بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة
إعداد للتفسير الموضوعي
تفسير سورة البقرة
ملاحظة : ما بين القوسين ( )
الهلاليين فهما شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
وسواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 49-61
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) |
|
تفسير سورة البقرة (2)
و هي : (286) مائتان و ست و
ثمانون آية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص187 .
الآيات من
49 إلى 61 .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{
وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ
يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ
رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ
وَ
أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ
ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(52)
وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(53)
وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
وَ
ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ
فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا
حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا
عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)
وَ
إِذِ
اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ
فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ
مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ
واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ
بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ
تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً
فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ
وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ
اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ
كانُوا يَعْتَدُونَ (61) } البقرة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 188.
( تفسير الآيات 49-61 من سورة البقرة وبيان معانيها ، وفيها مجمل قصص بني إسرائيل مع فرعون وتعذيبه لهم ، وغرقه في البحر ونجاتهم منه ، وقصة عبادة بني إسرائيل العجل وتوبة الله بارئهم عليهم بعدما امتثلوا ما أمرهم الله من قتل بعضهم البعض ، ثم تفسير اسم الله الحسن البارئ وسبب التعليل به ، وقصة ما رزقهم الله تعالى من النعم ، وقصة تبديل كلام أمرهم الله به ونزول الرجز عليهم ، وقصة استسقاء موسى عليه السلام لهم وتفجير العيون على عدد أسباط بني إسرائيل ، وما طلبوا من استبدال نعم الله تعالى ، وما ضرب عليهم من الذل والمسكنة وغضب الله تعالى ، وبيان أن كفرهم كان سبب معاصيهم وقتلهم الأنبياء .. .. )
بيان : ( معاني بعض ألفاظ الآيات
)
قوله تعالى : { وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُم ْ (49)} .
أي يتركونهن : أحياء للخدمة ، من غير أن
يقتلوهن كالأبناء .
فالاستحياء : طلب الحياة .
و يمكن : أن يكون المعنى ، و يفعلون ما يوجب
زوال حيائهن من المنكرات .
و معنى : { يَسُومُونَكُمْ
(49)} ، يولونكم .
قوله : { { وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ ..(50)} .
الفرق : مقابل الجمع ، كالفصل و الوصل .
و الفرق في
البحر : الشق ، و الباء للسببية ، أو الملابسة .
أي فرقنا : لإنجائكم ، البحر ، أو لملابستكم دخول
البحر.
قوله تعالى : { وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (51)} .
و قص تعالى : القصة ، في
سورة الأعراف .
بقوله : { وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها
بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (142) } الأعراف .
فعد
المواعدة : فيها أربعين ليلة .
إما للتغليب : أو لأنه كانت العشرة الأخيرة بمواعدة أخرى
، فالأربعون ، مجموع المواعدتين كما وردت به الرواية.
الميزان في تفسير القرآن ج1ص
189 .
( معنى الاسم الإلهي البارئ ومناسبته للآيات
)
قوله : { فَتُوبُوا إِلى
بارِئِكُمْ .. } .
البارئ : من الأسماء الحسنى .
كما قال : { هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى
(24) }
الحشر .
وقع ( البارئ
) : في ثلاث مواضع من كلامه .
اثنان منها : في هذه الآية
( {.. فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُم ْ
.. (54) })
و لعله خص
: بالذكر هاهنا ، من بين الأسماء ، لملائمة معناه للمورد .
لأنه ( البارئ ) : قريب المعنى من الخالق ، و
الموجد .
من برأ : يبرأ براء ، إذا فصل .
لأنه : يفصل الخلق من العدم ، أو الإنسان من الأرض .
فكأنه تعالى يقول : هذه التوبة ، و قتلكم أنفسكم ، و إن كان أشق ما يكون من الأوامر
.
لكن
الله : الذي أمركم ، بهذا الفناء و الزوال بالقتل .
هو الذي : برأكم .
فالذي : أحب وجودكم ، و هو
خير لكم .
هو ( تعالى ) : يحب الآن حلول القتل عليكم ، فهو خير لكم .
و كيف : لا يحب خيركم ، و قد برأكم .
فاختيار : لفظ البارئ ، بإضافته إليهم .
في قوله : { إِلى بارِئِكُمْ } .
و قوله : { عِنْدَ
بارِئِكُمْ } .
للإشعار : بالاختصاص ، لإثارة المحبة .
+
( سبب نسبة أفعال المعصية لجميع
بني إسرائيل ووقوعها من البعض )
قوله : { ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ... (54)} .
ظاهر الآية : و ما تقدمها .
أن
هذه الخطابات : و ما وقع فيها .
من عد : أنواع تعدياتهم ، و معاصيهم .
إنما نسبت : إلى الكل ، مع
كونها صادرة عن البعض .
لكونهم : مجتمع ذا قومية واحدة ، يرضى بعضهم بفعل بعض .
و ينسب
: فعل بعضهم إلى آخرين .
لمكان الوحدة : الموجودة فيهم .
فما كل : بني إسرائيل ، عبدوا العجل .
و لا كلهم : قتلوا الأنبياء ، إلى غير ذلك من معاصيهم .
و على : هذا .
فقوله : {
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ..(54)} .
إنما يعني به : قتل البعض ، و هم الذين عبدوا العجل .
كما : يدل
عليه أيضا .
قوله : { إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ
الْعِجْلَ (54) } .
و قوله : { ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ (54) } .
تتمة الحكاية : من
قول موسى ، كما هو الظاهر .
و قوله : { فَتابَ عَلَيْكُمْ (54) }
يدل : على نزول التوبة و
قبولها .
و قد وردت : الرواية ، أن التوبة نزلت ، و لما يقتل جميع المجرمين منهم .
+
( أمره تعالى لبني إسرائيل بقتل أنفسهم امتحاني )
و من هنا : يظهر .
أن الأمر : كان أمرا امتحانيا .
نظير : ما وقع في قصة رؤيا إبراهيم عليه السلام ، و ذبح
إسماعيل .
قال تعالى : { يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (105) } الصافات
.
فقد ذكر موسى عليه السلام : {
فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُمْ (54) }.
و أمضى الله : سبحانه قوله عليه السلام ، و جعل قتل البعض ، قتلا للكل .
و أنزل التوبة
بقوله : { فَتابَ عَلَيْكُمْ (54) } .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 190 .
+
( تفسير معاني بعض ألفاظ الآيات
الأخرى )
قوله : { رِجْزاً مِنَ السَّماءِ (59) } .
الرجز : العذاب.
قوله : { وَ لا تَعْثَوْا ..(60) } .
العيث : و العثي ، أشد الفساد .
قوله : { وَ قِثَّائِها وَ فُومِها (61)} .
القثاء : الخيار ، و الفوم : الثوم
، أو الحنطة.
قوله : { وَ باؤُ بِغَضَبٍ (61)} . أي :
رجعوا.
قوله : { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ (61)} .
تعليل : لما تقدمه .
قوله : { ذلِكَ بِما عَصَوْا .. (61) } .
تعليل : للتعليل .
فعصيانهم :
و مداومتهم : للاعتداء .
هو الموجب : لكفرهم بالآيات ، و قتلهم الأنبياء .
كما قال : { ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ
الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها
يَسْتَهْزِؤُنَ (10) } الروم .
و في التعليل : بالمعصية ، وجه سيأتي في البحث الآتي.
++
بحث روائي : ( في مواعدة بني إسرائيل وقتل أنفسهم
والغمام ... )
في تفسير العياشي في قوله : { وَ إِذْ
واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً (52) }.
عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في العلم و التقدير ،
ثلاثين ليلة .
ثم بدا منه
: فزاد عشرا ، فتم ميقات ربه الأول و الآخر ، أربعين ليلة .
أقول :
و الرواية : تؤيد ما مر ، أن الأربعين ، مجموع المواعدتين .
و في الدر المنثور : عن علي عليه السلام في قوله : { وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا
قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا
إِلى بارِئِكُمْ..(54)}.
قال : قالوا لموسى : ما توبتنا ؟
قال : يقتل بعضكم بعضا .
فأخذوا : السكاكين ، فجعل الرجل يقتل أخاه و أباه و ابنه ، و الله
لا يبالي من قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفا .
فأوحى الله : إلى موسى ، مرهم فليرفعوا
أيديهم ، و قد غفر لمن قتل ، و تيب على من بقي .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص
191.
و في تفسير القمي : قال عليه السلام :
إن موسى : لما خرج إلى الميقات ، و رجع إلى قومه ،
و قد عبدوا
العجل .
قال لهم موسى : { يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ
الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ..(54)}.
فقالوا له : كيف نقتل
أنفسنا ؟
فقال لهم موسى : اغدوا كل واحد منكم ، إلى بيت المقدس ، و معه سكين أو حديدة أو
سيف .
فإذا صعدت : أنا منبر بني إسرائيل ، فكونوا أنتم ملتثمين ، لا يعرف أحد صاحبه ،
فاقتلوا بعضكم بعضا .
فاجتمعوا : سبعين ألف رجل ، ممن كان عبدوا العجل إلى بيت المقدس .
فلما صلى : بهم موسى ، و صعد المنبر .
أقبل : بعضهم يقتل بعضا .
حتى نزل : جبرائيل ، فقال :
قل
لهم : يا موسى ، ارفعوا القتل ، فقد تاب الله لكم .
فقتل منهم : عشرة آلاف .
و أنزل الله :
{ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ..(54)} .
أقول :
و الرواية : كما ترى تدل على كون .
قوله تعالى : { ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُمْ ...(54)} .
مقولا : لموسى ، و مقولا له سبحانه .
فيكون : إمضاء لكلمة ، قالها موسى ، و كشفا عن
كونها تامة .
على خلاف : ما يلوح من الظاهر ، من كونها ناقصة .
فإن الظاهر : يعطي ، أن موسى جعل
قتل الجميع ، خيرا لهم عند بارئهم .
و قد قتل منهم : البعض ، دون الجميع .
فجعل سبحانه : ما
وقع من القتل ، هو الخير الذي ذكره موسى عليه السلام ، كما مر.
و في تفسير القمي أيضا :
في قوله : { وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ....(57) } .
أن بني إسرائيل : لما عبر موسى بهم البحر ، نزلوا في مفازة .
فقالوا : يا موسى أهلكتنا و
قتلتنا .
و أخرجتنا : من العمران ، إلى مفازة لا ظل ، و لا شجر، و لا ماء .
و كانت تجيء
: بالنهار ، غمامة تظلهم من الشمس .
و ينزل عليهم : بالليل ، المن ، فيقع على النبات ، و الشجر
، و الحجر ، فيأكلونه .
و بالعشي : يأتيهم طائر مشوي ، يقع على موائدهم ، فإذا أكلوا و شربوا
طار و مر .
و كان مع موسى : حجر يضعه وسط العسكر ، ثم يضربه بعصاه ، فتنفجر منها اثنتا
عشرة عينا ،كما حكى الله .
فيذهب : إلى كل سبط في رحله ، و كانوا اثني عشر سبطا.
و في الكافي : في قوله : { وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (57)} .
عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال :
إن الله تعالى : أعز و أمنع ، من أن يُظلم ، أو ينسب
نفسه إلى الظلم .
و لكنه : خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، و ولايتنا ولايته .
ثم أنزل
الله : بذلك قرآنا على نبيه .
فقال : { وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (57)} .
قال الراوي : قلت : هذا تنزيل .
قال : نعم .
أقول :
و روي : ما يقرب منه أيضا ، عن الباقر عليه السلام .
و قوله عليه السلام : أمنع من أن يُظلم ، بالبناء للمفعول .
تفسير لقوله : { وَ ما ظَلَمُونا ..} .
و قوله : أو ينسب نفسه
إلى الظلم ، بالبناء للفاعل .
و قوله : و لكنه خلطنا بنفسه .
أي خلطنا : معاشر الأنبياء ، و
الأوصياء و الأئمة ، بنفسه .
و قوله : قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم.
وجهه : أن النفي في هذه
الموارد و أمثالها ، إنما يصح
فيما يصح فيه الإثبات ، أو يتوهم صحته .
فلا يقال : للجدار،
أنه لا يبصر ، أو لا يظلم ، إلا لنكتة .
و هو سبحانه : أجل من أن يسلم في كلامه ، توهم الظلم
عليه ، أو جاز وقوعه عليه .
فالنكتة : في هذا النفي ، الخلط المذكور .
لأن العظماء : يتكلمون
عن خدمهم و أعوانهم.
و في تفسير العياشي في قوله :
{ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ
اللَّهِ ....(61) } .
عن الصادق : عليه السلام ، أنه قرأ هذه الآية : { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا
يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ
(61)} .
فقال عليه السلام : و الله ما ضربوهم بأيديهم ، و لا
قتلوهم بأسيافهم .
و لكن : سمعوا أحاديثهم ، فأذاعوها ، فأخذوا عليها ، فقتلوا .
فكان : قتلا ، و
اعتداء ، و مصيبة .
أقول :
و في الكافي : عنه عليه السلام مثله .
و كأنه عليه السلام : استفاد ذلك .
من قوله : {
ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ ..(61) } .
فإن القتل : و خاصة قتل الأنبياء ، و الكفر
بآيات الله ، لا يعلل بالعصيان .
بل الأمر : بالعكس ، على ما يوجبه الشدة و الأهمية .
لكن
العصيان : بمعنى عدم الكتمان ، و التحفظ ، مما يصح التعليل المذكور به .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 192 .
( وسيأتي إن شاء الله : في الآية 62 من سورة البقرة ، بحث مختصر عن معنى الإيمان وحقيقة وظاهره ، وبعض المعارف عن النصارى والصابئة )
http://www.alanbare.com/almezan