو في الهواء ، وما يعيش في البر إما مستقيم القامة كالإنسان أو زاحف أو يمشي على أربعة أو أكثر ، فيتنوع الحيوان   إما حيوان صاهل كالفرس ، أو حيوان ناطق كالإنسان ، أو حيوان ماكر كالثعلب ، أو غيره ، مما نميز به الحيوان كل نوع عن نوع آخر بفصل يخصه ، وإما تطور واستكمال النفس الإنسانية فتابع البحث )

 

+

( وإن كانت النفس مجردة لكنها تتكامل وهي متعلقة بالمادة ) 

و لو أن النفس : البرزخية .
تتكامل : من جهة أحوالها و أفعالها .
بحصول : الصورة دفعة .
لانقطعت : علقتها مع البدن ، في أول وجودها .

لكنها :
 تتكامل :
بواسطة أفعالها الإدراكية ، المتعلقة بالمادة .
 شيئا : فشيئا .
حتى تصير : حيوانا خاصا ، إن عمر العمر الطبيعي ، أو قدرا معتدا به .
و إن حال بينه : و بين استتمام العمر الطبيعي ، أو القدر المعتد به ، مانع .
كالموت الاخترامي : بقي على ما كان عليه من سذاجة الحيوانية .

ثم إن الحيوان : إذا وقع في صراط الإنسانية .
و هو : الوجود الذي يعقل ذاته ، تعقلا كليا مجردا عن المادة ، و لوازمها من المقادير و الألوان و غيرهما .
خرج : بالحركة الجوهرية .
من فعلية المثال : التي هي قوة العقل .
إلى فعلية : التجرد العقلي .
و تحققت له : صورة الإنسان بالفعل .

و من المحال : أن تعود هذه الفعلية إلى قوتها .
التي هي : التجرد المثالي ، على حد ما ذكر في الحيوان .

ثم إن : لهذه الصورة أيضا .
 أفعالا و أحوالا : تحصل بتراكمها التدريجي ، صورة خاصة جديدة .
توجب : تنوع النوعية الإنسانية ، على حد ما ذكر نظيره ، في النوعية الحيوانية .

إذا عرفت : ما ذكرناه .
ظهر لك :
 أنا لو : فرضنا إنسانا ، رجع بعد موته إلى الدنيا .
و تجدد : لنفسه ، التعلق بالمادة ، و خاصة المادة التي كانت متعلقة نفسه من قبل .
لم يبطل : بذلك ( التعلق بالمادة ) ، أصل تجرد نفسه .
فقد : كانت ( نفسه ) مجردة ، قبل انقطاع العلقة ( عن المادة وهي جسده وبدنه ).
و معها : (ومع انقطاع النفس عن العلقة بالمادة ) أيضا ( كانت مجردة ).
و هي ( النفس ) : مع التعلق ثانيا ( بالمادة وجسدها ) ، حافظة لتجردها .
 

و الذي : كان لها ( للنفس ) بالموت .
أن الأداة : التي كانت رابطة فعلها بالمادة ، صارت مفقودة لها ( بالموت ).
فلا تقدر : على فعل مادي .
 كالصانع : إذا فقد آلات صنعته ، و الأدوات اللازمة لها .

فإذا عادت النفس : إلى تعلقها الفعلي بالمادة ، أخذت في استعمال قواها ، و أدواتها البدنية .
و وضعت : ما اكتسبتها من الأحوال و الملكات ، بواسطة الأفعال .
فوق : ما كانت حاضرة ، و حاصلة لها من قبل .
و استكملت بها : استكمالا جديدا .
من غير : أن يكون ذلك منها ( من النفس حين تعلقت بالمادة ببدنها ) .
رجوعا قهقرى : و سيرا نزوليا ، من الكمال إلى النقص ، و من الفعل إلى القوة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص208 .

( يا طيب : الصورة النباتية تسير بالحركة الجوهرية للصورة الحيوانية ، فتتنوع حيوان مختلف إن استكملت ، ثم إن كان مسيرها لصورة الإنسان ، فيكون حيوان ناطق متعقل لنفسه ولو من غير مادة  .
ثم الإنسان : يستكمل بما يفكر به ويعتقد به وبما يعمله وهو في الدنيا ، وسواء بما يعتقده ويعمله من خير أو شر ، وحسب طاعته وعصيانه .
فتتراكب فيه : حالات تكامل ، إن رسخت في النفس ، وصارت ملكة راسخة في النفس ، صارت حقيقته .
 فيكون الإنسان : الذي جوهر روحه وصورته ، هي نفسه ، سائرا في طريق استكمال آخر حسب حاله .
فإما الإنسان : السائر في طريق الطاعة من الإيمان والأعمال الصالحة ، فيكون إنسان لطيف جميل نير ذو بهاء وسناء وطيب الوجود يسر الناظرين .
وأما الإنسان : السائر في طريق الكفر و العصيان والشر ، فيكون سائر بتكامله بحسبه ، فيكون ذو صور مسودة قبيحة منتنة تسيء الناظرين .
وبين الطرفين : كثير من المراتب والدرجات بين اللطافة والقبح ، بل بين سعة محيطه وضيقه وحسنه وقبحه ، أي جنة ونار ، وتنوع الإنسان وكل فرد سارت روحه إلى البرزخ بالموت بحسب حاله ،  فروحه تصورت بصورة برزخية تخصها مناسبة لقوة إيمانها وإعمالها وضعفها أو عدمه وشدة عناده ، وبقى جسده فتصور بصورة مادية مناسبة تستقر بأن تكون أنواعا من مواد التراب  .

ويا طيب : الموضع هذا مهم جدا ، لأنه يعالج مسألة الرجعة وإمكانها ، وفي التفسير لقصة البقرة يعرفنا إمكان رجوع المقتول وتحققه ، ولا مانع منه عقلا ونقلا ، و هكذا لباقي قصص إحياء الموتى للآيات التي عرفتها في أول البحث أعلاه في قصص القرآن وما جاء عن المسيح وعزيز وغيرهما ، وإمكان أن يستكمل من يرجع للدنيا سواء صعودا أو هبوطا ، وبالخصوص في زمان ظهور الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف .
وخلاصة البحث : أن النفس التي هي حقيقة الإنسان ، تستكمل حين تعلقها بالمادة وبالخصوص بدنها ، وحسب اعتقادها وأعمالها تستكمل ، وحين موت النفس تفقد آلة الاستكمال المناسب لها ، فلا مانع إن رجعت بعد الموت وتعلقت ببدنها أن تستكمل مرة أخرى .
وسيأتي بحث آخر:  في تفسير آيات أخرى من السيد الطباطبائي رحمه الله إن شاء الله تعالى ، يفيد أنه حتى يمكن للنفس أن تستكمل في البرزخ حسب حالها ، وبما يتصدق عنها ويعمل بثوابها من الخيرات ، أو أن المؤمنين يحفظون القرآن في البرزخ فترتفع درجتهم ، فتابع )

 

++

 

( رد إشكال النفس إن لم تستكمل نهائيا قبل موتها تكون مقسورة )
فإن قلت : ( إمكان رجوع النفس بعد الموت للبدن )
 هذا يوجب القول : بالقسر الدائم ، مع ضرورة بطلانه .
فإن النفس المجردة : المنقطعة عن البدن .
لو بقي : في طباعها ، إمكان الاستكمال من جهة الأفعال المادية ، بالتعلق بالمادة ثانيا .
كان بقاؤها : على الحرمان من الكمال إلى الأبد ، حرمانا عما تستدعيه بطباعها .
فما كل : نفس ، براجعة إلى الدنيا بإعجاز أو خرق عادة .
و الحرمان : المستمر ، قسر دائم  .
( وباطل : أن تكون مكره مجبورة دائما ، على المنع مما تستدعيه طباعها من الاستكمال ) .
 

قلت :  ( النفس في البرزخ )
هذه النفوس : التي خرجت من القوة إلى الفعل في الدنيا .
و وصلت : إلى حد ، و ماتت عنده .
لا تبقى : على إمكان الاستكمال اللاحق دائما .
بل يستقر ( الاستكمال ) : على فعليتها الحاضرة بعد حين .
أو تخرج : إلى الصورة العقلية ، المناسبة لذلك ، و تبقى على ذلك .
و يزول الإمكان : المذكور ( للاستكمال ) ، بعد ذلك .

فالإنسان : الذي مات ، و له نفس ساذجة .
غير أنه : فعل أفعالا ، و خلط عملا صالحا و آخر سيئا .
لو عاش حينا : أمكن أن يكتسب على نفسه الساذجة ، صورة سعيدة أو شقية .
و كذا لو : عاد بعد الموت إلى الدنيا ، و عاش .
أمكن : أن يكتسب على صورته السابقة ، صورة خاصة جديدة .
و إذا : لم يعد ، فهو في البرزخ ، مثاب ، أو معذب .
بما كسبته : من الأفعال ، حتى يتصور بصورة عقلية ، مناسبة لصورته السابقة المثالية .
و عند ذلك : يبطل الإمكان المذكور ، و يبقى إمكانات الاستكمالات العقلية .

فإن عاد : إلى الدنيا ، كالأنبياء و الأولياء ، لو عادوا إلى الدنيا بعد موتهم .
أمكن : أن تحصل صورة أخرى عقلية ، من ناحية المادة و الأفعال المتعلقة بها .
و لو لم يعد : فليس له ، إلا ما كسب من الكمال ، و الصعود في مدارجه ، و السير في صراطه ، هذا .
و من المعلوم : أن هذا ليس قسرا دائما .

و لو كان :
 مجرد : حرمان موجود ، عن كماله الممكن له .
بواسطة : عمل عوامل ، و تأثير علل مؤثرة .
قسرا : دائما .
لكان :
أكثر : حوادث هذا العالم .
الذي هو : دار التزاحم ، و موطن التضاد ، أو جميعها .
قسرا : دائم .
فجميع : أجزاء هذا العالم الطبيعي ، مؤثرة في الجميع .

و إنما القسر : الدائم .
أن يجعل : في غريزة نوع من الأنواع .
اقتضاء : كمال من الكمالات ، أو استعداد .
ثم لا يظهر : أثر ذلك دائما .
إما لأمر : في داخل ذاته ، أو لأمر من خارج ذاته ، متوجه إلى إبطاله بحسب الغريزة .
فيكون : تغريز النوع المقتضي ، أو المستعد للكمال .
 تغريزا : باطلا ، و تجبيلا هباء ،  لغوا ( وهذا باطل ).
فافهم : ذلك .


و كذا
: لو فرضنا إنسانا .
 تغيرت صورته : إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان ، كالقرد و الخنزير .
فإنما هي : صورة على صورة .
فهو إنسان : خنزير ، أو إنسان قرد .
لا إنسان : بطلت إنسانيته ، و حلت الصورة الخنزيرية أو القردية محلها .

فالإنسان : إذا كسب صورة من صور الملكات .
تصورت : نفسه بها .
و لا دليل : على استحالة خروجها في هذه الدنيا ، من الكمون إلى البروز .
على حد : ما ستظهر في الآخرة بعد الموت .

و قد مر :
أن النفس الإنسانية : في أول حدوثها على السذاجة .
يمكن : أن تتنوع بصورة خاصة ، تخصصها بعد الإبهام ، و تقيدها بعد الإطلاق و القبول .
فالممسوخ : من الإنسان ، إنسان ممسوخ .
لا أنه : ممسوخ ، فاقد للإنسانية ، هذا .

و نحن نقرأ : في المنشورات اليومية ، من أخبار المجامع العلمية ، بأوربا و أمريكا .
ما يؤخذ : جواز الحياة بعد الموت ، و تبدل صورة الإنسان بصورة المسخ .
و إن لم نتكل : في هذه المباحث على أمثال هذه الأخبار .
لكن : من الواجب على الباحثين من المحصلين ، أن لا ينسوا اليوم ما يتلونه بالأمس .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص209 .
 

 

++

 

( رد إشكال رجوع النفس للدنيا من التناسخ )
فإن قلت :
 فعلى هذا : فلا مانع ، من القول بالتناسخ .

قلت :
 كلا : فإن التناسخ .
و هو : تعلق النفس المستكملة ، بنوع كمالها .
بعد مفارقتها : البدن ، ببدن آخر ، محال .

فإن هذا البدن :
إن كان : ذا نفس .
 استلزم التناسخ : تعلق نفسين ببدن واحد .
و هو : وحدة الكثير ، و كثرة الواحد .
و إن لم يكن : ذا نفس .
استلزم : رجوع ، ما بالفعل إلى القوة .
كرجوع : الشيخ إلى الصبا .

و كذلك :
يستحيل : تعلق نفس إنساني ، مستكملة ، مفارقة .
ببدن : نباتي ، أو حيواني .
 بما مر : من البيان  .

( يا طيب : إن رجوع نفس وروح شيخ مستكمل بصورة إنسانية مناسبة له ، إلى نفس و روح طفل مولود على الفطرة ، أو لروح لها بعض الاستكمال أقل مما هو عليه ، أي بعد لم يخرج من القوة للفعل غير ممكن ، لأنه قد تلبس بصورة إنسانية أو غيرها مناسبة لاعتقاده وأعماله ، وإن البدن في قوة ونشاطه تابع للروح .
كما أن : النفس الإنسانية تستدعي بدن يناسبها ، ولا يكون نباتي ، أو حيواني من نوع آخر ، وبالخصوص أنها مستكملة بصورة خاصة بها .
ومسألة المسخ : عرفت أنه يكون ذو روح إنسانية على هيئة القردية ، وبدون إبطال لإنسانيته ، بل إنسان قرد بصورة متركبة مندكة بعضها في بعض منتجة لصورة خاصة لما هو عليه من المعصية في الاعتقاد والعمل .
ولذا يا طيب : توجد روايات كثيرة في أن الإنسان في البرزخ له بدن يناسبه ، وفي النشر يكون إحياء الأموات من أصول بدنية كانت لهم ، وإن رجع للدنيا في الرجعة يرجع أيضا فينشر من أصول بدنه ، وإن تحلل بدنه فيبقى منه ما يمكن أن يرجع له ويتصور بدنه بما يناسبه ، وهذا غير التناسخ .
وأن بني إسرائيل مسخوا : قردة وخنازير .
وقد قال صدر المتألهين :  إن مسخ الصورة و تبدّلها على وجهين:
أحدهما : أن ينتقل النفس من بدن إنسان مثلا عند موته إلى بدن حيوان آخر حين ولادته ، و هو المسخ المعروف عند التناسخيّة.
 و هذا : باطل عند المحقّقين.
و الثاني : أن يتحوّل شخص واحد من صورته إلى صورة حيوان آخر ، كما وقع في بني إسرائيل.
 و هذا : جائز ، لا دليل على استحالته.
و السبب فيه :  أن الأبدان تابعة للنفوس ، و الأشكال فائضة عليها من المبدأ بوساطة النفوس .
و لهذا : ما ترى تغيّرات البدن عند تغيّرات النّفس ، من الشهوة ، و الغضب ، و الخوف ، و الفرح ، و غيرها .
فإذن : لا استبعاد من كون بعض النفوس ، في شدّة خلقها الرديّ .
و تأكّدها : بحيث تؤثّر في البدن ، تأثيرا شديدا ، يُشكّل البدن بشكل يناسب ذلك الخلق .
فيكون : يمسخ الظاهر ، تبعا لمسخ الباطن .
على : وجه الاتّصال .
و هذا : ممّا كان في أمّة موسى عليه السّلام .
و سبب : هلاك ذلك الممسوخ ، زوال عقله ، فلا يمكن تدبير بدنه بغذاء يناسبه .
 فيموت : بعد ثلاثة أيّام ، و نحوها . تفسير القرآن الكريم لصد المتألهين ج3ص473 ) .

=========

+++

========


بحث علمي و أخلاقي : معنى التقليد :

( أكثر القصص في القرآن قصة بين إسرائيل وتشابههم بكفار العرب )

أكثر : الأمم الماضية قصة في القرآن ، أمة بني إسرائيل .
و أكثر : الأنبياء ذكرا فيه موسى بن عمران عليه السلام ، فقد ذكر اسمه في القرآن ، في مائة و ستة و ثلاثين موضعا .
ضعف : ما ذكر إبراهيم عليه السلام ، الذي هو أكثر الأنبياء ذكرا بعد موسى ، فقد ذكر في تسعة و ستين موضعا على ما قيل فيهم .
و الوجه : الظاهر فيه .
أن الإسلام : هو الدين الحنيف ، المبني على التوحيد .
الذي : أسس أساسه ، إبراهيم عليه السلام .
و أتمه الله سبحانه : و أكمله لنبيه ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
 قال تعالى : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (78) } الحج  .
و بنو إسرائيل : أكثر الأمم لجاجا و خصام ، و أبعدهم من الانقياد للحق .
كما أنه : كان كفار العرب ، الذين ابتلي بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الصفة .
فقد آل الأمر إلى أن نزل فيهم : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) } البقرة  .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص210 .
 

( تعلق بني إسرائيل بالحس والمادة أوجب عدم الاهتمام بما ورائهما )

و لا ترى : رذيلة من رذائل بني إسرائيل ، في قسوتهم و جفوتهم مما ذكره القرآن ، إلا و هو موجود فيهم .
و كيف كان : فأنت إذا تأملت قصص بني إسرائيل ، المذكورة في القرآن ، و أمعنت فيه ، و ما فيها من أسرار أخلاقهم .
وجدت : أنهم كانوا قوما غائرين في المادة ، مكبين على ما يعطيه الحس من لذائذ الحياة الصورية .
فقد كانت : هذه الأمة لا تؤمن بما وراء الحس ، و لا تنقاد إلا إلى اللذة و الكمال المادي ، و هم اليوم كذلك .
و هذا الشأن : هو الذي صير ، عقلهم و إرادتهم ، تحت انقياد الحس و المادة .
لا يعقلون : إلا ما يجوزانه ، و لا يريدون إلا ما يرخصان لهم ذلك .
فانقياد الحس : يوجب لهم ، أن لا يقبلوا قولا إلا إذا دل عليه الحس ، و إن كان حقا .
و انقياد المادة : اقتضى فيهم ، أن يقبلوا كل ما يريده ، أو يستحسنه لهم كبراؤهم ، ممن أوتي جمال المادة ، و زخرف الحياة ، و إن لم يكن حق .

 فأنتج ذلك : فيهم ، التناقض قولا و فعل .
فهم يذمون  : كل إتباع باسم أنه تقليد ، و إن كان مما ينبغي ، إذا كان بعيدا من حسهم .
و يمدحون : كل إتباع ، باسم أنه حظ الحياة ، و إن كان مما لا ينبغي ، إذا كان ملائما لهوساتهم المادية .
و قد ساعدهم : على ذلك ، و أعانهم عليه .
مكثهم الممتد : و قطونهم الطويل بمصر ، تحت استذلال المصريين ، و استرقاقهم ، و تعذيبهم .
 يسومونهم : سوء العذاب ، و يذبحون أبناءهم ، و يستحيون نساءهم ، و في ذلك بلاء من ربهم عظيم .

+

و بالجملة :
فكانوا : لذلك ، صعب الانقياد لما يأمرهم به أنبياؤهم ، و الربانيون من علمائهم ، مما فيه صلاح معاشهم و معادهم .
تذكر : في ذلك ، مواقفهم مع موسى و غيره.
 و سرعة اللحوق : إلى ما يدعوهم المغرضون ، و المستكبرون منهم .

و قد ابتليت : الحقيقة و الحق اليوم ، بمثل هذه البلية .
بالمدنية المادية : التي أتحفها إليها عالم الغرب .

فهي
: مبنية القاعدة ، على الحس و المادة .
فلا يقبل : دليل ، فيما بعد عن الحس .
و لا يسأل:  عن دليل ، فيما تضمن لذة مادية حسية .
فأوجب ذلك :
إبطال : الغريزة الإنسانية في أحكامها .
و ارتحال : المعارف العالية ، و الأخلاق الفاضلة من بيننا .
فصار : يهدد الإنسانية بالانهدام ، و جامعة البشر ، بأشد الفساد ، و ليعلمن نبأه بعد حين .
 

و استيفاء البحث : في الأخلاق .
ينتج : خلاف ذلك .
فما كل دليل : بمطلوب ، و ما كل تقليد بمذموم .
 

( الفطرة دعت الإنسان للاجتماع والتخصص وتقليد أولي الخبرة )
بيان ذلك :
أن النوع الإنساني : بما أنه إنسان ، إنما يسير إلى كماله الحيوي ، بأفعاله الإرادية .
المتوقفة : على الفكر و الإرادة منه ، مستحيلة التحقق إلا عن فكر .
فالفكر : هو الأساس الوحيد ، الذي يبتني عليه الكمال الوجودي الضروري .
فلا بد للإنسان : من تصديقات ، عملية ، أو نظرية .
يرتبط بها : كماله الوجودي ، ارتباطا بلا واسطة أو بواسطة .
و هي القضايا : التي نعلل بها ، أفعالنا الفردية ، أو الاجتماعية .
أو نحضرها : في أذهاننا ، ثم نحصلها في الخارج بأفعالنا ، هذا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص211 .
ثم إن في : غريزة الإنسان .
أن يبحث : عن علل ، ما يجده من الحوادث ، أو يهجم إلى ذهنه من المعلومات .
فلا يصدر عنه : فعل يريد به إيجاد ما حضر في ذهنه في الخارج ، إلا إذا حضر في ذهنه علته الموجبة .
و لا يقبل : تصديقا نظريا ، إلا إذا اتكئ على التصديق بعلته بنحو ما .
و هذا : شأن الإنسان لا يتخطاه البتة .
و لو عثرنا : في موارد على ما يلوح منه خلاف ذلك .
 فبالتأمل : و الإمعان ، تنحل الشبهة ، و يظهر البحث عن العلة .
و الركون : و الطمأنينة إليها ، فطري .
و الفطرة : لا تختلف و لا يتخلف فعلها .

و هذا : يؤدي الإنسان ، إلى ما فوق طاقته ، من العمل الفكري .
و الفعل : المتفرع عليه ، لسعة الاحتياج الطبيعي ، بحيث لا يقدر الإنسان الواحد إلى رفعه .
معتمدا : على نفسه ، و متكئا إلى قوة طبيعته الشخصية .

فاحتالت الفطرة :
 إلى بعثه:  نحو الاجتماع ، و هو المدينة و الحضارة .
و وزعت : أبواب الحاجة الحيوية ، بين أفراد الاجتماع .
و وكل : بكل باب من أبوابها ، طائفة .
كأعضاء الحيوان : في تكاليفها المختلفة المجتمعة .
فائدتها : و عائدتها في نفسه .

و لا تزال : الحوائج الإنسانية ، تزداد كمية و اتساعا ، و تنشعب الفنون و الصناعات و العلوم .
و يتربى : عند ذلك الأخصائيون من العلماء و الصناع .
فكثير : من العلوم و الصناعات ، كانت علما أو صنعة واحدة ، يقوم بأمرها الواحد من الناس .
و اليوم : نرى كل باب من أبوابه ، علما أو علوما ، أو صنعة أو صنائع .
كالطب : المعدود قديما فنا واحدا ، من فروع الطبيعيات .
و هو اليوم : فنون ، لا يقوم الواحد من العلماء الأخصائيين ، بأزيد من أمر فن واحد منه .

و هذا : يدعو الإنسان بالإلهام الفطري .
أن يستقل : بما يخصه من الشغل الإنساني ، في البحث عن علته .
و يتبع : في غيره ، من يعتمد على خبرته و مهارته .

فبناء العقلاء : من أفراد الاجتماع ، على الرجوع إلى أهل الخبرة .
و حقيقة : هذا الإتباع ، و التقليد المصطلح .
و الركون : إلى الدليل الإجمالي ، فيما ليس في وسع الإنسان أن ينال دليل تفاصيله .


كما أنه : مفطور على الاستقلال .
بالبحث : عن دليله التفصيلي ، فيما يسعه أن ينال تفصيل علته و دليله .

و ملاك الأمر كله : أن الإنسان لا يركن إلى غير العلم .
فمن الواجب : عند الفطرة :
الاجتهاد : و هو الاستقلال في البحث عن العلة ، فيما يسعه ذلك .
و التقليد : و هو الإتباع ، و رجوع الجاهل إلى العالم ، فيما لا يسعه ذلك .
و لما استحال : أن يوجد فرد من هذا النوع الإنساني ، مستقلا بنفسه ، قائما بجميع شئون الأصل الذي تتكي عليه الحياة .
استحال : أن يوجد فرد من الإنسان ، من غير إتباع و تقليد .
و من ادعى : خلاف ذلك ، أو ظن من نفسه أنه غير مقلد في حياته ، فقد سفه نفسه .

نعم :
 التقليد : فيما للإنسان أن ينال علته و سببه .
كالاجتهاد : فيما ليس له الورود عليه ، و النيل منه .
من الرذائل : التي هي من مهلكات الاجتماع ، و مفنيات المدينة الفاضلة .
و لا يجوز : الإتباع المحض ، إلا في الله سبحانه ، لأنه السبب الذي إليه تنتهي الأسباب .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص212 .


( يا طيب : خلاصة البحث ، لأتأثر بني إسرائيل بمن تملك أمورهم من أثرياء مصر وملوكهم وتسخيرهم ، تطبعوا على الخضوع للمادة وزينتها الحسية ، فما يجلبها لهم لا يسألون عن علته ، ويستحسنوه مهما كان الحصول عليه  بحق أو باطل بالعدل أو بالظلم ، وفيما وراء المادة والحس دائما يسألون عن علته وسببه ولا يخضعون له ولا يقلدون فيه .
وبتوضيح السيد رحمه الله : نعرف أن الإنسان بنفسه لا يستطيع أن يعرف سبب كل ما يحيطه وعلل صناعته أو حسن الاستفادة منه ، ولذا جرته الفطرة لطبيعة الاجتماع والتخصص ، وأصبح كل مجموعة من البشر مختص بأمر وخبيرا به .
فما في حيطة الإنسان : ويعرف علته وسببه ودليلة ، فهو مجتهد فيه .
وما لا يعرفه علته : وسببه ولا دليله ،  يجب عليه  بطبيعته الاجتماعية إن يرجع للمتخصص الخبير في هذا المجال الذي يريده ويستفيد منه .

وفي قصة بني إسرائيل : وفي ذبح البقرة ، وكثرة سؤالهم وعدم تقليدهم لموسى عليه السلام بما كان يعرفه ، لأنه كان أمر إحياء الميت بذبح البقرة ، وراء الحس ولا يرون رابطة بينهما ، لذا شددوا واستفسروا كثيرا واتهموه بالسخرية والجهل  .
ولو كان عندهم : قليل من الخضوع لنبيهم والإيمان به ، لأطاعوه ، لأنه الخبير عن الله تعالى ، وبما يأمرهم يمكن أن يعرفهم القتيل ، وبالخصوص بعد ما عرفوا منه كثير من المعجزات ، من إخراجهم من مصر وهلاك فرعون وتسع آيات كانت له معه ، و ما كرمهم به من رفع الطور والمن والسلوى وتفجير العيون وغيرها  ، لكان كافيا لأن يعرفوه بأنه خبير عن الله تعالى ويخبر بما هو حق ، وكان يجب أن يطيعوه و يقلدوه ، ولكنهم لإيمانهم بالماديات والحس  ، كانت قصة البقرة وكثرة السؤال والاستفسار فيها ، وعدم إطاعته وتقليده عليه السلام ) .

+

 

( وسيأتي إن شاء الله تفسير الآيات 75-82 وفيها بيان لمعنى الآيات وسبب العدول المتكرر من الخطاب للغيبة ، وعدم الطمع في إيمان بني إسرائيل ، جهل بني إسرائيل بعلم الله وأنه ليس مادي ورجوعهم للتشبيه أو نفي الصفات ، و بيان فيما يجب الإيمان به من صفاته تعالى ، و معنى الأمي وعلم الأماني والويل ، و كسب السيئة وإحاطة الخطيئة ، و أن الإيمان والعمل الصالح هو ملاك السعادة لا إدعائهما ولا مجرد التسمية ، وبحث روائي لتفسير الآيات )

 

 

http://www.alanbare.com/almezan
 الميزان في تفسير الميزان
للعلامة محمد حسين الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية
استخرج التفسير الموضوعي منه ورتب فهارسه
 وأعد الصفحة للإنترنيت

خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين