بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة
إعداد للتفسير الموضوعي
تفسير سورة البقرة
(ستجدون يا طيبين: في تفسير الآيات 47-48 من سورة البقرة ، تفسير معنى الشفاعة ببحوث دقيقة كاملة مفصلة ، وبيان حقيقة حكومتها وتوسط سببها في التكوين والتشريع ، وأن الشفاعة لا تبطل مولوية المولى ولا عبودية العبد ، ولا أنها تبطل الحكم ، ولا الجزاء ، ولا تضادهما . وإنما الشفاعة هي سبب يتوسط به الشفيع عند المشفوع عنده ، فيخرج المشفوع له من الحكم الأول إلى حكم آخر يجلب له المنفعة ويدفع عنه العقاب ، وذلك بتحكيم بصفات خاصة في الشافع أو الشفيع أو المشفوع له ، ثم رد وجواب الإشكالات على الشفاعة ، وبحوث عالية في بيان المشفوع لهم من المؤمنين أهل المعاصي الكبيرة ، ومنهم الشافعين ، ومتى تجري الشفاعة ، وبحوث روائية عالي المطالب ، يشخص الحقائق الشفاعة ويعين كثير مما أجمل من مطالبها ، ومعارف راقية أخرى ...... )
ملاحظة : ما بين القوسين ( )
الهلاليين فهما شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
وسواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 47- 48
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) |
|
سورة البقرة 2 : الآيات 47 إلى 48 .
{ يا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
وَ
أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47)
وَ اتَّقُوا يَوْماً
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ
نَفْسٍ شَيْئاً
وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها
عَدْلٌ وَ
لا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) }
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 154.
بيان : ( وتفسير قرآني في نفي وإثبات الشفاعة
وتأثير الأسباب والوسائط يوم القيامة )
( مقدمة : تعرف قوانين المجازات في الدنيا والآخرة للأمم المتقدمة )
قوله تعالى : { وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي } .
الملك : و السلطان الدنيوي ،
بأنواعه و
أقسامه ، و بجميع شئونه ، و قواه المقننة الحاكمة و المجرية .
مبتنية : على حوائج الحياة .
و غايتها : رفع الحاجة ، حسب ما تساعد عليه العوامل الزمانية و المكانية .
فربما : بدل
متاع من متاع ، أو نفع من نفع ، أو حكم من حكم .
من غير : ميزان كلي ، يضبط الحكم .
+
و يجري ذلك : في باب المجازاة أيضا .
فإن الجرم : و
الجناية عندهم ، يستتبع العقاب .
و ربما بدل : الحاكم
، العقاب ، لغرض يستدعي منه ذلك .
كأن يلح :
المحكوم ، الذي يرجى عقابه على القاضي ، و يسترحمه
، أو يرتشيه .
فينحرف : في قضائه ، فيجزي ، أي يقضي فيه بخلاف الحق .
أو يبعث المجرم : شفيعا
يتوسط بينه و بين الحاكم ، أو مجري الحكم .
أو يعطي : عدلا و بدلا ، إذا كانت حاجة الحاكم
، المريد للعقاب إليه ، أزيد و أكثر من الحاجة إلى عقاب ذلك المجرم .
أو يستنصر : قومه
، فينصروه ، فيتخلص بذلك عن تبعة العقاب ، و نحو ذلك .
تلك : سنة جارية ، و عادة دائرة بينهم .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 155.
و كانت : الملل القديمة
من الوثنيين و غيرهم .
تعتقد : أن الحياة الآخرة
، نوع حياة دنيوية
.
يطرد فيها : قانون
الأسباب ، و يحكم فيها ناموس التأثير و التأثر المادي
الطبيعي .
فيقدمون : إلى آلهتهم ، أنواع القرابين و الهدايا ،
للصفح عن جرائمهم ، أو الإمداد
في حوائجهم .
أو يستشفعون بها : أو يفدون بشيء عن جريمة .
أو يستنصرون : بنفس أو سلاح
.
حتى إنهم : كانوا يدفنون مع الأموات ،
أنواع الزخرف و الزينة .
ليكون معهم : ما يتمتعون به
في آخرتهم ، و من أنواع السلاح ما يدافعون به عن أنفسهم .
و ربما ألحدوا معه : من
الجواري من يستأنس بها ، و من الأبطال من يستنصر به الميت .
و توجد اليوم : في المتاحف
، بين الآثار الأرضية ، عتائق كثيرة من هذا القبيل .
و توجد : عقائد متنوعة ،
شبيهة بتلك
العقائد بين الملل الإسلامية ، على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم .
بقيت بينهم : بالتوارث ،
ربما تلونت لونا بعد لون ، جيلا بعد جيل .
+++
( آيات إبطال الوسائط والشفعاء يوم القيامة لمن
كفر)
و قد أبطل القرآن :
جميع هذه الآراء الواهية ،
و الأقاويل الكاذبة .
فقد قال عز من قائل : { وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) } الانفطار .
و قال : { وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ
(166) } البقرة .
و قال : { وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ
وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ
وَ ما نَرى مَعَكُمْ
شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ
شُرَكاءُ
لَقَدْ تَقَطَّعَ
بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) } الأنعام .
و قال
: { هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ
وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) } يونس .
إلى غير ذلك : من الآيات التي بين فيها .
أن الموطن : خال عن
الأسباب الدنيوية ، و بمعزل
عن الارتباطات الطبيعية .
و هذا أصل :
يتفرع عليه : بطلان كل واحد من تلك الأقاويل و
الأوهام ، على طريق الإجمال .
+
ثم فصل القول : في نفي واحد واحد منها
، و أبطاله .
فقال : { وَ
اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً
وَ لا يُقْبَلُ مِنْها
شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ
وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } البقرة
.
و قال : { يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ
(254) } البقرة
.
و
قال : { يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى
عَنْ مَوْلًى شَيْء (41) } الدخان .
و قال
: { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ (33)
} المؤمن .
و قال : { ما لَكُمْ
لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
} الصافات .
و قال : { وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا
يَنْفَعُهُمْ
وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا
عِنْدَ اللَّهِ
قُلْ أَ
تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ
سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) } يونس .
و قال : { ما لِلظَّالِمِينَ
مِنْ حَمِيمٍ وَ لا
شَفِيعٍ يُطاعُ (18) } المؤمن .
و قال : { فَمالَنا
مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
(101) } الشعراء .
إلى غير ذلك : من الآيات الكريمة .
النافية
: لوقوع الشفاعة .
و تأثير : الوسائط .و الأسباب ، يوم القيامة
، هذا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 156.
+++++
( آيات تثبت الشفاعة لله تعالى ولمن أذن له ورضي له
قولا )
ثم إن القرآن : مع ذلك ، لا ينفي الشفاعة من أصلها .
بل يثبتها
: بعض الإثبات .
قال تعالى :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَ
لا شَفِيعٍ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ (3) } السجدة .
و قال تعالى : { لَيْسَ لَهُمْ
مِنْ دُونِهِ
وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ
(51) } الأنعام .
و قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ
الشَّفاعَةُ جَمِيعا (44) } الزمر .
و قال تعالى : { لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما
فِي الْأَرْضِ
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ (255) } البقرة .
و قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ
إِذْنِهِ (3) } يونس .
و قال تعالى : { وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً
سُبْحانَهُ
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ
وَ لا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى
وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
}
الأنبياء .
و قال : { وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الشَّفاعَةَ
إِلَّا مَنْ شَهِدَ
بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف .
و قال : { لا يَمْلِكُونَ
الشَّفاعَةَ
إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْد (87) } مريم .
و قال تعالى: { يوْمَئِذٍ
لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ
وَ رَضِيَ لَهُ
قَوْلًا
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْم (110) } طه .
و قال تعالى : { وَ لا تَنْفَعُ
الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ
أَذِنَ لَهُ (23) } السبا .
و قال تعالى : { وَ كَمْ
مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي
شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً
إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ
يَشاءُ وَ يَرْضى (26) } النجم .
+
فهذه الآيات : كما ترى .
بين : ما يحكم باختصاص
الشفاعة بالله عز اسمه ، كالآيات الثلاثة الأولى .
و بين : ما يعممها لغيره تعالى ،
بإذنه و ارتضائه ، و نحو ذلك .
و كيف كان : فهي تثبت الشفاعة ، بلا ريب .
غير أن بعضها : تثبتها بنحو الأصالة
لله ، وحده من غير شريك .
و بعضها : تثبتها ( تثبت الشفاعة ) لغيره
، بإذنه و ارتضائه .
+++++
( النسبة واحد في نفي الشفاعة والعلم بالغيب وغيرهما عن غيره تعالى وإثباتها
بإذنه لمن أرتضى )
و قد عرفت : أن هناك
آيات تنفيها ( تنفي الشفاعة
).
فتكون النسبة : بين هذه الآيات .
كالنسبة : بين الآيات .
النافية :
لعلم الغيب : عن
غيره .
و إثباتها :
له تعالى : بالاختصاص .
و لغيره : بارتضائه .
قال تعالى : { قُلْ لا يَعْلَمُ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
الْغَيْبَ (65) } النمل .
و قال تعالى :
{ وَ
عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ (59) } الأنعام .
و قال تعالى : { عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ
رَسُولٍ (27) } الجن .
و كذلك الآيات : الناطقة .
في : التوفي
و الخلق .
و الرزق : و التأثير
.
و الحكم
: و الملك ، و غير ذلك
.
فإنها
شائعة : في أسلوب القرآن .
حيث ينفي : كل كمال عن غيره تعالى ، ثم يثبته لنفسه .
ثم يثبته
: لغيره بإذنه و مشيئته .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 157.
++
( الأشياء تملك بتمليك الله تعالى وبأذنه لا بالاستقلال )
فتفيد :
أن الموجودات :
غيره تعالى .
لا تملك : ما تملك من هذه الكمالات ، بنفسها و استقلالها .
و إنما تملكها : بتمليك الله لها إياها .
حتى أن القرآن
: يثبت نوعا من المشيئة .
في ما :
حكم فيه ،
و قضى عليه ، بقضاء حتم .
كقوله تعالى :
{ فَأَمَّا
الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها
ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ
إِنَّ رَبَّكَ
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ
وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ
فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ
عَطاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ (108) } هود .
فقد علق : الخلود بالمشيئة
، و خاصة في خلود الجنة .
مع حكمه : بأن
العطاء غير مجذوذ .
إشعارا : بأن قضاءه تعالى بالخلود ، لا يخرج الأمر من يده ، و لا يبطل
سلطانه و ملكه ، عز سلطانه .
كما يدل عليه قوله : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ (107) } هود .
و بالجملة :
لا إعطاء
هناك : يخرج الأمر من يده ، و
يوجب له
الفقر .
و لا منع : يضطره إلى حفظ ما منعه ، و
إبطال سلطانه تعالى .
+++++
=======
( النتيجة : إثبات الشفاعة لمن يشاء سبحانه بإذنه )
أبحاث الشفاعة :
و من هنا يظهر :
أن الآيات : النافية
للشفاعة ، إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة .
فإنما تنفيها : عن غيره تعالى ، بمعنى الاستقلال في الملك .
الآيات : المثبتة
، تثبتها لله
سبحانه بنحو الأصالة ، و لغيره تعالى بإذنه و تمليكه .
فالشفاعة : ثابتة لغيره تعالى
، بإذنه .
فلننظر :
ما ذا يفيده ، كلامه في معنى
الشفاعة و متعلقها ؟
و فيمن : تجري ؟
و ممن
: تصح ؟
و متى : تتحقق؟
و ما نسبتها : إلى العفو و المغفرة منه تعالى ؟
و نحو ذلك في أمور :
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 158 .
++
( تحقيق معنى
الشفاعة
ومن يشفع ومن يستحقها ومتى تكون ومسائلها وإشكالاتها
)
1- أولاً : ما هي
الشفاعة ؟
( ألف :
الشفاعة
مقابل الوتر وهي استعانة طالب الشفاعة بالشفيع لجلب خير حكم أو دفع ضره )
الشفاعة : على ما نعرف من معناها ، إجمالا بالقريحة المكتسبة من الاجتماع و التعاون
.
و
هي : من الشفع مقابل الوتر .
كأن الشفيع : ينضم إلى الوسيلة الناقصة
، التي مع المُستشفِع .
فيصير بها (المستشفع أي طالب الشفاعة ): زوجا ، بعد ما كان فردا .
فيقوى : على نيل ما يريده .
ولو لم يكن : الشفيع ، لم ينال طالب الشفاعة ما يريد وحده .
وذلك :
لنقص
: وسيلته ( طالب الشفاعة ) و ضعفها .
و لقصوره : عن الأمور التي نستعملها ، لإنجاح المقاصد .
و التي : نستعين بها ،
على حوائج الحياة .
+
و جل الموارد : التي نستعمل
الشفاعة فيها .
إما موارد : يقصد فيها ، جلب
المنفعة
و الخير .
و إما موارد : يطلب فيها ، دفع
المضرة و الشر .
+
لكن : لا كل نفع و ضرر .
فإنا لا نستشفع
: فيما تتضمنه الأسباب الطبيعية ، و الحوادث الكونية .
من : الخير و الشر ، و
النفع و الضر .
وكالجوع : و العطش ، و الحر و البرد ، و الصحة و المرض .
بل نتسبب فيها
: ( لتحصيلها ) بالأسباب الطبيعية .
و نتوسل إليها : ( لنصل إليها ) بوسائلها المناسبة لها .
كالأكل : و الشرب ، و اللبس
و الاكتنان ، و المداواة .
+
و إنما نستشفع : في الخيرات و
الشرور ، و المنافع و
المضار .
التي
تستدعيها : أو تستتبعها ، أوضاع القوانين و الأحكام .
التي : وضعتها و اعتبرتها ، و قررتها و
أجرتها ، حكومة الاجتماع ، بنحو الخصوص أو العموم .
ففي دائرة : المولوية و العبودية
( نستفيد من شفاعة الشفيع ) .
و
عند : كل حاكم و محكوم .
و أحكام : من الأمر و النهي .
إذا عمل بها : و أمتثلها المكلف .
بها
استتبع : ذلك ( الامتثال من المكلف ) تبعة الثواب
.
من مدح : أو نفع ، من جاه أو مال .
و إذا خالفها : و تمرد من إمتثالها .
استتبع ذلك : ( المتمرد ) تبعة العقاب .
من ذم : أو ضرر مادي ، أو معنوي .
فإذا أمر المولى : أو نهى عبده
،
أو كل من هو تحت سيادته و حكومته ، بأمر أو نهي ، مثلا .
فامتثله ( العبد أو المكلف ) : كان له بذلك أجر كريم .
و
إن خالف : كان له عقاب أو عذاب .
فهناك : نوعان من الوضع و الاعتبار .
وضع :
الحكم .
و وضع
: تبعة الحكم ، يتعين به تبعة الموافقة و
المخالفة .
و على هذا الأصل : تدور جميع الحكومات العامة بين الملل ، و الخاصة بين كل إنسان و من
دونه .
++++++
( باء : الشفاعة توسيط سبب معقول يليق بالمشفوع
له لإخراجه من مورد الحكم لا إبطاله )
فإذا أراد الإنسان : أن ينال كمالا
، و خيرا ماديا أو معنويا .
و ليس عنده : ما يستوجب ذلك
، بحسب ما يعينه الاجتماع ، و يعرف به لياقته .
أو أراد : أن يدفع عن نفسه شرا متوجها
إليه ، من عقاب المخالفة ، و ليس عنده ما يدفعه .
أعني : الامتثال ، و الخروج عن عهدة
التكليف .
( يتوسل الإنسان : بالشفاعة ويوسط الشفيع ، ليجلب له الخير ، أو يدفع عنه شر ،
فيدخله في حكم لمولاه أو يخرجه منه )
+
و بعبارة واضحة :
إذا أراد ( طالب الشفاعة ) :
نيل ثواب : من غير تهيئة أسبابه .
أو التخلص من عقاب
: من غير إتيان التكليف المتوجه إليه .
فذلك : مورد الشفاعة ، و عنده تؤثر .
لكن : لا مطلقا .
فإن من : لا لياقة له ، بالنسبة إلى التلبس بكمال .
أو لا : رابطة له ، تربطه إلى المشفوع
عنده أصلا .
كالعامي الأمي : الذي يريد تقلد مقام علمي .
أو الجاحد الطاغي : الذي لا يخضع
لسيده أصلا .
لا تنفع : عنده ( عند مولاه )
الشفاعة .
الميزان في تفسير
القرآن ج1ص 159.
فإنما الشفاعة : متممة للسبب ، لا مستقلة في التأثير .
ثم إن تأثير الشفيع : عند الحاكم المشفوع عنده
، لا يكون تأثيرا جزافيا ، من غير سبب يوجب
ذلك .
بل لا بد : أن
يوسط أمرا ، يؤثر في الحاكم ، و يوجب نيل الثواب ، أو التخلص من العقاب
.
+
فالشفيع :
لا يطلب : من المولى مثلا
.
أن يبطل : مولوية نفسه
، و عبودية عبده ، فلا
يعاقبه .
و لا يطلب منه :
أن يرفع اليد :
عن حكمه ، و تكليفه المجعول
.
أو ينسخه
: عموما .
أو في خصوص : الواقعة ، فلا يعاقبه .
و لا يطلب منه :
أن يبطل : قانون المجازاة
، عموما
أو خصوصا .
فلا يعاقب : لذلك رأسا ، أو في
خصوص الواقعة .
فلا نفوذ :
و لا تأثير للشفيع .
في : مولوية و
عبودية .
و لا في : حكم .
و لا في : جزاء حكم .
بل الشفيع : بعد ما يسلم جميع ، الجهات
الثلاث المذكورة .
( المولوية ، والحكم ، والجزاء )
إنما يتمسك :
إما بصفات : في المولى الحاكم
، توجب العفو و الصفح
.
كسؤدده : و كرمه و سخائه، و شرافة محتده .
و إما بصفات : في العبد ، تستدعي الرأفة و
الحنان ، و تثير عوامل المغفرة .
كمذلته : و مسكنته ، و حقارته ، و سوء حاله .
و إما بصفات : في
نفسه ، أعني نفس الشفيع .
من قربه : إلى المولى و كرامته ، و علو منزلته عنده .
فيقول :
ما
أسألك :
إبطال : مولويتك و عبوديته .
و لا أن : تبطل حكمك .
و لا أن : تبطل الجزاء .
بل أسألك
:
الصفح عنه :
بأن لك : سؤددا و رأفة و كرما
، لا تنتفع بعقابه ، و لا يضرك الصفح عن ذنبه .
أو
بأنه : جاهل حقير ، مسكين لا يعتني مثلك بشأنه ، و لا يهتم بأمره .
أو بأن لي : عندك من
المنزلة و الكرامة ، ما يوجب إسعاف حاجتي ، في تخليصه و العفو عنه .
و من هنا يظهر : للمتأمل
.
أن الشفيع : إنما يُحكم .
بعض العوامل : المربوطة بالمورد ، المؤثرة
في رفع العقاب .
مثلا : من صفات المشفوع عنده ، أو نحوها .
على العامل : الآخر ، الذي هو سبب
وجود الحكم ، و ترتب العقاب على مخالفته .
و نعني بالحكومة :
أن يُخرج : مورد الحكم ، عن كونه
موردا ( في حق المشفوع له ).
بإدخاله : في مورد حكم آخر .
فلا يشمله : الحكم الأول ، لعدم كونه من مصاديقه .
لا أن يشمله ( للمشفوع له
الحكم ) : فيبطل (
الشفيع ) حكمه ( حكم
الحاكم ) بعد الشمول ،
بالمضادة .
كإبطال : الأسباب المتضادة في الطبيعة ، بعضها
حكم بعض ، بالمعارضة و الغلبة في التأثير.
+
فحقيقة الشفاعة
:
التوسط : في إيصال نفع ، أو دفع
شر .
بنحو : الحكومة ، دون المضادة .
+
و من هنا يظهر أيضا :
أن الشفاعة : من مصاديق السببية .
فهي : توسيط السبب المتوسط القريب
، بين السبب الأول البعيد ،
و مسببه .
هذا : ما يتحصل من تحليل معنى الشفاعة
، التي عندنا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 160 .
=++++++++++=
( جيم النتيجة : الشفاعة عند الله تعالى لها
جهتين بتوسيط السببية في التكوين وفي التشريع )
( بيان المعنى العام لجهتي الشفاعة السببية التكوينية والتشريعية عنده تعالى )
ثم إن الله سبحانه : يمكن
أن يقع مورد النظر في السببية .
من جهتين :
+
إحداهما : ( الشفاعة التكوينية
) .
أنه تعالى :
يبتدئ منه التأثير ، و
ينتهي إليه السببية .
فهو : المالك ، للخلق و الإيجاد
على الإطلاق .
و جميع : العلل و الأسباب ، أمور متخللة
، متوسطة بينه
و بين غيره .
لنشر
رحمته : التي : لا تنفد ، و نعمته التي لا تحصى ، إلى خلقه و صنعه .
++
و الثانية : ( الشفاعة التشريعية )
.
أنه تعالى : تفضل علينا بالدنو
، في حين علوه .
فشرع الدين : و وضع فيه أحكاما
، من أوامر و نواهي ، و غير ذلك .
و تبعات : من الثواب و
العقاب ، في الدار الآخرة .
و أرسل
: رسلا مبشرين و منذرين ، فبلغوه أحسن تبليغ .
و قامت بذلك : الحجة ، و تمت كلمة ربك صدقا و
عدلا ، لا مبدل لكلماته .
+++
+
أما من الجهة الأولى : ( آيات الشفاعة في
التكوين )
و هي النظر إليه تعالى : من جهة التكوين .
فانطباق : معنى الشفاعة ،
على شأن الأسباب ، و العلل الوجودية
، المتوسطة
.
واضح : لا يخفى .
فإنها : تستفيد من صفاته العليا .
من
: الرحمة ، و الخلق ، و الإحياء ، و الرزق ، و غير ذلك .
إيصال : أنواع النعم ، و الفضل ، إلى كل
مفتقر محتاج من خلقه .
و كلامه تعالى : أيضا يحتمل ذلك .
كقوله تعالى : { لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ (255) } البقرة .
و قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (3) } يونس .
فإن الشفاعة : في مورد التكوين .
ليست إلا : توسط
العلل و الأسباب .
بينه تعالى : و بين مسبباتها ، في تدبير أمرها ، و تنظيم وجودها و بقائها .
فهذه : شفاعة
تكوينية .
++
و أما من الجهة الثانية : ( آيات الشفاعة في
التشريع )
و هي النظر إليه تعالى :
من جهة التشريع .
فالذي ينبغي أن يقال:
أن مفهوم الشفاعة : على ما سبق من التحليل .
يصح صدقه : في مورده ( تعالى ) ، و لا محذور في ذلك .
و
عليه ينطبق :
قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ
لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ
لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) } طه .
و قوله تعالى : { لا تَنْفَعُ
الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (23) } سبأ .
و قوله تعالى :
{ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ
شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ
يَرْضى (26) } النجم .
و قوله تعالى : { وَ لا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى
(28) } الأنبياء .
و قوله تعالى : { وَ لا
يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف
.
فإن
الآيات : كما ترى ، تثبت الشفاعة .
بمعنى الشافعية : لعدة من عباده .
من : الملائكة و الناس .
من
بعد : الإذن و الارتضاء .
فهو تمليك : و لله الملك ، و له الأمر .
فلهم : أن يتمسكوا ،
برحمته ، و
عفوه ، و مغفرته .
و ما أشبه ذلك : من صفاته العليا .
لتشمل عبدا : من عباده ، ساءت حاله بالمعصية ، و
شملته بلية العقوبة .
فيخرج : عن كونه مصداقا ، للحكم الشامل، و الجرم العامل .
على ما
عرفت : أن تأثير الشفاعة .
بنحو : الحكومة ، دون التضاد .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 161.
+
و هو القائل عز من قائل :
{ فَأُوْلئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ
(70) } الفرقان
.
فله تعالى : أن يبدل عملا من عمل .
كما أن له : أن يجعل الموجود من العمل ،
معدوما .
قال
تعالى : { وَ
قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَّنثُورًا (23) } الفرقان
.
و قال تعالى
: { فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (10) } محمد .
و قال تعالى : { إِنْ
تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ
ما تُنْهَوْنَ
عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
(31) }
النساء .
و قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ
لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ
يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (48) } النساء .
و الآية : في غير مورد الإيمان و التوبة قطعا .
فإن : الإيمان و التوبة ، يغفر بهما الشرك أيضا ، كسائر الذنوب .
( والمفروض : أن الشفاعة لمؤمن لم يتب أو نسي التوبة ، وهذا هو مراد الآية ، لا
أنها بيان للإيمان والتوبة فإنهما يغفران حتى الشرك ) .
و له : تكثير القليل من العمل
.
قال تعالى : { أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ
(65) } القصص .
و قال تعالى : { مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِه (160) } الأنعام
.
و له سبحانه : أن يجعل
المعدوم من العمل موجودا .
قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَ
اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ
أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَ ما
أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ
(21) }
الطور .
و هذا هو : اللحوق و الإلحاق .
+
و بالجملة :
فله تعالى : أن يفعل ما يشاء ، و يحكم
ما يريد .
نعم : إنما يفعل
لمصلحة مقتضية ،
و علة
متوسطة .
و لتكن : من جملتها .
شفاعة الشافعين : من
أنبيائه ، و أوليائه ، و المقربين من عباده ، من غير جزاف و لا ظلم .
+
و من هنا ظهر : أن معنى الشفاعة .
بمعنى الشافعية : صادق بحسب الحقيقة ، في حقه تعالى .
فإن
كلا من صفاته : متوسطة بينه
و بين خلقه .
في إفاضة : الجود ، و بذل الوجود .
فهو الشفيع : في
الحقيقة على الإطلاق .
قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ
الشَّفاعَةُ جَمِيعا (44) } الزمر .
و قال تعالى : { ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ (4) } السجدة
.
و
قال تعالى : { لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ (51) } الأنعام
.
و غيره تعالى : لو
كان شفيعا .
فإنما هو : بإذنه و تمليكه .
فقد ثبت بما مر :
صحة : تحقق الشفاعة
، عنده
تعالى .
في الجملة : فيما لا يوجب محذورا
، لا يليق بساحة كبريائه تعالى .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 162.
===================
( وسيأتي إن شاء الله : في تكملة تفسير الآيات ، بيان كريم لرد
الشبهات على الشفاعة وما يشكل عليها ، برد مفصل واضح لا لبس فيها ، يزيل بعون الله
تعالى كل شبه وشك ، ويوضح ما مر من الشفاعة و وقوعها مفصلا ، ونتيقن حقا تحقق
الشفاعة من الله تعالى ، ومن أولياءه ممن أذن له ، وهي لمن أرتضى دينه ، في بحوث
تتعلق بمن يستحق الشفاعة وتجرى له ، ومن هم الشفعاء ، ومن هم المذنبون والذنوب التي
تتعقل بهم الشفاعة ، ومتى تقع الشفاعة وزمان حصولها ، ثم يأتي إن شاء الله البحث
الروائي للشفاعة ، وفيه مزبد من التفصيل لا يستغنى عنه لرسوخ معنى الشفاعة ومعرفة
حقيقتها حقا ) .
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
( تتمة وتكميل بحوث الشفاعة في تفسير الآيات 47-48 من سورة البقرة ، ومنها أجوبة
مفصلة لسبعة إشكالات على الشفاعة ، وبيان عميق فيمن ولمن تجري الشفاعة ، ومنهم
الشفعاء وأنواع الشفاعة ، وبماذا تتعلق الشفاعة من الذنوب والمذنبين ، ومتى تحصل
وتكون الشفاعة يوم القيامة ، ثم في القسم الآتي إن شاء الله يأتي بحث روائي وفلسفي
واجتماعي عميق ومفصل حول الشفاعة )
2 - ( ثانيا ) : إشكالات الشفاعة :
( بيان سبب الاشتباه العام للإشكال على الشفاعة باعتقاد عمومها للكل وغير مشروطة )
قد عرفت : أن الشفاعة ثابتة في الجملة ، لا بالجملة ( للبعض لا للكل ) .
و ستعرف : أن الكتاب ، و كذلك السنة
، لا يثبتان أزيد من ذلك .
بل التأمل : في معناها وحده ، يقضي بذلك .
فإن الشفاعة : كما مر
.
ترجع : بحسب المعنى ، إلى التوسط في السببية و التأثير .
و لا معنى : للإطلاق ، في السببية و
التأثير .
فلا السبب : يكون سببا لكل مسبب ، من غير شرط .
و لا مسبب واحد : يكون مسببا ، لكل
سبب على الإطلاق .
فإن ذلك : يؤدي إلى بطلان السببية ، و هو باطل بالضرورة .
و من هنا
: اشتبه الأمر على النافين للشفاعة .
حيث توهموها : مطلقة ، من غير شرط .
فاستشكلوا : فيها
بأمور .
و بنوا عليها : بطلان ، هذه الحقيقة القرآنية .
من غير تدبر : فيما يعطيه كلامه تعالى
.
و هاك شطرا منها ( من الإشكالات ) :
+
الإشكال الأول :
( رفع العقاب عن المجرم إما خلاف تشريع الحكم العادل أو ظلم فلا يتوسط به الأنبياء )
أن رفع العقاب : عن المجرم ، يوم القيامة .
بعد ما أثبته : الله تعالى
بالوعيد .
إما أن يكون : عدلا ، أو
ظلما .
فإن كان عدلا : كان أصل الحكم المستتبع
للعقاب ، ظلما ، لا
يليق بساحته تعالى و تقدس .
و إن كان ظلما : كان شفاعة الأنبياء
، مثلا ، سؤالا
للظلم منه ، و هو جهل ، لا يجوز نسبته إليهم صلوات الله عليهم .
+
و الجواب عنه : ( بالنقض والحل )
( أولا : وضع الحكم عدل وهو كالأوامر الامتحانية
ليخسر الكافر وليفوز المؤمن والشفاعة للمسيء )
أولا : بالنقض .
فإنه منقوض : بالأوامر الامتحانية .
فرفع الحكم : الامتحاني
ثانيا ، و إثباته أولا ، كلاهما من العدل .
و الحكمة فيها :
اختبار : سريرة المكلف ، أو إظهار
باطن أمره .
أو إخراج : ما في قوته إلى الفعل .
فيقال : في مورد الشفاعة
أيضا .
يمكن أن تكون
: النجاة مكتوبة لجميع المؤمنين .
ثم توضع الأحكام : و ما لمخالفتها من أنواع العقاب
.
ليهلك : الكافرون ، بكفرهم .
و أما المؤمنون : فترتفع بالطاعة
، درجات المحسنين منهم .
و يبقى
المسيئون : فينالون بالشفاعة ، النجاة المكتوبة لهم .
و لو بالنسبة : إلى بعض أنواع العذاب
، أو أفراده ، مع مقاساة البعض الآخر .
كأحوال : البرزخ ، و أهوال يوم القيامة .
فيكون بذلك
:
أصل وضع الحكم :
و عقابه ، أولا عدلا ، و رفع عقابه ثانيا عدل .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 163.
+
( ثانيا : الشفاعة لا تناقص الحكم والعقاب وإنما
تخرجه منه لحكم صفات الرحمة )
و ثانيا : بالحل :
فإن رفع العقاب : أولا بواسطة
الشفاعة .
إنما يغاير : الحكم الأول
، فيما
ذكر من العدل و الظلم .
لو كان : رفع العقاب بالشفاعة ،
نقضا للحكم الأول ، أو نقضا للحكم
باستتباع العقوبة .
و قد عرفت : أنه ليس كذلك .
بل أثر الشفاعة : بالحكومة ،
لا بالمضادة فيها
( لا بماضدة الشفاعة للحكم ، بل هي ).
إخراج المجرم : عن كونه مصداقا
، لشمول العقاب .
بجعله ( المشفوع له بالشفاعة ) :
مصداقا ، لشمول الرحمة .
و
من (مصاديق ) صفات : أخرى له تعالى ،
من رحمة و عفو و مغفرة .
و منها : تفضيله ( تعالى )
للشافع ، بالإكرام و
الإعظام ( لكونه نبي أو ولي أو مؤمن مخلص الإيمان ) .
=++++++=
الإشكال الثاني :
( الشفاعة تناقض جريان سنن الله تعالى وتخالف فعله وحكمه الثابت دائما )
أن سنة الله تعالى : جرت على صون أفعاله
، من التخلف و الاختلاف .
فما
قضى و حكم به : يجريه على وتيرة واحدة ، من غير استثناء .
و على هذا : جرت سنة الأسباب .
قال تعالى : { هذا
صِراطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ إِنَّ
عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) } الحجر .
و قال تعالى : { وَ
أَنَّ هذا صِراطِي
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
(153) }
الأنعام .
و قال تعالى : { فَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّتِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا وَ لَنْ
تَجِدَ لِسُنَّتِ
اللَّهِ تَحْوِيلاً
(42) } الفاطر .
و تحقق الشفاعة
: موجب للاختلاف
في الفعل .
فإن رفع العقاب : بالشفاعة .
عن جميع : المجرمين
، في جميع جرائمهم .
موجب : لنقض
الغرض ( من جريان السنة حتما وبدون تبدل ولا تحول ) ،
المحال .
و لعب : ينافي
الحكمة قطعا .
و رفعه ( للعقاب بالشفاعة ) : عن بعض
المجرمين ، أو في بعض
جرائمهم
و ذنوبهم .
اختلاف : في فعله تعالى .
و تغير و تبدل : في سنته
الجارية ، و طريقته
الدائمة .
إذ
لا فرق : بين المجرمين ، في أن كل واحد منهم مجرم .
و لا ( فرق ) : بين الذنوب ، في أن كلا منها ذنب ، و
خروج عن زي العبودية .
فتخصيص : بعضهم ، أو
بعض من أعمالهم .
بالصفح : و الإغماض
دون بعض
، بواسطة الشفاعة ،
محال .
و إنما تجري : الشفاعة ، و ما يشبهها .
في سُنة : هذه الحياة .
من أبتناء :
الأعمال و الأفعال ، على الأهواء و الأوهام .
التي ربما تقضي : في الحق و الباطل ، على
السواء .
و تجري : عن الحكمة و عن الجهالة ، على نسق واحد .
+
و الجواب :
( السنة مرتبطة بعدة أسماء حسنى وما تجريه من أسباب وشروط ورفع موانع )
أنه لا ريب : في أن صراطه تعالى مستقيم ،
و سنته واحدة .
لكن هذه السنة : الواحدة
، الغير مختلفة .
ليست قائمة : على أصل صفة واحدة
، من صفاته تعالى .
كصفة : التشريع ، و الحكم
، مثلا .
حتى لا يتخلف : حكم عن مورده ، و لا
جزاء حكم عن محله ،
قط .
بل هي ( سنته
تعالى ) : قائمة على ما
تستوجبه جميع صفاته ، و مرتبطة بعلية صفاته ( لها )
.
الميزان في تفسير
القرآن ج1ص 164.
توضيح ذلك :
أن الله سبحانه : هو الواهب المفيض
، لكل ما في الوجود .
من : حياة أو موت ، أو
رزق أو نعمة ، أو غير ذلك .
و هي أمور : مختلفة ،
لا ترتبط به سبحانه على السواء
، و لا لرابطة
واحدة كيف كانت .
فإن فيه : بطلان
الارتباط و السببية .
فهو تعالى : لا يشفي مريضا
من غير سبب موجب ، و مصلحة مقتضية
.
و لا يشفيه : لأنه الله المميت
المنتقم ، شديد البطش .
بل ( يشفي
المريض ) : لأنه الله ، الرءوف الرحيم ، المنعم ، الشافي المعافي ، مثلا
.
و لا يهلك :
جبارا مستكبرا ، من غير سبب ،
( ولا ) لأنه رءوف رحيم به .
بل لأنه الله : المنتقم ، الشديد
البطش ، القهار ، مثلا . و هكذا .
و القرآن
: بذلك ناطق .
فكل حادث : من الحوادث ، بما يشتمل عليه
من جهات الوجود .
يسند إليه : من جهة صفة ، أو
أكثر من صفاته العليا .
تتسبب إليه : بالتلاؤم
و الائتلاف الواقع بينها ، و الاقتضاء المستنتج من ذلك .
+
و إن شئت قلت :
كل أمر : من
الأمور ، يرتبط به تعالى .
من جهة : ما يتضمنه ، من المصالح و الخيرات .
إذا : عرفت هذا .
علمت :
أن استقامة :
صراطه .
و عدم : تبدل
سنته .
و عدم : اختلاف
فعله .
إنما هي :
بالنسبة إلى ما يفعله
، بجميع صفاته المربوطة ( بالسنن والصراط وثبات فعله وعدم الاختلاف فيه ) .
لا
بالنسبة : إلى مقتضى صفة قاصرة .
+
و إن شئت قلت :
بالنسبة : إلى ما
يتحصل .
من : الفعل و الانفعال ، و الكسر و الانكسار .
الواقع : بين الحكم ،
و المصالح المرتبطة
بالمورد .
لا بالنسبة : إلى مقتضى مصلحة واحدة .
فلو كان : هناك سبب الحكم المجعول
( واحد ) فقط .
لم يتغير : و لم يختلف ( الحكم عند حصول سببه الواحد ) .
(لا) في : بر و لا
فاجر ، و لا
مؤمن و لا
كافر .
لكن الأسباب : كثيرة
.
ربما استدعى : ( الحكم ) توافق عدة منها ( من الأسباب ).
( وهي أسباب ) : غير ما يقتضيه بعضها ( والحكم يتحقق بتحقق جميع أسبابه وشروطه ، و
من غير مانع منه أو معارض له ) .
فافهم : ذلك .
فوقوع الشفاعة : و
ارتفاع العقاب .
و ذلك ( يتحقق ) : إثر عدة من الأسباب .
كالرحمة : و المغفرة ، و
الحكم و القضاء ، و إعطاء كل ذي حق حقه .
و الفصل في القضاء : لا يوجب
اختلافا في السنة
الجارية ، و (لا) ضلالا
في الصراط المستقيم .
=++++++=
الإشكال الثالث :
( الشفاعة تغير إرادة الحاكم و علمه الذي يوجب الحكم بالعدل وكلاهم باطل )
أن الشفاعة : المعروفة عند الناس .
هي : أن يحمل الشافع المشفوع عنده .
على
فعل : أو ترك ( حكم ) ، أراد غيره
، حكم به أو لا .
( أي الشافع : بتوسطه يغير حكم الحاكم المشفوع عنده ، سواء أظهر الحكم أو لا )
فلا تتحقق الشفاعة : إلا بترك
الإرادة و نسخها
، لأجل الشفيع .
فأما : الحاكم العادل :
فإنه لا يقبل الشفاعة ، إلا إذا تغير علمه ،
بما كان
أراده أو حكم به .
كأن أخطأ : ثم عرف الصواب ، و رأى أن المصلحة
، أو العمل ، في خلاف ما كان
يريده ، أو حكم به .
و أما الحاكم : المستبد الظالم .
فإنه يقبل : شفاعة المقربين عنده ، في الشيء
.
و هو عالم : بأنه ظلم ، و أن العدل في خلافه .
و لكنه : يفضل مصلحة ارتباطه ، بالشافع المقرب
عنده ، على العدالة .
و كلا من النوعين :
محال : على الله تعالى
، لأن إرادته على حسب علمه ، و
علمه أزلي لا يتغير .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 165.
+
و الجواب :
( الشفاعة تخرج المعلوم عن مورد العلم والإرادة المعينة لأخرى بتدل وموضوعه أو
شروطه )
أن ذلك منه تعالى : ( بتغيير
حكمه ) .
ليس من :
تغير ، الإرادة و العلم ،
في شيء .
و إنما التغير : في
( نفس وحقيقة ) المراد و المعلوم .
فهو سبحانه :
يعلم أن الإنسان الفلاني ، ستتحول عليه الحالات .
فيكون : في حين كذا على حال كذا ، لاقتران أسباب و شرائط خاصة
، فيريد فيه بإرادة .
ثم يكون : في
حين آخر على حال آخر جديد ، يخالف الأول ، لاقتران أسباب و شرائط أخر ،
فيريد فيه بإرادة
أخرى .
و كل يوم : هو في شأن .
و قد قال تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ
وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39) } الرعد .
و قال سبحانه : { بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ
يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ (67) } المائدة .
مثال ذلك :
إنا نعلم : أن الهواء ستغشاه الظلمة
، فلا تعمل ( الإبصار ) أبصارنا ، و الحاجة إليه ( للإبصار ) قائمة .
ثم تنجلي: الظلمة بإنارة الشمس .
فتتعلق إرادتنا
:
عند : إقبال الليل
، بالاستضاءة بالسراج .
و عند : انقضائه ،
بإطفائه .
و العلم و الإرادة : غير
متغيرتين ، و إنما تغير المعلوم و المراد .
فخرجا ( العلم والإرادة ) : عن كونهما منطبقا عليه (
على المعلوم والمراد
الواحد ) ، للعلم و
الإرادة ( لمعلوم آخر له علم وإرادة أخرى لا نفسهما تغيرا ، فالعلم والإرادة لإنارة للسراج في الليل ،
غير العلم والإرادة لإطفائه في
النهار .
فلتغير : الظروف والأحوال ، فهو في حال الليل يريد إنارة المصباح ، وفي حال
النهار يريد أن يطفئه ، لا أن في حالة واحدة تتغير إرادته وعلمه ويناقض حكمه ، أو
يبدله ولم يتغير المعلوم والمراد ) .
و ليس : كل علم ،
ينطبق على كل معلوم .
و لا : كل إرادة ، تتعلق بكل مراد .
نعم : تغير
العلم و الإرادة ، المستحيل عليه تعالى .
هو بطلان : انطباق ، العلم
على المعلوم ، و الإرادة
على المراد .
مع بقاء : المعلوم و المراد
على حالهما .
و هو : الخطأ ( في
العلم ) و الفسخ (
للإرادة ).
مثل أن ترى
: شبحا ، فتحكم بكونه إنسانا ،
ثم يتبين أنه فرس ، فيتبدل العلم .
أو تريد أمرا : لمصلحة ما ،
ثم
يظهر لك أن المصلحة في خلافه ، فتنفسخ إرادتك .
و هذان : غير جائزين
في مورده تعالى .
و
الشفاعة : و رفع
العقاب بها ، ليس من هذا القبيل .
كما عرفت .
( يا طيب : فالشفاعة : لم تغير علمه تعالى بالمعلوم ، ولا تفسخ إرادته للحكم
العادل .
بل الشفاعة : هي تخرج المعلوم والمراد عن وضع وحالة وشروط معينه ، بل وعن موضوع
الحكم المعين ، وتدخله في آخر .
فبدل من أن يكون : المشفوع له ، مستوجب لتجلي شديد العقاب
وظهور المنتقم ، يكون موردا لتجلي الرءوف
الرحيم ، وظهور الودود الحنان .
وذلك مثل المؤمن : عنده بعض المعاصي غفل عن التوبة عنها ، وهو
في باقي حياته مؤمنا
مستقيما .
فهو : لكونه عاصي ، يستحق العقاب .
ولكونه : مؤمن مستقيم في باقي حياته ، يستحق التخفيف .
فيخرج : من موضوع الحكم بالعقاب إلى مورد الرحمة ، بل قد يدخل في ضمن من أوعد الله
تعالى أن يبدل سيئاتهم حسنات .
فلا ينطبق عليه : الحكم لأنه ليس من موضوعه ، ولا يكون موردا للعقاب كما يكون
المشرك والمنافق والكافر ، فبالإضافة لعقابهم على كفرهم ، يعاقبون على كل ظلم يحصل
منهم ولا تخفيف لهم .
فالشفاعة للمؤمن العاصي : تخرج المؤمن الغافل عن التوبة عن موضوع الحكم ،
ولا تنال الباقي على
الكافر .
والعصيان منه من باب : الغفلة والسهو ، لا من باب المعاندة والجحود ، وكما كان الإمام علي بن
الحسين عليه السلام يقول في سجوده :
اللَّهُمَّ : إِنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ ، فَإِنِّي قَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ
الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ ، وَ هُوَ الْإِيمَانُ بِكَ ، مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ لَا
مَنّاً مِنِّي عَلَيْكَ .
وَ تَرَكْتُ : مَعْصِيَتَكَ فِي أَبْغَضِ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ ، وَ هُوَ أَنْ
أَدْعُوَ لَكَ وَلَداً ، أَوْ أَدْعُوَ لَكَ شَرِيكاً ، مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ لَا
مَنّاً مِنِّي عَلَيْكَ .
وَ عَصَيْتُكَ : فِي أَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ ، مُكَابَرَةٍ ، وَ لَا
مُعَانَدَةٍ ، وَ لَا اسْتِكْبَارٍ ، عَنْ عِبَادَتِكَ ، وَ لَا جُحُودٍ
لِرُبُوبِيَّتِكَ .
وَ لَكِنِ : اتَّبَعْتُ هَوَايَ ، وَ اسْتَزَلَّنِي الشَّيْطَانُ ، بَعْدَ
الْحُجَّةِ عَلَيَّ وَ الْبَيَانِ .
فَإِنْ تُعَذِّبْنِي : فَبِذُنُوبِي غَيْرُ ظَالِمٍ لِي .
وَ إِنْ تَغْفِرْ لِي : وَ تَرْحَمْنِي ، فَبِجُودِكَ وَ بِكَرَمِكَ ، يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِينَ .
من لا يحضره الفقيه ج1ص333ح977.
وهذا المؤمن : المقصر على فرض نسيان التوبة ، فهو الذي تناله الشفاعة ، وهو .
غير الكافر المعاند الجاحد : يعصي مع الشرك والكفر ، أو النفاق والضلال
، والتحدي لأمر الله تعالى والاستخفاف به ) .
=+++++=
الإشكال الرابع : ( الشفاعة تستلزم جرأة الناس على المعصية )
إن وعد الشفاعة : منه تعالى
، أو تبليغها من الأنبياء عليهم السلام .
مستلزم : لجرأة
الناس ، على المعصية ، و إغراء لهم على هتك محارم الله تعالى .
و هو مناف : للغرض الوحيد من
الدين ، من سوق الناس إلى العبودية و الطاعة.
فلا بد : من تأويل ، ما يدل عليه
( على وعد الشفاعة ) ، من الكتاب
و السنة ، بما لا يزاحم هذا الأصل البديهي .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 166.
+
و الجواب عنه :
أولا :
بالنقض : بالآيات الدالة ، على شمول المغفرة ، و سعة الرحمة .
كقوله
تعالى : { إِنَّ اللَّهَ
لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ
لِمَنْ يَشاءُ (51) } النساء .
و الآية : كما مر ، في غير
مورد التوبة .
بدليل : استثنائه الشرك
، المغفور بالتوبة .
( يا طيب : النقض هو ، إن كان قوله تعالى ، بغفران الذنوب لمن لا يشرك به تعالى ،
يجرئ العباد على المعصية ، فكذلك الشفاعة .
ولكن الوعد : بغفران الذنوب للمؤمنين ، لا يجرى على المعصية ، وإلا لما وعد الله به
المؤمنين في الآية أعلاه ، فكذا الشفاعة .
وأنظر : جواب الحل الآتي ).
و ثانيا :
بالحل :
( الشفاعة لا توجب التجرؤ لأنها لم تعين الفرد ولا الذنب ولا نوعه ووقته بل توجب
الرجاء)
فإن : وعد الشفاعة أو تبليغها .
إنما يستلزم : تجرئ الناس على
المعصية ، و إغراءهم على التمرد و
المخالفة .
بشرطين :
أحدهما :
تعيين : المجرم ، بنفسه و نعته .
أو تعيين : الذنب الذي تقع فيه الشفاعة ، تعيينا لا
يقع فيه لبس ،
بنحو الإنجاز ، من غير تعليق بشرط جائز .
ثانيهما :
تأثير الشفاعة : في جميع
أنواع العقاب و أوقاته ، بأن تقلعه من أصله قلعا
.
فلو قيل : إن الطائفة الفلانية من الناس ، أو
كل الناس لا يعاقبون على ما أجرموا ، و لا
يؤاخذون فيما أذنبوا أبدا .
أو قيل : إن الذنب الفلاني ،
لا عذاب عليه قط.
كان ذلك :
باطلا : من القول .
و لعبا : بالأحكام و التكاليف
، المتوجهة إلى المكلفين .
و أما إذا أبهم : الأمر ، من حيث الشرطين .
فلم يعين :
أن الشفاعة : في أي الذنوب ، و في حق
أي المذنبين .
أو أن العقاب
: المرفوع ، هو جميع العقوبات ، و في جميع الأوقات و الأحوال .
فلا تعلم نفس : هل تنال
الشفاعة الموعودة أو لا ؟
فلا تتجرا : على هتك محارم الله تعالى .
غير أن ذلك ( الشفاعة ) : توقظ قريحة
رجائها .
فلا يوجب : مشاهدة من يشاهد (نفسه وما يحصيه ) من
ذنوبها و آثامها ،
قنوطا من رحمة الله ، و يأسا
من روح الله .
مضافا إلى قوله تعالى : { إِنْ
تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (31) } النساء .
فإن الآية تدل : على رفع
عقاب
السيئات و المعاصي الصغيرة ، على تقدير اجتناب
المعاصي الكبيرة .
فإذا جاز أن يقول الله
سبحانه :
إن اتقيتم : الكبائر ،
عفونا عن صغائركم .
فليجز أن يقال :
إن تحفظتم : على إيمانكم ، حتى
أتيتموني في يوم اللقاء ، بإيمان سليم .
قبلت فيكم : شفاعة الشافعين .
فإنما الشأن : كل
الشأن ، في حفظ الإيمان .
و المعاصي : تُضعف
الإيمان ، و تقسي
القلب ، و تجلب
الشرك .
و قد قال
تعالى : { فَلا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (98) } الأعراف
.
و قال
: { كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ
ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) } المطففين
.
و قال
: { ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ (10) } الروم .
و ربما أوجب ذلك : ( العفو عن
الصغائر باجتناب الكبائر ، ورجاء تحقق الشفاعة للمؤمن ) .
انقلاعه : عن المعاصي ، و
ركوبه على صراط التقوى ، و صيرورته من المحسنين .
و استغناءه : عن الشفاعة ، بهذا المعنى .
و هذا
: من أعظم الفوائد .
و كذا : ( قول الشفاعة
تجرئ الناس على المعصية وتنافي الغرض )
إذا عين : المجرم المشفوع له ، أو
الجرم المشفوع فيه .
لكن
: صرح بشموله على بعض جهات العذاب ، أو
بعض أوقاته .
فلا يوجب : تجري
المجرمين ، قطعا .
و القرآن :
لم ينطق : في خصوص المجرمين
، و لا في خصوص الذنب ، بالتعيين .
و لم ينطق : في رفع
العقاب ، إلا بالبعض ، كما سيجيء .
فلا إشكال : ( في الشفاعة في بعض الذنوب ، ولبعض
المجرمين الذين لم يعينوا ) ، أصل .
الميزان
في تفسير القرآن ج1ص 167.
=+++++++=
الإشكال الخامس :
(الشفاعة ممكنة عقلا لا قطعا والقرآن ينفيها ويعلقها على المشيئة والسنة لا تزيد
شيئا )
أن العقل :
لو دل : فإنما يدل على إمكان
وقوع الشفاعة ، لا على
فعلية وقوعها .
على أن : أصل دلالته ، ممنوع .
و أما النقل :
فما يتضمنه القرآن :
لا دلالة فيه :
على وقوعها ، فإن فيه :
آيات دالة : على نفي
الشفاعة مطلقا .
كقوله تعالى : { لا
بَيْعٌ فِيهِ وَ
لا خُلَّةٌ وَ لا
شَفاعَةٌ (254) } البقرة .
و أخرى ناطقة : بنفي
منفعة الشفاعة .
كقوله
تعالى : { فَما تَنْفَعُهُمْ
شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } المدثر .
و أخرى تفيد : النفي
.
بمثل قوله تعالى : { إِلَّا بِإِذْنِهِ (255) } البقرة .
و قوله تعالى : { إِلَّا مِنْ بَعْدِ
إِذْنِهِ (3) } يونس .
و قوله تعالى : { إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (28) } الأنبياء .
و مثل هذا الاستثناء
: أي الاستثناء بالإذن و المشيئة .
معهود : في أسلوب القرآن
، في مقام النفي
القطعي .
للإشعار : بأن ذلك بإذنه و مشيئته سبحانه .
كقوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلا
تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (6) } الأعلى .
و قوله تعالى : { خالِدِينَ فِيها ما
دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (107) } هود .
فليس
في القرآن : نص قطعي ، على وقوع
الشفاعة .
و أما السنة :
فما دلت عليه : الروايات
من
الخصوصيات ، لا تعويل عليه .
و أما المتيقن منها : فلا يزيد على ما في الكتاب ،
دلالة .
+
و الجواب :
( التدبر في القرآن يثبت الشفاعة لله تعالى ولمن يأذن له وينفيها عن غيره )
أما عن الآيات :
النافية : للشفاعة
.
فقد عرفت : أنها
لا تنفي مطلق الشفاعة .
بل
( تنفي ) : الشفاعة ،
بغير إذن الله و ارتضائه .
+
و أما عن الآيات :
النافية : لمنفعة الشفاعة
، على زعم
المستشكل .
فإنها تثبت : الشفاعة ، و لا تنفيها .
فإن الآيات : واقعة في سورة المدثر .
و إنما
تنفي : الانتفاع عن طائفة خاصة من المجرمين
، لا عن جميعهم .
و مع ذلك : فالشفاعة
مضافة ، لا
مجردة مقطوعة عن الإضافة .
ففرق :
بين أن يقول القائل :
فلا تنفعهم الشفاعة .
و بين أن
يقول : فلا تنفعهم شفاعة الشافعين .
فإن المصدر المضاف : يشعر بوقوع الفعل في الخارج
، بخلاف المقطوع عن الإضافة .
نص عليه : الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز .
فقوله : شفاعة
الشافعين ، يدل على أن شفاعة ما ستقع ،
غير أن هؤلاء لا ينتفعون بها .
({ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ (40)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ
الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا
الْيَقِينُ (47)
فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } المدثر .
على أن : الإتيان
بصيغة الجمع في الشافعين ، يدل على ذلك أيضا .
كقوله : { كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ
(83) ) } الأعراف .
و قوله : { وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ
(34 ) } البقرة .
و قوله : { فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ
(175) }
الأعراف .
و قوله
: { لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ (124) } البقرة .
و أمثال : ذلك .
و لو لا ذلك : (
أن شفاعة الشافعين يدل على شفاعة ستقع ) .
لكان الإتيان
: بصيغة الجمع ، و له مدلول زائد على مدلول المفرد
، لغوا زائدا في الكلام ( وهذا محال في كلامه
تعالى ) .
فقوله : { فما
تنفعهم شفاعة الشافعين } .
من الآيات : المثبتة
للشفاعة ، دون النافية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 168
+
و أما عن الآيات :
المشتملة : على استثناء ، الإذن و الارتضاء .
فدلالة قوله : { إِلَّا بِإِذْنِهِ
(255) } البقرة .
و قوله : { إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (3) } يونس .
على الوقوع : و هو مصدر مضاف .
مما لا ينبغي : أن
ينكره عارف ، بأساليب الكلام .
و كذا القول :
بكون قوله : { إِلَّا بِإِذْنِهِ
(255) } البقرة .
و قوله
: { إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (28) } الأنبياء .
بمعنى واحد : و هو المشيئة
.
مما لا ينبغي : الإصغاء إليه .
على
أن الاستثناء : واقع في مورد الشفاعة ، بوجوه مختلفة .
كقوله : { إِلَّا بِإِذْنِهِ
} ، { و
إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ } .
و قوله : { إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى } .
و قوله : { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ الشَّفَاعَةَ
إِلَّا
مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) }الزخرف . إلى غير ذلك .
فهب : أن الإذن و
الارتضاء ، واحد ، و هو المشيئة .
فهل يمكن : التفوه بذلك ، في قوله : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ
بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ } .
فهل المراد : بهذا الاستثناء ، استثناء المشية أيضا ؟
هذا و أمثاله : من المساهلة في البيان ، مما لا يصح نسبته إلى كلام سوقي ، فكيف بالكلام
البليغ ، و كيف بأبلغ الكلام .
( يا طيب : قال السيد الطباطبائي رحمه في تفسير
الآيات (26-27من آل عمران ) و قد تقدم :
أن التعليق : على المشية في أفعاله تعالى ، كما في
هذه الآية ، ليس معناه وقوع الفعل جزافا تعالى عن ذلك .
بل المراد : عدم كونه تعالى مجبرا في فعله ، ملزما
عليه .
فهو تعالى : يفعل ما يفعل بمشيئته المطلقة ، من غير
أن يجبره أحد أو يكرهه ، و إن جري فعله على المصلحة دائما . انتهى .
وكذا يكون : فيه الآيات أعلاه ، بأن هناك شافعين ،
يشفعون بإذنه تعالى ، لأن أن لهم شفاعة مستقلة وبدون إذنه وارتضائه ، فإن يشاء
لمصلحة أن يأذن لمن يكون له شأن كريم ومقام عالي عنده ، بأن يشفع لمن يرتضي دينه ،
هذا .
على أنه قولهم : في عدم تحقق الشفاعة لأنها معلقة على
المشيئة .
فهو منقوض
بالآية : { إلا من شهد بالحق } ففيها بالمفهوم ، أن الشفاعة تتحقق ممن شهد بالحق مطلقا
، و غير معلق على الأذن والارتضاء ، وإن كان لابد من من الأذن ولكنه لم يذكره تعالى
لبيان فضلهم ، وأن إرادتهم نافذة في الشفاعة ، وإن كان لا يشفعون لكل أحد إلا من
يعلمون أن الله ارتضى دينه ، وكان مؤمنا لم يتب من بعض المعاصي التي رافقته فيشفعون
له ، ولا يساوى بالكافر .
وستأتي : بحوث كثيرة في معنى المشيئة ، وأنها
تساوي الإرادة الإلهية ، ولا يقع شيء لا ما يريد ويشاء ويأذن سبحانه بوقوعه .
وفي الحقيقة : آيات التعليق على الأذن حسب موردها تدل
على الوقوع بعد إذنه لا أنه لا يقع متعلقها أصلا ، وبالخصوص إذا حفت بالإذن القرائن
المبينة لشأن عبادا فضلهم الله أو خصهم بأمر يريد أن يأتوا به ).
و أما السنة : فسيأتي الكلام .
في دلالتها : ( على الشفاعة ) على ما يحاذي
دلالة الكتاب .
=++++++=
الإشكال السادس :
( الشفاعة ليس لرفع العقاب بل هي في الدنيا لتبليغ الدين )
أن الآيات : غير صريحة ،
في رفع العقاب .
الثابت : على المجرمين ، يوم
القيامة .
بعد ثبوت : الجرم ،
و لزوم العقاب .
بل المراد بها : شفاعة الأنبياء .
بمعنى : توسطهم
بما هم أنبياء ، بين الناس ،
و بين ربهم .
بأخذ : الأحكام بالوحي ، و تبليغها الناس ، و هدايتهم .
و هذا المقدار : كالبذر ينمو .
و ينشأ منه : ما يستقبله من الأقدار ، و الأوصاف و الأحوال
.
فهم عليهم السلام : شفعاء
المؤمنين في الدنيا ، و شفعاؤهم في الآخرة .
( أي لما أوصلوا لهم الهدى : فهم قد شفعوا لهم بتعليم الهدى من الله ، ومن ثم عمل
به العباد ، فنجوا من العذاب ، وهذه هي الشفاعة في الدنيا والآخرة ، وليس في
بيان شفاعة رفع العقاب )
++
و الجواب :
( الشفاعة غير مقصورة على التبليغ بل تشمل رفع العقاب يوم القيامة )
أنه لا كلام : في أن ذلك ،
من مصاديق الشفاعة .
إلا أن الشفاعة ( في التبليغ
والهداية ) : غير مقصورة فيه
( في التبليغ ) ، كما مر بيانه .
و من الدليل عليه :
قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ
لا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (48) } النساء .
و
قد مر بيان : أن الآية ، في غير مورد الإيمان و التوبة .
و الشفاعة : التي قررها المستشكل
في الأنبياء .
إنما هي : بطريق ، الدعوة إلى الإيمان و التوبة .
( يا طيب : وقد عرفت أن الشفاعة ، كما في تبليغ الدين والدعوة له ، ومن قبلها وعمل بها
أهتدى ونجا .
فالشفاعة : يوم القيامة أيضا ، موجودة محققة في الشريعة ، وهي المقصودة في الآيات التي
مرت .
وهي شفاعة : أولياء الله لعباد الله عنده ، يوم القيامة ، وهي لمساعدة مؤمن قد
قصر بعض التقصير ، ومن شفيع ولي لله ارتضاه تعالى وأذن له بالشفاعة .
والآية أعلاه : في مورد المؤمن العاصي ، فإن الله يغفر له ، ولا يغفر للمشرك ، فهي
تبين أن هناك أمور يغفرها الله للمؤمنين .
وليس في مورد : بيان الإيمان والتوبة وبهما تغفر الذنوب .
بل
في مورد الآية : بيان ، بأن الله تعالى يتفضل على من يشاء من المؤمنين، فيغفر لهم بصورة عامه ، وبالخصوص لمن يتجنب الكبائر .
وكذلك آيات الشفاعة : فهي ليس في مورد تبليغ الدين والدعوة له ، وإن
كان هذا من التوسيط بمعنى الشفاعة .
ولكن الشفاعة : التي هي في مورد البحث ، وما ذكر من الآيات فيها ، كلها أو أغلبها
تبين الشفاعة يوم القيامة ، وهي لمؤمن واقع مورد العقوبة كجزاء لعصيان وذنوب تحققت
منه ، وبالشفاعة ينجوا لكونه كان مؤمن وإن قصر ، ولا يحاسب كالمشرك والكافر .
ومر بيان الآية : في موضوع آيات الشفاعة ، وفي جواب الإشكال الثالث . )
=++++++=
الإشكال السابع :
( آيات الشفاعة من المتشابهة بين مثبته ونافيه فنوكل الأمر لله )
أن طريق العقل : لا يوصل إلى تحقق الشفاعة .
و ما نطق به : القرآن ، آيات
متشابهة .
تنفيها : تارة ، و تثبتها
أخرى .
و ربما : قيدتها ،
و ربما أطلقتها .
و الأدب الديني
: الإيمان بها ، و إرجاع علمها إلى الله تعالى .
+
و الجواب عنه :
( الآيات المتشابهة ترجع للمحكمة فنعرف حقيقتها )
أن المتشابهة : من الآيات .
تصير :
بإرجاعها إلى المحكمات ، محكمات مثلها .
و
هو أمر : ميسور لنا ، غير مضروب دونه الستر .
كما سيجيء بيانه عند قوله تعالى : { مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ
أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ (7) } آل عمران .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 169.
( يا طيب : مر إن الآيات النافية للشفاعة ، هي ما يتعلق بشفاعة الكافرين
والمنافقين والمشركين بعضهم لبعض .
كما أن كثير من الآيات : تثبت الشفاعة لله وحده .
وآيات أخرى : تثبت الشفاعة ، لمن يأذن له ، وإن الملك لله وحده ، ويأذن لمن يشاء
ويرتضي ، فيشفع لمؤمن عاصي ، لا لمشرك وكافر .
وفي الحقيقة :
إن الوعد : في غفران الذنوب بصورة عامة ، وغير محدده لعبد معين ولا لذنب معين ،
توجب الرجاء وعدم اليأس من روح الله ، كما مر منه رحمه الله.
وكذلك الشفاعة : توجب الرجاء لثواب الله تعالى ، والاقتداء بالأنبياء والأولياء
ومحبتهم والسير على هداهم .
وهي كما عرفت : توجب الثبات على الإيمان وتعد العبد للإنابة لله .
ومن ثم في الشفاعة : بيان لشرف الشفيع لأنه أخلص العبودية الله ، فيبين سبحانه قدره العالي
، وشأنه الكريم وفضله ، وما عنده من المقام المحمود ، فيجعله شفيعا ، لمن ليتولاه ويطيعه ويتعلم منه .
فالشفاعة : متركبة من ، فضله تعالى على عبادة ، وجزاء تكريم لمن
أصطفى ، وتخليص عبد
مؤمن قد ارتضى دينه وكان قد قصر وغفل أو نسي التوبة ، فلا يعاقبه كما يعاقب المشرك الذي لم يؤمن أبدا
، والجاحد المتكبر والذي يقول على الله شططا .
فضلا عما عرفت : من كون حقيقة الشفاعة على الحكومة ، وهي إخراج العبد المؤمن لخصائص معينة
في تقدير الله وقضائه من مورد وموضوع الحكم
والعقاب ، لمورد وموضوع حكم أخرى وتجلي صفات حسنى رحيمة ، لا إبطال الحكم والعقاب ، كما أنه لم تضاد المولوية ولا العبودية ولا
الحكم ولا العقاب ، بل تؤكدها ، وإن صفات الله تعالى كلها تجمع ويغلب الرحيم
بالمؤمنين يوم القيامة ، فيشفع من خصه بالكرامة من المصطفين الأخيار والطيبين
الطاهرين ، لمؤمن قد قصر ليبين فضلهم وفضله ، وتابع البحث الآتي والروائي فإن فيه
بيان وتحليل وتفسير كريم للباقي مسائل الشفاعة )
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
3 - ( ثالثا : لمن و ) فيمن تجري الشفاعة ؟
( تحقيق عميق بأن الشفاعة تجرى لأصحاب اليمين من
أهل الكبائر )
قد عرفت : أن تعيين المشفوع لهم ، يوم القيامة .
لا يلاءم : التربية الدينية ، كل الملائمة .
إلا أن يعرفوا ( المشفوع لهم ) : بما لا يخلو عن شوب إبهام .
و على ذلك : جرى بيان القرآن .
قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ
يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ
الْخائِضِينَ وَ كُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } المدثر
.
بين سبحانه فيها : أن كل نفس
.
مرهونة : يوم القيامة ، بما كسبت من
الذنوب ، مأخوذة بما أسلفت من
الخطايا .
إلا أصحاب اليمين :
فقد فكوا من الرهن ، و أطلقوا ،
و استقروا
في الجنان .
ثم ذكر : أنهم غير محجوبين
، عن المجرمين ، الذين هم
مرهونون بأعمالهم ، مأخوذ عليهم في سقر .
يتساءلون : عنهم ، (وعن) سلوكهم
في النار .
و هم ( المجرمين ) : يجيبون بالإشارة إلى عدة صفات ، ساقتهم إلى النار .
فرع على : هذه الصفات
، بأنه لم ينفعهم لذلك ، شفاعة الشافعين .
و مقتضى هذا البيان :
كون أصحاب اليمين : غير
متصفين بهذه الصفات .
التي يدل الكلام : على
كونها .
هي : المانعة ، عن شمول الشفاعة
.
و إذا كانوا : غير متصفين بهذه الصفات ، المانعة عن
شمول الشفاعة .
و قد فك الله تعالى : نفوسهم ،
عن رهانة الذنوب و الآثام .
دون المجرمين
: المحرومين عن الشفاعة ،
المسلوكين في سقر .
فهذا الفك : و الإخراج ، إنما هو بالشفاعة
.
فأصحاب اليمين : هم المشفوع
لهم بالشفاعة .
و في الآيات :
تعريف : أصحاب اليمين
، بانتفاء
الأوصاف المذكورة عنهم .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 170.
بيان ذلك :
أن الآيات : واقعة في سورة المدثر .
و هي من السور
: النازلة بمكة ، في بدء البعثة ، كما ترشد إليه مضامين الآيات الواقعة فيها .
و لم تشرع
يومئذ : الصلاة و، الزكاة ، بالكيفية الموجودة اليوم .
فالمراد بالصلاة :
في قوله : { لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ .... } .
التوجه : إلى الله تعالى بالخضوع العبودي .
و بإطعام المسكين :
مطلق الإنفاق : على
المحتاج في سبيل الله .
دون : الصلاة و الزكاة ، المعهودتين في الشريعة الإسلامية .
و
الخوض :
هو الغور : في ملاهي الحياة ، و زخارف الدنيا .
الصارفة للإنسان : عن الإقبال على الآخرة ، و ذكر الحساب يوم الدين .
أو التعمق : في الطعن ، في آيات الله ، المذكرة ليوم
الحساب ، المبشرة المنذرة .
و بالتلبس : بهذه الصفات الأربعة ، و هي :
ترك : الصلاة لله .
و ترك
: الإنفاق في سبيل الله .
و الخوض : ( مع الخائضين ) .
و تكذيب : يوم الدين .
تنهدم : أركان الدين .
و بالتلبس بها :
تقوم قاعدته على ساق .
فإن الدين : هو :
الاقتداء : بالهداة الطاهرين .
و بالإعراض : عن
الإخلاد
إلى الأرض .
و الإقبال : إلى يوم لقاء الله .
و هذان : هما ترك
الخوض ، و تصديق يوم الدين .
و
لازم هذين : عملا .
التوجه : إلى الله بالعبودية .
و السعي : في رفع حوائج جامعة الحياة .
و
هذان هما : الصلاة ، و الإنفاق في سبيل الله .
فالدين :
يتقوم : بحسب جهتي العلم و العمل
.
بهذه : الخصال الأربع .
و تستلزم : بقية الأركان كالتوحيد و النبوة ، استلزاما
، هذا .
فأصحاب
اليمين : هم الفائزون بالشفاعة .
و هم : المرضيون دينا و اعتقادا .
سواء كانت : أعمالهم مرضية
، غير محتاجة إلى شفاعة
يوم القيامة ، أو لم تكن .
و هم : المعنيون بالشفاعة .
فالشفاعة : للمذنبين
من أصحاب اليمين .
و قد قال تعالى : { إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
(31) } النساء .
فمن كان : له
ذنب باق إلى يوم القيامة .
فهو : لا محالة ،
من أهل الكبائر .
إذ لو كان : الذنب من الصغائر
فقط ، لكان مكفرا عنه .
فقد بان .
أن الشفاعة : لأهل الكبائر
من أصحاب اليمين .
و قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
إنما شفاعتي : لأهل الكبائر من أمتي .
فأما المحسنون : فما عليهم من
سبيل
، الحديث .
+
( تكميل معنى أصحاب اليمين الذين يشفع لهم وأنهم
أتباع الإمام الحق )
و من جهة أخرى :
إنما سمي هؤلاء : بأصحاب اليمين ، في مقابل أصحاب الشمال .
و ربما سموا
: أصحاب الميمنة ، في مقابل
أصحاب المشأمة .
و هو ( لفظ أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ) : من الألفاظ
، التي اصطلح عليه القرآن
.
مأخوذ : من إيتاء الإنسان يوم القيامة ، كتابه بيمينه ،
أو بشماله .
+
قال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُوا
كُلَّ أُناسٍ
بِإِمامِهِمْ
فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ
بِيَمِينِهِ
فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
وَ مَنْ كانَ فِي
هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً (72) } إسراء
.
و
سنبين في ( تفسير ) الآية : إن شاء الله تعالى .
أن المراد : من إيتاء الكتاب
باليمين
، إتباع الإمام
الحق .
و من إيتائه : بالشمال
، إتباع إمام الضلال .
كما قال تعالى في فرعون : { يَقْدُمُ
قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ (98) } هود .
و
بالجملة :
مرجع التسمية : بأصحاب اليمين أيضا ، إلى ارتضاء الدين .
كما أن إليه : مرجع
التوصيف ، بالصفات
الأربعة المذكورة ، هذا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 171.
+
( تأكيد بيان معنى الشفاعة وحصولها لمؤمن أرتضى
الله دينه وإن كان مجرما )
ثم إنه تعالى قال :
في موضع آخر من كلامه : {
وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
ارْتَضى (28) } الأنبياء
فأثبت
: الشفاعة ، على من ارتضى .
و قد أطلق الارتضاء : من غير تقييد بعمل
و نحوه .
كما فعله في قوله : { إِلَّا مَنْ أَذِنَ
لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ
قَوْلًا (109) } طه .
ففهمنا :
أن المراد به : ارتضاء أنفسهم .
أي ارتضاء : دينهم ،
لا ارتضاء
عملهم .
فهذه الآية أيضا : ترجع من حيث الإفادة ، إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة .
ثم
إنه تعالى قال :
{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ
الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) } مريم .
فهو ( المجرم الذي أتخذ عن الله عهدا
) : يملك الشفاعة ، أي المصدر المبني للمفعول
.
( أي يملك مواصفات وخصائص تجعله يدخل تحت حكم الشفاعة ، ويتمتع بآثارها ، أي
يشفع له ، فيمتلكها ) .
و ليس : كل مجرم ، بكافر ، محتوم له النار .
بدليل قوله تعالى :
{ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ
رَبَّهُ مُجْرِماً
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى
وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً
قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ
الْعُلى (75) } طه .
فمن لم يكن :
مؤمنا : قد عمل صالحا .
فهو : مجرم .
سواء :
كان : لم
يؤمن .
أو كان : قد آمن ، و لم يعمل صالحا .
فمن المجرمين : من كان على دين الحق .
لكنه : لم
يعمل صالحا ، و هو الذي قد اتخذ عند الله عهدا .
لقوله تعالى : { أَ لَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ
يا بَنِي آدَمَ
أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
وَ أَنِ اعْبُدُونِي
هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) } يس .
فقوله تعالى : { وَ أَنِ
اعْبُدُونِي } .
عهد : بمعنى الأمر .
و قوله تعالى : { هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ } .
عهد : بمعنى
الالتزام .
لاشتمال : الصراط المستقيم
، على الهداية إلى السعادة و النجاة .
فهؤلاء قوم : من
أهل الإيمان ، يدخلون النار ، لسوء أعمالهم .
ثم ينجون منها : بالشفاعة .
و إلى هذا المعنى
يلوح :
قوله تعالى : { قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ
عَهْدا (80) } البقرة .
فهذه الآيات : أيضا
ترجع ، إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة .
( بأن من أتخذ : عند الله عهدا ، يشفع له ، بعد أن تمسه النار أياما معدودة )
و جميعها : تدل ، على أن مورد الشفاعة .
أعني
: المشفوع لهم ، يوم القيمة .
هم : الدائنون ، بدين الحق ، من أصحاب الكبائر .
و هم : الذين
ارتضى الله دينهم .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 172
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
4 - ( رابعا : الشفيع ) من تقع منه الشفاعة ؟
( الشفيع في التكوين وفي التشريع في الدنيا التوبة والإيمان والعمل الصالح والقرآن والأنبياء و ...)
قد عرفت : أن الشفاعة :
منها : تكوينية ،
و منها
تشريعية .
فأما الشفاعة
التكوينية :
فجملة
: الأسباب الكونية
، شفعاء عند الله .
بما هم : وسائط
بينه و بين الأشياء .
و أما الشفاعة
التشريعية :
و هي : الواقعة ،
في عالم التكليف و المجازات .
+
فمنها ( من الشفاعة التشريعية
) :
ما يستدعي : في الدنيا
، مغفرة من الله سبحانه ، أو قربا و زلفى .
فهو شفيع : متوسط بينه ( تعالى ) ، و بين عبده .
+
و منه
( من الشفيع ) التوبة :
كما قال تعالى : {
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ
لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ (54) } الزمر
.
و
يعم شموله ( شفيع التوبة ) : لجميع المعاصي ، حتى
الشرك .
+
و منه ( من الشفيع ) الإيمان :
قال تعالى : { آمِنُوا
بِرَسُولِهِ .... إلى قوله..... وَ يَغْفِرْ لَكُمْ
(28) } الحديد .
+
و منه ( من الشفيع ) كل عمل صالح :
قال
تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ
لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ (9) } المائدة .
و قال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) } المائدة
.
و
الآيات : فيه كثيرة .
+
و منه ( من الشفيع ) القرآن :
لقوله تعالى : { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ
وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِهِ
وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) } المائدة .
+
و منه ( من الشفيع ) : كل ما له ارتباط بعمل صالح :
و المساجد : و الأمكنة
المتبركة ، و الأيام الشريفة .
+
و منه ( من الشفيع ) : الأنبياء و الرسل ،
باستغفارهم لأممهم :
قال تعالى : { وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ
فَاسْتَغْفَرُوا
اللَّهَ
وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ
لَوَجَدُوا اللَّهَ
تَوَّاباً رَحِيم (64) } النساء.
+
و منه ( من الشفيع ) الملائكة
: في
استغفارهم للمؤمنين .
قال تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ
يَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا (7) } المؤمن .
و قال تعالى : { وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ
يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) } الشورى .
+
و منه ( من الشفيع ) المؤمنون :
باستغفارهم
لأنفسهم ، و لإخوانهم المؤمنين .
قال تعالى حكاية عنهم : { وَ
اعْفُ عَنَّا وَ
اغْفِرْ لَنا وَ
ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا
(276) } البقرة .
++
( ومن شفعاء الشفاعة التشريعية يوم القيامة الأنبياء والملائكة والشهداء والمؤمنون )
و منها ( من الشفاعة
التشريعية ) :
الشفيع : يوم القيمة .
بالمعنى : الذي عرفت .
فمنهم ( من الشفعاء يوم
القيامة ) الأنبياء :
قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ
إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وَ
قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمن ُ
وَلَداً سُبْحانَهُ
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ
(26) .... إلى أن قال ...
....... وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (29) } الأنبياء .
فإن
منهم : عيسى بن مريم ، و هو نبي .
و قال تعالى : { وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الشَّفاعَةَ
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف.
و الآيتان : تدلان ، على جواز الشفاعة
من الملائكة أيضا .
لأنهم قالوا : إنهم بنات
الله سبحانه .
( يا طيب : الكفار قالوا على الأنبياء وبالخصوص عزير وعيسى أبناء الله وإن الله
أتخذ ولدا ، وهكذا قالوا الملائكة بنات الله .
والله سبحانه : أجاب ، بأنهم سواء كانوا
ملائكة أو أنبياء ممن خصهم بالرسالة والتبليغ وتعليم الهدى ، فكلهم عباد مكرمون ،
اصطفاهم الله وأختارهم
وقد قال الله تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) } الحج
..
وهم : مع كرامتهم وعلو منزلتهم .
فهم : لا يشفعون إلا بإذن الله ، ولمن أرتضى الله
دينه .
ولذا هم : ليس إلا عباد مكرمون اصطفاهم الله سبحانه ،
ويفعلون ما يؤمرون وبإذنه وتكريمه لهم وفضله عليهم ، ولذا
الآيات أعلاه تشمل الملائكة والأنبياء وكل من كرمه الله من ولاة أمره ، وهذه الآيات
الآتية خاصة بالملائكة ) .
+
و منهم ( من الشفعاء يوم
القيامة ) الملائكة :
قال تعالى : { وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ
لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ
شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ
يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ
يَرْضى (26) } النجم
.
و
قال تعالى : { يَوْمَئِذٍ
لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ
لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ
لَهُ قَوْلًا (109)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْمًا (110) } طه.
+
و منهم ( من الشفعاء يوم
القيامة ) الشهداء :
لدلالة قوله تعالى : { وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الشَّفاعَةَ
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ
هُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف .
على
تملكهم : للشفاعة ، لشهادتهم بالحق .
فكل شهيد : فهو شفيع ،
يملك الشهادة .
غير أن هذه الشهادة :
كما مر في سورة الفاتحة .
و سيأتي في قوله تعالى : { وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ (143) } البقرة .
شهادة الأعمال : دون الشهادة
، بمعنى القتل في معركة القتال .
و من هنا يظهر : أن المؤمنين
أيضا من الشفعاء .
فإن الله
عز و جل : أخبر بلحوقهم بالشهداء
يوم القيامة .
قال تعالى : { وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ
رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
وَ
الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ (19) } الحديد .
كما سيجيء بيانه .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 173.
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
5 - ( خامسا ) :
بماذا تتعلق
الشفاعة ( من الذنوب والمذنبين ) ؟
قد عرفت : أن الشفاعة :
منها تكوينية :
تتعلق : بكل سبب تكويني
، في عالم الأسباب .
+
و منها شفاعة تشريعية :
متعلقة : بالثواب و العقاب .
فمنها : ما يتعلق ، بعقاب كل ذنب .
الشرك : فما
دونه .
كشفاعة : التوبة و الإيمان ، قبل يوم القيامة .
و منها : ما يتعلق ، بتبعات بعض الذنوب
.
كبعض : الأعمال الصالحة .
و أما الشفاعة : المتنازع فيها .
و هي شفاعة : الأنبياء و غيرهم
، يوم القيامة .
لرفع العقاب :
ممن استحقه بالحساب .
فقد عرفت : في الأمر الثالث .
أن متعلقها :
أهل المعاصي الكبيرة .
ممن يدين : دين الحق ،
و قد ارتضى الله دينه .
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
6 - ( سادسا ) : متى ( تحصل وتكون وتقع و ) تنفع الشفاعة ؟
و نعني بها أيضا :
الشفاعة : الرافعة
للعقاب .
و الذي يدل عليها :
قوله سبحانه : { كُلُّ
نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ
يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) } المدثر .
فالآيات
: كما مر ، دالة على توصيف .
من : تناله الشفاعة ، و من يحرم منها .
غير أنها : تدل على أن
الشفاعة .
إنما تنفع : في الفك ، عن هذه الرهانة ،
و الإقامة ، و الخلود في سجن النار .
و أما ما يتقدم
عليه :
( على دخول النار ) من أهوال
يوم القيامة و عظائمها .
فلا دليل : على وقوع شفاعة
فيها ( في أهوال يوم القيامة وما قبلها ) .
( حتى )
لو لم
تدل الآية : على انحصار الشفاعة ، في الخلاص من رهانة النار .
و اعلم :
أنه يمكن : أن يستفاد من هذه الآيات .
وقوع :
هذا التساؤل .
بعد استقرار :
أهل الجنة في الجنة ، و أهل النار في النار .
و تعلق الشفاعة :
بجمع : من المجرمين ، بإخراجهم
من النار .
و ذلك لمكان قوله : { .. فِي جَنَّاتٍ
.. } .
الدال : على الاستقرار .
و قوله : {.. ما
سَلَكَكُمْ ..} .
فإن السلوك
: هو الإدخال .
لكن : لا كل إدخال .
بل إدخال : على سبيل النضد ، و الجمع
، و النظم .
ففيه : معنى الاستقرار .
( السلك : الإدخال ومثل إدخال الخيط في الأبرة ، والخيط في خرز السبحة ، والسلوك
السير على طريقة منتظمة )
و كذا قوله : { .. فَما
تَنْفَعُهُمْ .. } .
فإن ما : لنفي الحال ،
فافهم ذلك .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 174 .
+
(
ويا طيب : مثل تسأل أهل الجنة عن المجرمين ، الذين هم من الكفار الخالدين في النار
، وهو بعد استقرارهم فيها ، وأن المجرمين الذين لهم الشفاعة قد خرجوا منها ، والتحقوا
بأهل الجنة ، فتساءلوا عن المجرمين الباقين ، فجاء الرد فما تنفعهم شفاعة الشافعين
، بمعنى لأنهم كانوا كافرين وبما عرفت من صفاتهم من أن أنهم كانوا : لم يكونوا من
المصلين ، ولم ينفقوا في سبيل الله ، ويخوضون بما يكذب دين الله ، ولم يؤمنوا بيوم
الدين والقيامة ، فلم يرتضي الله لهم دين ، وأنه من كان من المؤمنين قد
نجا إما مباشرة أو بالشفاعة .
ويقرب من الآيات السابقة : آيات تخاصم المجرمين الكافر في النار
، وإن لم تذكر تلك الصفات بل ذكرت علة عدم إيمانهم بها ، وفي الآيات التالية يقرون بأنه لا شفاعة ولا
شفيع لهم بعد استقرارهم وخلودهم فيها ، وإنه من كان له شفيع قد خرج منها لأنه كان
مؤمنا ، أو أنه
نجا قبل دخولها في آخر موقف في القيامة ، وهو قوله تعالى
:
( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (2288)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ
تَعْبُدُونَ (92) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ
(93)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ
إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ
(96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي
ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا
أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)
فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (ء101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا
كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ
رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) } الشعراء .
كما أن في أول الآيات : يتبين أن من يأتي الله بقلب سليم ، أن الله تعالى يرضى عنه
، وينتفع بإيمانه وله شافعين وتناله الشفاعة ، وهو غير الكفار الذين ما لهم من شافعين . )
+
و أما نشأة البرزخ :
و ما يدل على : حضور النبي و الأئمة صلى الله عليهم وسلم .
عند الموت :
و عند مساءلة
القبر ، و إعانتهم إياه على الشدائد .
كما سيأتي في قوله تعالى : { وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ (158) } النساء .
فليس : من الشفاعة ،
عند الله في
شيء .
و إنما هو : من سبيل التصرفات ،
و الحكومة .
الموهوبة لهم : بإذن الله سبحانه .
قال
تعالى :
{ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ
وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا
وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ
تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ
رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ
مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ
بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ
عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49) } الأعراف .
و من هذا
: القبيل من وجه .
قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ
أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (71) } إسراء .
فوساطة الإمام : في الدعوة ، و
إيتاء الكتاب .
من قبيل : الحكومة الموهوبة
، فافهم .
فتحصل :
أن المتحصل : من أمر الشفاعة .
وقوعها : في آخر موقف من مواقف يوم القيامة .
باستيهاب :
المغفرة .
بالمنع : عن دخول النار .
أو إخراج : بعض من كان داخلا فيها .
باتساع الرحمة : أو
ظهور الكرامة .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 175.
( وسيأتي إن شاء الله : في تكملة تفسير الآيات ، بيان كريم وبحوث روائية عميقة حول الشفاعة والاستدلال بآيات أخرى لها ، وأنها لمن آمن بها ، وأن الشفيع هو صاحب المقام المحمود ، وأن الشفاعة حقيقة لمعنى لسوف يعطيك ربك فترضى ، وبيان أرجى آية في القرآن الكريم ، وبحوث روائي حول المذنبين والذنوب ، ثم يأتي بحث فلسفي عميق لبيان حقيقة الشفاعة ، وبحث أخر اجتماعي لبيان حقائها الشرعية والاجتماعية .... )
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
( بحث روائي: عميق البيان في الشفاعة، وأنها لمن تكون، ومن هم الشفعاء، ومتى تكون.
مع بحث فلسفي عقلي جميل في حقيقة الشفاعة وأصولها للكاملين والمستضعفين ، وبحث
اجتماعي كريم لأصل قانون الشفاعة وحسنه وجواب ما يشكل عليها في تطبيق قواني المجتمع
، تجده في البحث القسم الثالث من تفسير الآيات 47-48 من سورة البقرة )
بحث روائي في الشفاعة
بحث : آخر في الشفاعة بالإضافة للتفسير :
( الشفاعة لمن آمن بها وأرتضى الله دينه من أهل الكبائر )
في أمالي الصدوق : عن الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم
السلام قال :
قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
من لم يؤمن : بحوضي ،
فلا أورده الله
حوضي .
و من لم يؤمن : بشفاعتي ، فلا
أناله الله شفاعتي .
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :
إنما شفاعتي : لأهل الكبائر من أمتي .
فأما المحسنون منهم : فما عليهم من سبيل .
قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليه السلام :
يا بن رسول الله : فما معنى
، قول الله عز و جل : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (28) }
الأنبياء .
قال عليه السلام :
لا يشفعون إلا لمن ، ارتضى الله دينه
.
أقول :
قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
إنما شفاعتي : ... هذا المعنى رواه الفريقان
، بطرق متعددة ، عنه صلى الله عليه وآله .
و قد مر
: استفادة معناه ، من الآيات ( في الأمر الثالث لمن الشفاعة ) .
+
( المقام المحمود مقام الشفاعة وما من أحد إلا
هو يحتاج لشفاعة نبينا )
و في تفسير العياشي : عن سماعة بن مهران ، عن ( الإمام الكاظم ) أبي إبراهيم عليه
السلام :
في قول الله تعالى : { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَامًا مَّحْمُودًا
(79) } الإسراء .
قال عليه السلام : يقوم الناس يوم القيامة ، مقدار أربعين
عاما .
و تؤمر الشمس : فتركب على رءوس العباد ، و يلجمهم العرق .
و تؤمر الأرض : لا تقبل
من عرقهم شيئا .
فيأتون : آدم
، فيستشفعون منه ، فيدلهم على
نوح .
و يدلهم : نوح ، على إبراهيم ،
و يدلهم إبراهيم على
موسى .
و يدلهم : موسى ، على عيسى ، و
يدلهم عيسى .
فيقول :
عليكم : بمحمد ، خاتم البشر .
فيقول محمد صلى الله عليه وآله وسلم :
أنا لها : فينطلق حتى يأتي باب الجنة ، فيدق
.
فيقال له : من هذا ؟ و الله أعلم .
فيقول : محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
فيقال : افتحوا له ، فإذا فتح الباب .
استقبل ربه : فخر ساجدا ، فلا رفع رأسه .
حتى يقال له : تكلم ، و سل تعط
، و اشفع تشفع .
فيرفع
رأسه : و يستقبل ربه ، فيخر ساجدا .
فيقال له مثلها : فيرفع رأسه .
حتى إنه : ليشفع ، من قد
أحرق بالنار .
فما أحد : من الناس يوم القيامة ، في جميع الأمم .
أوجه : من محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
و هو
قول الله تعالى : { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) }
الإسراء .
أقول :
و هذا المعنى : مستفيض .
مروي : بالاختصار و التفصيل ، بطرق متعددة من العامة و
الخاصة .
و فيها دلالة : على كون المقام المحمود
، في الآية .
هو : مقام الشفاعة .
و لا ينافي
ذلك : كون غيره من الأنبياء و غيرهم ، جائز الشفاعة .
لإمكان كون : شفاعتهم ، فرعا
لشفاعته
، فافتتاحها بيده صلى الله عليه وآله وسلم .
+
و في تفسير العياشي أيضا : عن أحدهما ( عن الإمام الباقر أو الصادق عليهم
السلام ) :
في قوله تعالى : { عَسى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) }
الإسراء .
قال عليه السلام : هي الشفاعة
.
+
( للمؤمن شفاعة ولكن أيضا محتاج لشفاعة سيد ولد
آدم )
و في تفسير العياشي أيضا : عن عبيد بن زرارة قال :
سئل أبو عبد الله عليه السلام : عن
المؤمن ، هل
له شفاعة ؟
قال عليه السلام : نعم .
فقال له رجل من القوم :
هل يحتاج : المؤمن ، إلى
شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
،
يومئذ ؟
قال عليه السلام : نعم إن للمؤمنين
خطايا و ذنوبا .
و ما من أحد : إلا يحتاج ، إلى
شفاعة محمد
يومئذ .
قال: و سأله رجل عن قول رسول الله :
أنا : سيد ولد آدم ، و لا فخر ؟
قال عليه السلام : نعم .
قال : يأخذ حلقة باب الجنة ، فيفتحها ، فيخر ساجدا .
فيقول الله :
ارفع رأسك ، اشفع تشفع ، أطلب تعط .
فيرفع رأسه : ثم يخر ساجدا .
فيقول الله : ارفع رأسك
، أشفع تشفع ، و أطلب تعط .
ثم يرفع رأسه : فيشفع ، فيشفع ، و يطلب فيعطى .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 176
+
( تحقيق أن آية لسوف يعطيك ربك
فترضى أرجى من آية إن الله يغفر الذنوب جميعا )
و في تفسير الفرات : عن محمد بن القاسم بن عبيد ، معنعنا عن بشر بن شريح البصري
، قال :
قلت لمحمد بن علي بن الحسين عليهم السلام : أية آية في كتاب الله أرجى ؟
قال عليه السلام : فما يقول فيها قومك ؟
قلت : يقولون :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } الزمر .
قال عليه السلام : لكنا أهل بيت
، لا نقول ذلك ؟
قال : قلت : فأي شيء تقولون فيها ؟
قال عليه السلام :
نقول : { وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى (5) } الضحى .
الشفاعة : و الله
الشفاعة ، و الله
الشفاعة .
+
أقول :
أما كون قوله تعالى :{
عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا
(79) } الإسراء ..
مقام الشفاعة : فربما ساعد عليه لفظ الآية أيضا .
مضافا : إلى ما استفاض عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
أنه :
مقام الشفاعة .
فإن قوله تعالى : { .. أَن يَبْعَثَكَ
..}.
يدل على أنه : مقام سيناله
، يوم
القيامة.
و قوله : { مَحْمُوداً } .
مطلق : فهو
حمد غير مقيد .
يدل على وقوعه : من جميع الناس من
الأولين و الآخرين .
و الحمد
: هو الثناء على الجميل الاختياري .
ففيه دلالة : على وقوع
فعل منه صلى الله عليه وآله وسلم .
ينتفع به : و يستفيد منه ، الكل ، فيحمده عليه .
و لذلك
قال عليه السلام : في رواية عبيد بن زرارة السابقة :
و ما من أحد : إلا يحتاج ، إلى
شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، يومئذ ...
الحديث .
و سيجيء بيان : هذا المعنى ، بوجه آخر وجيه .
+
و أما كون قوله تعالى :
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) } الضحى .
أرجى آية : في كتاب الله .
دون قوله تعالى :
{ قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ .. (54)}
الزمر .
فإن النهي : عن القنوط ، و إن تكرر ذكره في القرآن الشريف .
إلا أن
قوله : حكاية عن إبراهيم عليه السلام .
قال : { وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا
الضَّالُّونَ (56) } حجر .
و قوله تعالى : حكاية عن يعقوب عليه السلام .
قال : { إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) } يوسف .
ناظرتان : إلى
اليأس و القنوط ، من الرحمة التكوينية ، بشهادة المورد .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 177.
+
و أما قوله تعالى : { قُلْ يا
عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (54) وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ ...(55) }
الزمر ، إلى آخر الآيات .
فهو : و إن كان نهيا ، عن
القنوط من الرحمة التشريعية .
بقرينة
قوله تعالى : {.. أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ..} .
الظاهر : في كون القنوط في الآية ،
قنوطا من
جهة المعصية .
و قد عمم سبحانه : المغفرة للذنوب جميعا ، من غير استثناء .
و لكنه تعالى
:
ذيله : بالأمر ، بالتوبة ، و
الإسلام ، و العمل بالإتباع
( في باقي الآيات حتى آية
(58) الزمر ) .
فدلت الآية : على أن العبد
المسرف
على نفسه ، لا ينبغي له أن يقنط من روح الله .
ما دام يمكنه : اختيار
التوبة ، و الإسلام ، و
العمل الصالح .
+
و بالجملة :
فهذه : رحمة مقيدة
، أمر الله تعالى عباده بالتعلق بها .
و ليس رجاء
: الرحمة
المقيدة .
كرجاء : الرحمة
العامة ، و الإعطاء و
الإرضاء المطلقين .
الذين : وعدهما الله
لرسوله ، الذي جعله رحمة للعالمين .
ذلك الوعد : يطيب ،
نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
بقوله تعالى : {وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى (5) } الضحى .
+
( تأكيد سعة معنى آية لسوف يعطيك ربك فترضى في
الشفاعة )
توضيح ذلك :
أن الآية : في مقام الامتنان .
و فيها وعد
:
يختص به : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
لم يعد
الله سبحانه : بمثله ، أحدا من خلقه قط .
و لم يقيد : الإعطاء ،
بشيء .
فهو : إعطاء مطلق .
++
و قد وعد
الله :
ما يشابه ذلك : فريقا من عباده في الجنة .
فقال تعالى : { لَهُمْ ما
يَشاؤُنَ
عِنْدَ
رَبِّهِمْ (22) } الشورى .
و قال تعالى : { لَهُمْ ما
يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا
مَزِيدٌ (35) } ق .
فأفاد تعالى : أن لهم هناك ،
ما هو فوق مشيئتهم .
و المشيئة : تتعلق بكل ما يخطر
ببال الإنسان ، من السعادة و الخير .
فهناك : ما لا يخطر على قلب بشر .
كما قال تعالى : {
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
(17) } السجدة .
فإذا كان : هذا .
قدر : ما أعطاه الله لعباده .
الذين آمنوا : و عملوا
الصالحات .
و هو أمر : فوق القدر، كما عرفت ذلك .
+
فما يعطيه :
لرسوله : صلى الله عليه وآله وسلم ، في مقام الامتنان
.
أوسع : من ذلك و أعظم ، فافهم .
فهذا : شأن
إعطائه تعالى .
الميزان في تفسير القرآن
ج1ص 178.
++
و أما شأن : رضى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
فمن المعلوم : أن هذا الرضا ، ليس هو
الرضا بما قسم الله .
الذي هو : زميل لأمر الله .
فإن الله : هو المالك الغني على الإطلاق
.
و ليس للعبد : إلا الفقر و الحاجة .
فينبغي : أن يرضى بقليل ما يعطيه ربه و كثرته .
و ينبغي
: أن يرضى بما قضاه الله في حقه ، سره ذلك أو ساءه .
فإذا كان هذا : هكذا .
فرسول الله : صلى الله عليه وآله وسلم :
أعلم : و أعمل ، لا يريد إلا ما يريده الله في حقه .
لكن هذا :
الرضا حيث وضع ،
في مقابل الإعطاء .
يفيد : معنى آخر .
نظير : إغناء الفقير بما يشكو فقده ، و
إرضاء الجائع بإشباعه .
فهو الإرضاء : بالإعطاء من غير تحديد .
و هذا أيضا : مما وعد الله
ما يشابهه ، لفريق من عباده .
قال عز من قائل : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا
الصَّالِحاتِ
أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) } البينة .
و هذا أيضا : لموقع
الامتنان و الاختصاص .
يجب أن يكون : أمرا فوق ما للمؤمنين ، و
أوسع
من ذلك.
و قد قال تعالى في حق رسوله : {
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) } التوبة
.
فصدق : رأفته .
و كيف يرضى : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
و تطيب نفسه .
أن يتنعم : بنعيم الجنة ، و يرتاض
في رياضها .
و فريق من المؤمنين : متغلغلون في دركات السعير ،
مسجونون تحت أطباق النار .
و
هم معترفون : لله بالربوبية ، و لرسوله بالرسالة ، و لما جاء به بالصدق .
و إنما غلبت
: عليهم الجهالة ، و لعب بهم الشيطان .
فاقترفوا : معاصي ،
من غير عناد و استكبار .
و الواحد
منا :
إذا راجع : ما أسلفه من عمره .
و نظر : إلى ما قصر به ، في الاستكمال و الارتقاء .
يلوم
نفسه : بالتفريط في سعيه و طلبه .
ثم يلتفت : إلى جهالة الشباب ، و نقص التجارب .
فربما : خمدت
نار غضبه ، و انكسرت سورة ملامته .
لرحمة : ناقصة
، أودعها الله فطرته .
فما ظنك :
برحمة رب
العالمين .
في موقف : ليس فيه
، إلا جهالة إنسان ضعيف .
و كرامة النبي : الرءوف الرحيم ، و رحمة
أرحم الراحمين .
و قد رأى ( المؤمن
الجاهل ) : ما رأى ، من وبال أمره .
من لدن : نشبت عليه أظفار المنية
، إلى آخر مواقف يوم القيامة .
+
( تأكيد معنى لا يوجد أحد إلا ويحتاج لشفاعة
نبينا الأكرم )
و في تفسير القمي : في قوله تعالى :
{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ
عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ
حَتَّى
إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) } سبأ .
عن أبي العباس المكبر قال:
دخل : مولى لامرأة ، علي بن
الحسين صلوات الله عليهما على أبي جعفر عليه السلام .
يقال له : أبو أيمن .
فقال :
يا أبا جعفر ، تغرون الناس .
و تقولون : شفاعة
محمد ، شفاعة
محمد .
فغضب أبو جعفر عليه السلام : حتى تربد
وجهه .
ثم قال عليه السلام : ويحك يا أبا أيمن .
أ غرك : أن عف بطنك و فرجك ؟
أما لو قد رأيت : أفزاع
القيمة ، لقد احتجت إلى شفاعة محمد .
ويلك : فهل يشفع ، إلا لمن وجبت له النار ؟
قال عليه السلام : ما من
أحد من الأولين و الآخرين .
إلا و هو : محتاج إلى شفاعة
محمد صلى الله عليه وآله ، يوم القيامة .
ثم قال
أبو جعفر عليه السلام :
إن لرسول الله : الشفاعة في أمته .
و لنا : شفاعة في شيعتنا .
و لشيعتنا : شفاعة
في أهاليهم .
ثم قال : و إن المؤمن
ليشفع ، في مثل ربيعة و مضر .
و إن المؤمن : ليشفع
لخادمه .
و يقول : يا رب حق خدمتي ، كان يقيني الحر و البرد .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 179
أقول :
قوله عليه السلام :
ما من أحد : من الأولين و الآخرين.
إلا و هو : محتاج ، إلى
شفاعة محمد
صلى الله عليه وآله .
ظاهرة : أن هذه الشفاعة العامة ، غير التي .
ذكرها بقوله : ويلك ، فهل
يشفع إلا لمن وجبت له
النار .
و قد مر : نظير هذا المعنى .
في رواية : العياشي ، عن عبيد بن زرارة ، عن الصادق عليه السلام .
( في موضوع : المقام المحمود مقام الشفاعة ، وأيضا الحديث قبله ، هو أنه يقف الناس : يوم القيامة فيلجمهم العرق ،
ويأتون للأنبياء ، حتى يشفع نبي الرحمة ، ويبدأ
الحساب و غيره من المواقف ، فهناك شفاعة عامه ، وشفاعة خاصة لأهل الكبائر وأهل
النار من المؤمنين العاصين )
و في هذا المعنى : روايات أخر .
روتها : العامة و الخاصة .
و يدل عليه قوله تعالى :
{ وَ لا
يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ
شَهِدَ
بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف .
حيث يفيد : أن الملاك في الشفاعة
، هو الشهادة .
فالشهداء : هم الشفعاء ،
المالكون للشفاعة .
و سيأتي : إن شاء الله ، في قوله
تعالى :
{ وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (143) } البقرة
.
أن
الأنبياء : شهداء ، و أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم
شهيد عليهم .
فهو صلى الله عليه وآله وسلم : شهيد الشهداء
، فهو شفيع الشفعاء .
و لو
لا شهادة : الشهداء ،
لما قام للقيامة أساس .
++
( الشفاعة بعد النبي للأئمة والأنبياء والشهداء
والمؤمنين حتى السقط فلا يبقى إلا مبغض للنبي وآله )
و في تفسير القمي أيضا : في قوله تعالى :
{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ
عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ
حَتَّى
إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) } سبأ .
قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام :
لا يشفع : أحد من
أنبياء الله و رسله .
حتى يأذن الله : له ،
إلا رسول الله ، فإن
الله أذن له في الشفاعة ، قبل يوم القيامة .
و الشفاعة : له و للأئمة من ولده ، ثم من بعد
ذلك للأنبياء .
و في الخصال : عن الإمام علي عليه السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
ثلاثة : يشفعون إلى الله عز و جل
، فيشفعون .
الأنبياء : ثم العلماء ، ثم
الشهداء .
أقول :
الظاهر : أن المراد بالشهداء ،
شهداء معركة القتال ، كما هو المعروف في لسان
الأئمة في الأخبار .
لا شهداء الأعمال : كما هو مصطلح القرآن .
و في الخصال في حديث الأربعمائة :
و قال عن أمير المؤمنين عليه السلام :
لنا : شفاعة ، و لأهل مودتنا
شفاعة .
أقول :
و هناك : روايات كثيرة ، في .
شفاعة : سيدة النساء فاطمة عليها السلام .
و شفاعة : ذريتها ، غير الأئمة
.
و شفاعة : المؤمنين ، حتى السقط منهم .
ففي الحديث : المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
تناكحوا : تناسلوا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة
، و لو بالسقط.
يقوم : محبنطئا ، على باب الجنة .
فيقال له : ادخل .
فيقول : لا ، حتى يدخل
أبواي .
الحديث .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 180.
و في الخصال : عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال :
إن للجنة : ثمانية أبواب .
باب : يدخل منه النبيون و الصديقون .
و باب : يدخل منه الشهداء و
الصالحون .
و خمسة أبواب : يدخل منها شيعتنا و محبونا .
فلا أزال : واقفا على الصراط ، أدعو
و أقول .
رب : سلم
شيعتي ، و محبي ، و أنصاري ، و من تولاني في دار الدنيا .
فإذا النداء : من
بطنان العرش .
قد : أجيبت دعوتك .
و شفعت : في شيعتك .
و يشفع : كل رجل من شيعتي .
و من تولاني : و نصرني ، و حارب من عاداني
، بفعل أو قول .
في سبعين ألفا : من جيرانه و أقربائه .
و باب
: يدخل منه سائر المسلمين ، ممن يشهد أن لا إله إلا الله .
و لم يكن :
في قلبه ، مقدار ذرة
من بغضنا أهل البيت .
++
( تأكيد معنى من يشفع له ممن رضي الله تعالى
دينه ممن لم يشك أو يكفر أو ينافق )
و في الكافي : عن حفص المؤذن ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رسالته إلى أصحابه
.
قال عليه السلام : و
اعلموا ، أنه ليس يغني عنكم من الله
، أحد من خلقه .
لا ملك : مقرب ، و لا نبي مرسل ، و لا من
دون ذلك .
من سره : أن ينفعه شفاعة الشافعين ، عند الله .
فليطلب : إلى الله أن يرضى عنه .
و في تفسير الفرات : بإسناده عن الصادق عليه السلام قال :
قال جابر لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك يا
بن رسول الله .
حدثني : بحديث في جدتك فاطمة
، و ساق الحديث .
يذكر فيه : شفاعة فاطمة يوم
القيامة .
إلى أن قال : قال أبو جعفر عليه السلام :
فوالله : لا يبقى في الناس ، إلا شاك ، أو كافر ، أو
منافق .
فإذا صاروا : بين الطبقات ، نادوا :
كما قال الله تعالى : {فَمَا لَنَا مِن
شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
(101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) }
الشعراء .
قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات
هيهات .
منعوا : ما طلبوا ، و لو ردوا ،
لعادوا لما نهوا عنه ، و إنهم لكاذبون .
أقول :
تمسكه عليه السلام بقوله تعالى : {
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ } .
يدل على : استشعار دلالة الآيات
، على وقوع الشفاعة .
و قد تمسك بها : النافون
للشفاعة ، على نفيها .
و قد اتضح : مما قدمناه .
في
قوله تعالى : { فَما تَنْفَعُهُمْ
شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ } .
وجه دلالتها : عليها (
على الشفاعة ) في
الجملة .
فلو كان : المراد ، مجرد النفي .
لكان حق الكلام أن يقال : فما لنا من شفيع
، و لا
صديق حميم .
فالإتيان ( بالشفاعة ) : في حيز النفي
، بصيغة الجمع .
يدل على : وقوع شفاعة من جماعة ،
و عدم نفعها في حقهم ( في حق من لم يرتضي الله دينه ) .
مضافا إلى أن قوله تعالى : { فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ } .
بعد قوله :{
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } .
المسوق : للتحسر .
تمن : واقع في حيز
التحسر .
و من المعلوم : أن التمني في حيز التحسر .
إنما يكون : بما يتضمن ما فقده ،
و يشتمل
على ما تحسر عليه .
فيكون معنى قولهم : { فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً } .
معناه : يا ليتنا نرد ،
فنكون من
المؤمنين .
حتى ننال : الشفاعة من الشافعين
، كما نالها المؤمنون .
فالآية : من الآيات
الدالة ، على وقوع الشفاعة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 181.
و في التوحيد : عن الإمام الكاظم ، عن أبيه عن آبائه ، عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال :
إنما شفاعتي : لأهل
الكبائر من أمتي .
فأما المحسنون : فما عليهم من سبيل .
قيل : يا بن رسول الله ، كيف تكون
الشفاعة لأهل الكبائر ؟
و الله تعالى يقول : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (28) }الأنبياء .
و من ارتكب : الكبيرة ،
لا يكون مرتضى ؟
فقال عليه السلام :
ما من مؤمن : يرتكب ذنبا ، إلا
ساءه ذلك ، و ندم عليه .
و قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
كفى : بالندم ،
توبة .
و قال صلى الله عليه وآله وسلم :
من سرته : حسنة ، و
ساءته سيئة ، فهو مؤمن .
فمن : لم يندم على
ذنب يرتكبه ، فليس بمؤمن .
و لم تجب له : الشفاعة
، و كان ظالما .
و الله تعالى ذكره يقول :
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ
مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ
وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) } غافر .
فقيل له : يا بن رسول الله .
و كيف : لا يكون
مؤمنا ، من لا يندم على
ذنب
يرتكبه ؟
فقال : ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي ،
و هو يعلم أن سيعاقب عليها .
إلا ندم
: على ما ارتكب .
و متى ندم : كان تائبا ، مستحقا للشفاعة .
و متى : لم يندم عليها ، كان مصرا
، و
المصر لا يغفر له .
لأنه : غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب .
و لو كان : مؤمنا
بالعقوبة ، لندم .
و
قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
لا كبيرة
: مع الاستغفار ، و لا
صغيرة مع الإصرار .
و أما قول الله عز
و جل : { وَلَا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (28) } الأنبياء .
فإنهم : لا
يشفعون ، إلا لمن ارتضى
الله دينه .
و الدين : الإقرار بالجزاء على
الحسنات و السيئات .
فمن ارتضى دينه : ندم على
ما ارتكبه من الذنوب ،
لمعرفته بعاقبته في القيامة .
أقول :
قوله عليه السلام : و كان ظالما .
فيه تعريف : الظالم
يوم القيامة .
و إشارة : إلى ما عرفه به
القرآن .
حيث يقول : {
وَنَادَى
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ
أَن قَدْ وَجَدْنَا
مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا
فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا
قَالُواْ نَعَمْ
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ
أَن لَّعْنَةُ
اللّهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا
وَهُم بِالآخِرَةِ
كَافِرُونَ (45) } الأعراف .
و هو الذي : لا يعتقد
بيوم
المجازاة .
فلا يتأسف : على فوت أوامر الله تعالى ، و لا يسوؤه اقتحام محارمه .
إما بجحد :
جميع المعارف الحقة ، و التعاليم الدينية .
و إما بالاستهانة : لأمرها ، و عدم الاعتناء
بالجزاء و الدين ، يوم الجزاء و الدين .
فيكون : قوله به ( بعدم الإيمان بالجزاء والدين ) ،
استهزاء بأمره تعالى و تكذيبا له
.
و
قوله عليه السلام :
فتكون
: تائبا ، مستحقا للشفاعة .
أي راجعا : إلى الله ذا دين مرضي ، مستحقا للشفاعة .
و أما التوبة : المصطلحة .
فهي : بنفسها ،
شفيعة منجية .
و قوله عليه السلام :
و
قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
لا كبيرة :
مع الاستغفار ..... .
تمسكه عليه السلام : به
.
من جهة : أن الإصرار
، و هو عدم
الانقباض بالذنب ، و الندم عليه .
يخرج الذنب : عن شأنه الذي له ، إلى شأن آخر .
و هو : التكذيب المعاد ، و
الظلم بآيات الله ، فلا يغفر .
لأن الذنب : إنما يغفر .
إما : بتوبة .
أو بشفاعة
: متوقفة على دين مرضي .
و لا توبة : هناك ، و لا دين مرضي .
الميزان في تفسير
القرآن ج1ص 182 .
و نظير : هذا المعنى ، واقع في رواية العلل
.
عن أبي إسحاق الليثي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام :
يا
بن رسول الله : أخبرني عن المؤمن المستبصر ، إذا بلغ في المعرفة و كمل .
هل : يزني ؟ قال عليه السلام :
اللهم لا .
قلت : فيلوط ؟ قال عليه السلام : اللهم لا .
قلت : فيسرق ؟ قال عليه السلام : لا .
قلت : فيشرب الخمر ؟ قال عليه السلام : لا .
قلت : فيأتي بكبيرة ، من هذه الكبائر ، أو فاحشة من هذه الفواحش؟
قال عليه السلام : لا.
قلت : فيذنب ذنبا ؟
قال عليه السلام : نعم ، و هو مؤمن
مذنب ملم .
قلت : ما معنى ملم ؟
قال عليه السلام : الملم ، لا يلزمه
( للذنب ) ، و لا يصر عليه ....
الحديث .
+
و في الخصال : بأسانيد ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
إذا كان يوم
القيامة : تجلى الله عز و جل ، لعبده المؤمن .
فيوقفه : على ذنوبه ، ذنبا ذنبا .
ثم يغفر : الله
له ، لا يطلع الله له ملكا مقربا ، و لا نبيا مرسلا .
و يستر عليه : أن يقف عليه أحد .
ثم
يقول : لسيئاته ، كوني حسنات .
( يا طيب : يتجلى الله ، لا بمعنى أن يرى جهرا
، بل بمعنى تظهره رحمته ، وسيأتي معناه في
الحديث بعد الآتي ) .
+
و عن صحيح مسلم : مرفوعا إلى أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
يؤتى بالرجل : يوم القيامة .
فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، و
نحوا عنه كبارها .
فيقال : عملت يوم كذا و كذا و
كذا .
و هو مقر : لا ينكر ، و هو مشفق من الكبائر .
فيقال : أعطوه مكان كل
سيئة ، حسنة .
فيقول : إن لي ذنوبا ما أراها هاهنا .
قال : و لقد رأيت رسول الله ضحك ، حتى بدت نواجذه .
( وضحكه : صلى الله عليه وآله وسلم ، بيان عن فرحه برحمة الله لعبده المؤمن )
+
و في الأمالي : عن الصادق عليه السلام :
إذا كان : يوم القيامة .
نشر : الله تبارك و تعالى ، رحمته .
حتى يطمع : إبليس ، في رحمته .
أقول :
و الروايات : الثلاث الأخيرة ، من المطلقات .
و الأخبار
: الدالة على وقوع شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يوم القيامة .
من طرق : أئمة أهل البيت عليهم السلام ،
و كذا من طرق أهل السنة و الجماعة
.
بالغة : حد التواتر .
و هي : من حيث المجموع ، إنما تدل على معنى واحد .
و هو الشفاعة : على
المذنبين من أهل الإيمان .
إما بالتخليص : من دخول النار .
و إما بالإخراج : منها ، بعد
الدخول فيها .
و المتيقن منها : عدم خلود
المذنبين من أهل الإيمان
، في النار .
و قد عرفت
: أن القرآن أيضا ، لا يدل على أزيد من ذلك .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 183.
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
بحث فلسفي
بحث آخر في الشفاعة
( حصول الآثار للأنفس مناسبة لها و القسري منها
تزول إما في البرزخ أو يوم القيامة أو بشفاعة النفوس القوية )
( بيان حصول آثار الأعمال للأنفس الكاملة في الشقاوة والسعادة )
البراهين العقلية : و إن قصرت ، عن إعطاء التفاصيل .
الواردة : كتابا و سنة ، في المعاد .
لعدم
: نيلها المقدمات المتوسطة ، في الاستنتاج ، على ما ذكره الشيخ ابن سينا .
لكنها تنال : ما
يستقبله الإنسان ، من كمالاته العقلية و المثالية .
في صراطي : السعادة
و الشقاوة .
بعد
مفارقة : نفسه بدنه ، من جهة التجرد العقلي و المثالي
، الناهض عليهما البرهان
.
فالإنسان : في بادئ أمره .
يحصل له : من كل فعل يفعله .
هيئة : نفسانية ، و حال من أحوال
، السعادة و الشقاوة .
و نعني بالسعادة : ما هو خير له من حيث إنه إنسان .
و بالشقاوة : ما
يقابل ذلك ( أي شر له من حيث إنه إنسان ) .
ثم تصير : تلك الأحوال بتكررها ،
ملكة راسخة .
ثم يتحصل : منها ، صورة سعيدة أو
( صورة ) شقية ، للنفس .
تكون : مبدأ لهيئات ، و صور نفسانية .
فإن كانت ( الأفعال المنتجة لصور نفسانية ) :
سعيدة .
فآثارها : وجودية ، ملائمة
للصورة الجديدة .
و للنفس : التي هي بمنزلة ، المادة القابلة لها ( لآثار الأفعال وهي الصور ) .
و إن كانت ( الأفعال المنتجة لصور نفسانية ) :
شقية.
فآثارها : أمور عدمية
، ترجع بالتحليل إلى الفقدان و الشر .
فالنفس : السعيدة ، تلتذ بآثارها
، بما هي إنسان .
و تلتذ بها : بما هي إنسان ، سعيد بالفعل .
و النفس : الشقية ، و إن كانت
آثارها ، مستأنسة لها ، و ملائمة بما أنها مبدأ لها .
لكنها ( النفس الشقية ) : تتألم بها ( بآثارها ) بما أنها إنسان .
هذا :
بالنسبة : إلى النفوس الكاملة .
في جانب : السعادة ، أو
الشقاوة .
أعني الإنسان : السعيد ذاتا
، و الصالح عملا .
و الإنسان : الشقي ذاتا ، و الطالح عملا .
+
( حصول الآثار للأنفس الناقصة في الشقاوة
والسعادة والمستضعفة )
و أما ( النفس ) الناقصة
:
في : سعادتها
، و شقاوتها .
+
فالإنسان : السعيد ذاتا ، الشقي فعلا .
بمعنى : أن يكون ذاته ، ذات صورة سعيدة
.
بالاعتقاد : الحق الثابت .
غير أن : في نفسه ،
هيئات شقية ردية ، من الذنوب و الآثام
.
كتسبتها : حين تعلقها ( تعلق النفس ) بالبدن الدنيوي ، و ارتضاعها من ثدي الاختيار .
فهي ( الصور والآثار السيئة ) :
أمور قسرية ، غير ملائمة
لذاته .
و قد أقيم البرهان : على أن القسر لا يدوم .
فهذه النفس : سترزق التطهر
منها في
برزخ ، أو في القيامة .
على حسب : قوة رسوخها ( آثار الأفعال السيئة العرضية القسرية )
في النفس ( السعيدة
المؤمنة ) .
+
و كذلك الأمر : فيما للنفس الشقية .
من الهيئات
: العارضة السعيدة .
فإنها : ستسلب عنها ، و تزول سريعا أو بطيئا .
+
و أما النفس : التي لم تتم
لها .
فعلية : السعادة و
الشقاوة ( الذاتية ) في الحياة الدنيا .
حتى فارقت ( النفس ) : البدن ، مستضعفة ناقصة .
فهي :
من المرجئين ، لأمر الله عز و جل .
+
فهذا : ما يقتضيه البراهين .
في المجازاة : بالثواب ، و
العقاب .
المقتضية : لكونها ، من لوازم الأعمال و نتائجها
.
لوجوب : رجوع :
الروابط : الوضعية
الاعتبارية ، بالآخرة .
إلى روابط : حقيقية وجودية ، هذا .
+
( مراتب كمال الأنفس مختلفة في القرب والبعد ولأنفس
القوية تشفع للضعيفة المؤمنة )
ثم إن البراهين : قائمة على .
أن الكمال الوجودي : مختلف بحسب .
مراتب : الكمال و النقص ، و
الشدة و الضعف .
و هو التشكيك : خاصة في النور المجرد .
فلهذه النفوس : مراتب .
مختلفة : في
القرب و البعد .
من مبدأ الكمال : و منتهاه .
في سيرها : الارتقائي ، و عودها إلى ما بدأت منه .
و هي بعضها : فوق بعض .
و هذه : شأن العلل الفاعلية .
بمعنى : ما به ( الوجود والعلية ) ، و وسائط الفيض .
فلبعض النفوس :
و هي النفوس : التامة ، الكاملة .
كنفوس : الأنبياء عليهم السلام .
و خاصة : من هو ، في أرقى
درجات الكمال ، و الفعلية .
وساطة : في زوال الهيئات ، الشقية الرديئة ، القسرية .
من نفوس
: الضعفاء ، و من دونهم من السعداء ، إذا لزمتها قسرا .
و هذه : هي الشفاعة ، الخاصة بأصحاب
الذنوب .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 184.
==========++++++++=========
++
++
==========++++++++=========
بحث اجتماعي
بحث آخر في الشفاعة
( وضع الأحكام في المجتمع لحفظه من الفساد
وآثار الشفاعة الباطلة والحقة )
( أصل وضع الأحكام الوضعية ومنشئها الاجتماعي والجزاء فيها )
الذي تعطيه : أصول الاجتماع .
أن المجتمع : الإنساني ، لا يقدر على حفظ حياته ، و إدامة وجوده
.
إلا بقوانين : موضوعة ، معتبرة بينهم .
لها ( للقوانين ) : النظارة في حاله ( في حال المجتمع ) .
و ( للقوانين الموضوعة ) : الحكومة ، في أعمال الأفراد
و شئونهم .
تنشأ : عن فطرة المجتمع ، و غريزة الأفراد المجتمعين ، بحسب الشرائط الموجودة .
فتسير بهدايتها ( هداية القوانين ) : جميع طبقات
المجتمع .
كل : على حسب ، ما يلائم شأنه ، و يناسب موقعه .
فيسير
المجتمع : بذلك ( الوضع للقوانين واعتبارها ) ، سيرا حثيثا .
و يتولد : بتألف أطرافه ، و تفاعل متفرقاته ، العدل الاجتماعي .
و
هي ( القوانين ) موضوعة :
على مصالح : و منافع مادية ، يحتاج إليها ارتقاء الاجتماع المادي .
و على كمالات : معنوية ، كالأخلاق الحسنة الفاضلة .
التي يدعو إليها : صلاح المجتمع ، كالصدق في
القول ، و الوفاء بالعهد و النصح ، و غير ذلك .
و حيث كانت : القوانين ، و الأحكام وضعية ، غير
حقيقية .
احتاجت : إلى تتميم تأثيرها .
بوضع أحكام : مقررة أخرى ، في المجازاة .
لتكون : هي الحافظة لحماها .
عن تعدي : الأفراد المتهوسين ، و تساهل آخرين .
الميزان
في تفسير القرآن ج1ص 185.
و لذلك : كلما قويت
حكومة ، أي حكومة كانت .
على إجراء : مقررات الجزاء .
لم يتوقف : المجتمع في سيره ، و لا ضل سائره عن طريقه و مقصده .
و كلما ضعفت ( الحكومة ) : اشتد الهرج و المرج ،
في داخله ( داخل المجتمع ) ، و انحرف عن مسيره
.
فمن التعاليم : اللازمة تثبيتها في الاجتماع .
تلقين : أمر الجزاء ، و إيجاد الإيمان به ، في
نفوس الأفراد .
و من الواجب : الاحتراز ، من أن يدخل في نفوسهم .
رجاء التخلص : عن حكم
الجزاء ، و تبعة المخالفة و العصيان .
بشفاعة : أو رشوة ، أو بشيء من الحيل و الدسائس
المهلكة .
+
( النقمة على الشفاعة في المسيحية لمخالفتها غرض
تشريع الأحكام وآثارها السيئة )
و لذلك : نقموا على الديانة المسيحية ، ما وقع فيها .
أن المسيح : فدى الناس في
معاصيهم ، بصلبه .
فالناس : يتكلون عليه ، في تخليصهم من يد القضاء ، يوم القيامة .
و يكون
الدين : إذ ذاك .
هادما : للإنسانية ، مؤخرا للمدنية .
راجعا بالإنسان : القهقرى ، كما قيل .
و أن الإحصاء : يدل .
من أن المتدينين : أكثر كذبا
، و أبعد من العدل من غيرهم .
و ليس ذلك : إلا
أنهم يتكلون ، بحقية دينهم .
و ادخار الشفاعة : في حقهم ، ليوم القيامة .
فلا يبالون : ما
يعملون .
بخلاف : غيرهم ( غير المتدينين ) .
فإنهم : خلوا و غرائزهم و فطرهم .
و لم يبطل : حكمها ( حكم الفطرة بالجزاء ) ، بما بطل به في
المتدينين .
فحكمت ( النفوس بفطرتها ) : بقبح التخلف ، عما يخالف حكم الإنسانية ، و المدنية الفاضلة
.
و بذلك : عول جمع من الباحثين .
في تأويل : ما ورد في خصوص الشفاعة ،
في الإسلام .
و قد نطق : به ( بالتأويل ) الكتاب ، و تواترت عليه السنة
.
+
( يا طيب : عرفت أن التأويل الحق للآيات النافية
للشفاعة ، تنفيها عن الكفار لا المؤمنين ، وأن الشفاعة منصوص عليها لا تحتاج لتأويل
، وسترى حقيقة اعتماد الإحصاء هذا وبطلانه ، وقياسه على الشفاعة في المسيحية
المخلصة حتى لمن لم يرتضي الله دينه ولمجرد تسمية بالمسيحي بدون إيمان ، وعرفت أن
الشفاعة الحقة في الإسلام ، هي لمن ارتضى الله دينه ، ومؤمن ذاتا وفعلا ، وإنه قد
قصر في بعض الأفعال لا كلها أو كان بدون إيمان ، وتابع البحث )
+++
( الشفاعة في الإسلام لمن أرتضي دينه وهي
موافقة لتشريع الأحكام ولها آثار حسنة )
و لعمري :
لا الإسلام : يثبت الشفاعة
، بالمعنى الذي فسروها به .
و لا الشفاعة : التي تثبتها
( تعاليم الإسلام ) ، تؤثر الأثر ، الذي زعموه لها .
فمن الواجب :
أن يحصل الباحث : في المعارف الدينية ، و تطبيق
ما شرعه الإسلام .
على هيكل : الاجتماع الصالح ، و المدنية الفاضلة .
تمام : ما رامه الإسلام
، من الأصول ، و القوانين ، المنطبقة على الاجتماع .
كيفية : ذلك التطبيق ( للمعارف الدينية على المجتمع
وما له من آثار حسن الشفاعة وصلاحها ).
ثم يحصل ( للباحث ) :
ما هي
: الشفاعة الموعودة ؟
و ما هو : محلها و موقعها ، بين المعارف التي جاء به ( التشريع الإسلامي ) ؟
فيعلم :
أولا :
أن الذي : يثبته القرآن من الشفاعة .
هو أن المؤمنين :
لا يخلدون في النار
يوم القيامة .
بشرط : أن يلاقوا ربهم ،
بالإيمان المرضي ، و
الدين الحق .
فهو : وعد ( الشفاعة ) وعده القرآن
، مشروطا .
ثم نطق ( القرآن ) : بأن الإيمان ، من حيث بقائه ( ثابت دائم ) .
على خطر : عظيم ، من جهة الذنوب .
و لاسيما
: الكبائر ، و لاسيما الإدمان منها ، و الاستمرار فيها .
فهو (الإيمان على ) : شفا جرف الهلاك الدائم .
و بذلك :
يتحصل رجاء النجاة ، و خوف الهلاك .
و يسلك : نفس المؤمن ، بين الخوف و الرجاء
.
فيعبد : ربه ، رغبة و رهبة .
و يسير : في حياته سيرا معتدلا .
غير منحرف : لا إلى خمود القنوط
، و لا إلى كسل الوثوق .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 186.
و ثانيا :
أن الإسلام : قد وضع من القوانين الاجتماعية ، من مادياتها و معنوياتها .
ما
يستوعب : جميع الحركات و السكنات ، الفردية و الاجتماعية .
ثم اعتبر : لكل مادة من موادها
.
ما هو المناسب : لها من التبعة و الجزاء ،
من دية و حد و تعزير .
إلى أن ينتهي ( الجزاء ) : إلى تحريم
مزايا الاجتماع ، و اللوم ، و الذم ، و التقبيح .
ثم تحفظ ( التشريع ) : على ذلك ( الجزاء ) .
بعد تحكيم : حكومة ، أولياء
الأمر .
بتسليط : الكل على الكل ، بالأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر .
ثم أحيا ذلك ( الجزاء ) : بنفخ
روح الدعوة الدينية .
المضمنة : بالإنذار و
التبشير ، بالعقاب و الثواب في الآخرة .
و بنى
أساس : تربيته ، بتلقين معارف المبدأ و المعاد
، على هذا الترتيب .
فهذا : ما يرومه الإسلام بتعليمه .
جاء به : النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
و صدقه ( وصدق ما جاء به النبي ) : التجارب الواقعة في عهده ، و
عهد من يليه .
حتى نشبت به : أيدي الولاة في السلطنة الأموية .
و من شايعهم : في استبدادهم
، و لعبهم ، بأحكام الدين .
و إبطالهم : الحدود ، و السياسات الدينية .
حتى آل الأمر : إلى ما آل
إليه اليوم .
و ارتفعت : أعلام الحرية .
و ظهرت : المدنية الغربية .
و لم يبق : من الدين بين
المسلمين ، إلا كصبابة في إناء ( ماء قليل في قعر الإناء ) .
فهذا الضعف :
البين : في سياسة الدين ، و
ارتجاع المسلمين
القهقرى .
هو الموجب :
لتنزلهم : في الفضائل و الفواضل .
و انحطاطهم : في الأخلاق ، و الآداب
الشريفة .
و انغمارهم : في الملاهي ، و الشهوات .
و خوضهم : في الفواحش ، و المنكرات .
وهو الذي
: أجرأهم على انتهاك كل حرمة ، و اقتراف كل ما يستشنعه حتى غير المنتحل بالدين .
لا ما
يتخيله : المعترض .
من استناد الفساد : إلى بعض المعارف الدينية .
التي : لا غاية لها و فيها
، إلا سعادة الإنسان في آجله و عاجله ، و الله المعين .
و الإحصاء : الذي ذكروها .
( على فرض صحته : وهو بأن الكذب بين المتدينين اتكالا على الشفاعة أكثر من غيرهم
) .
إنما وقع
:
على مجتمع : المتدينين .
و ليس عليهم : قيم ،
و لا حافظ قوي .
و على مجتمع : غير المنتحلين ( للكذب من غير المتدينين ) .
و
التعليم : و التربية الاجتماعيان .
قيمان
: عليهم ،
حافظان لصلاحهم الاجتماعي .
فلا يفيد : فيما
أراده ( المستشكل ) شيئا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 187.
( يا طيب : على فرض صحة ما ذكروه من الإحصاء ، بأن الكذب بين المتدينين أكثر ، فهو .
إن من أحصى : أحصى الكذب بين متدينين متسمين باسم الدين دون حقيقته ، ولهم أفكار أموية في تطبيق
الشريعة ، تجعل المنكر معروفا والمعروف منكرا .
لأنها : تتكل على الجبر ، ووجوب إطاعة السلطان الظالم ، وحلية إعانته بكل وسيلة ،
وبهذا يفسد المجتمع ، ويتكل الحاكم وولاته بتبرير تصرفهم الغير المتدين بحقيقة الدين الحق
، والمنافق
في حقيقته وصفاته وأفعاله ، على الجبر ، وأن الله يريد فعله منه بأي صورة كان حتى لو
كان ظالما وفاجرا فاسقا ، وأنه مجبور منفذ لإرادة الله تعالى ، وأن الحاكم بصورة
مباشرة أو غير مباشرة يدعو للجبر ولتطبيقه ، ولا يحق لأحد أن يعترض عليه ،
وإلا فيخرج المعترض عن طاعة الله فضلا عن طاعة الحاكم ، وأن أعوان الحاكم الظالم ، يبررون ظلمهم أيضا ، بأنه
واجب إطاع الأمير ، وإن من يخرج عليه يخرج عن الدين ولابد للإنسان من إمام مهما كان ، وإن لم يكن عادلا ، و
ولو كان ظالما طاغيا غاصبا مسرفا فاسقا فاجرا ،
وإنه إذا كان يحق للحاكم كل شيء فهو من أعوانه ، ويحق له أن يظلم ويسرق ويسرف وما
شابهه .
وأحصى المحصي : على فرض صحة إحصائه ، عدم الكذب بين غير المتدينين ، هو في الحكومة
الغربية في هذا العصر ، و التي يسوقها قانون حديدي في تطبيقها للجزاء وتتابع المتخلف عن قوانينه أشد
المتابعة ، وخوف القانون جعلهم لا يكذبون
ويفون بما يلتزمون ، لأن الحكومة لا يمكنها التدخل ، لوجود الصحافة والإذاعة
والتلفاز وغيرها مما يفضح كذبهم وخروجهم على القانون ، ويثير المجتمع على من يتدخل
بأمر خلاف القانون
، بكل وسيله ترجعه لتطبيقه ، على أن خوف الناس من القانون ظاهرا ، وإن كان في
الخفاء والغفلة عن القانون لا يراعون حرمة لشيء ، فضلا من أنهم يجوزون لحكوماتهم أن يدخلوا
على دول وشعوب كاملة ، فيسرقون أغلب أو كل ثرواتها
، ويقتلون كثيرا من أفرادها ، ولا من محاسب لهم .
وعلى هذا : الإحصاء ، لم يطبق على مجتمعين متساويين في الظروف .
فالإحصاء : لم يؤخذ من مؤمنين حقيقيين ، تحكمهم حكومة الإمام علي عليه السلام
وما يقاربها ، بل حكومات سارت على النهج الأموي .
وهذا الإحصاء : لم يكن حقيقته ، ممن طبق معارف الإسلام ، ومن الذين يؤمنون بأن الشفاعة
هي لمن يأتي الله بقلب سليم ، وقد أرتضى الله سبحانه دينه ، ومن مؤمنين يعيشون
حقيقة بين الخوف والرجاء ، ويعملون بتعاليم الدين الإسلامي ، مع رعايتهم للعدل
والإحسان الذي يدعوا له الدين ، ولهم حكومة تؤاخذ المذنب في الدنيا بما لا واسطة
فيه تخرجه عن أجراء حدود
الدين وقوانينه كلها ظاهرا وباطنا ، وأنه لا شفاعة في الدنيا لأحد مهما كان شأنه ،
وإنهم الحاكم وآله وأتباعه سواسية أمام القانون والجزاء ، وبكل تفاصيله وآدابه
وعدالته .
ولذا لا يكون هذا الإحصاء : يمكن تطبقه على حقيقة قوانين الدين ، ولا على الشفاعة
التي هي
يوم القيامة لا في الدنيا ، وحقيقتها وحسنها لمن عمل صالحا وكان عادلا حتى أرتضى له
دينه ، وأقام حدود الله تعالى وشرائعه حتى سمي مؤمنا ، وإن غفل في بعض الأحيان عما حرمه الله ،
فتأتي الشفاعة لمن أرتضي الله دينه يوم القيامة لا في الدنيا .
ثم إن الشفاعة : في الآخرة يوم القيامة ، في الغالب
إن لم نقل كلها ، في حقوق الله سبحانه وتعالى وبعد الحساب ، نتيجة ، لأن .
حقوق : الناس والعباد ، مثلا من غصب مال وقتل وغيرها ، يجب أن يتخلص منه الإنسان
في الدنيا ، بالتوبة أو بإعطاء الدية أو القصاص أو غيرها .
ثم إن بقيت على المؤمن : تبعات من حقوق الغير ، فالله تعالى يوم القيامة يرضي من له
الحق .
إما بأن يهبه : ويعطيه نعيم أخروي يرضيه ، ويعوضه عما فاته من حقه في الدنيا ، فيجعله الله
تعالى مقابل حقه الدنيوي حتى يرضى عمن أخذ حقه ، أو يرفع عنه سيئات وجرم يؤاخذ به
يوم القيامة بما يساوي حقه ، أو يزيد على حقه تفضلا من الله .
وإن أصر على المجازات : فتؤخذ من حسنات المؤمن الغاصب للحق وتعطى له ، أو تؤخذ من
سيئاته بما يساوي حقه فتحمل على المؤمن .
والشفاعة : تبقى لأهل الكبائر من المؤمنين ، وهي في أخر أيام القيامة ، ولم يكن
فيها ظلم للغير من العباد ، ولا حقوق عباد مغتصبه ، ولا مظلوم لم يأخذ حقه ، بل رفع العقاب عن مؤمن قد قصر
، وقد حوسب على حق غيره وصفي معه .
ثم قد عرفنا : أن الشفاعة ، لم يعين فيها الذنب بالخصوص ، ولا عين فيها المذنبين
بالخصوص ، فيبقى المؤمن بها بين الخوف والرجاء ، ويصلح نفسه في الدنيا قبل الآخرة ،
ويخرج من القنوط واليأس من رحمة الله ، فيصلح لنفسه .
ولا يتمادى : المؤمن بالشفاعة ، ولا يتجرأ أكثر ، بأنه قد فسد بذنب كبير ، ولا
يمكن أن يصلح بعد هذا أبدا ، فيشتد بسببه فجوره وفسقه وظلمه وطغيانه بما لا رجعة
فيه للعدل والإحسان ، بل راجي الشفاعة مؤمن لا يصر على معصية ، فضلا عن مداومة
الكبائر ، وبهذا يبين صلاح الشفاعة وحسنها وأهمتها في تغيير المجتمع فضلا عن الفرد
وصلاحه .
وبهذا المعنى : لا توجب الشفاعة تجري أكثر ولا تفسد المجتمع وقوانينه ، ولا توجب
للؤمن الكذب وما يخالف رضى الرب وقوانين الدين ، لأنه بالمداومة على المعصية
والإصرار عليها ، يخرجه من الإيمان ورضا الرب ، فلا تناله الشفاعة .
فضلا من أن : يوجد حتى في قوانين المجتمعات الوضعية في الدنيا ، بعض التخفيف
بالأحكام لمن يحسن سيرته في السجن ، كما لا يشدد على من لا تكون لا سابقة
إجرامية وممن له حسن السيرة ، فلتكن الشفاعة وهي في الآخرة وليست في الدنيا ، مثل
هذه التخفيف للحكم ، مع أنه ليس في الدنيا .
وبمجموع ما مر : لا يمكن أن تقاس الشفاعة في الإسلام
على الشفاعة في المسيحية ولا في مجتمعاتهم ، و التي ينقمون عليها .
وقد عرفت : مثل هذه الأجوبة لإشكالات الشفاعة في الأمر الثاني فراجع ، وراجع بتدبر
معاني وحقيقة الشفاعة ، يتضح الأمر أكثر ويرتفع كل لبس إن شاء الله ) .
( تم بحث الشفاعة : بحمد الله وفضله .
وسيأتي إن شاء الله : تفسير الآيات 49 - 62 من سورة البقرة ، وفيها نتعرف على معاني
ألفاظ الآيات ، ولماذا يحمل الله المعصية لكل بني إسرائيل وقد أرتكبها بعضهم ، ومعنى
قتلهم أنفسهم ، وبحوث روائية أخرى في هذه المعاني ، وبحث في معنى المؤمن الحق ،
ومعنى كلمة يهودي ونصراني وصابئي ، و بحث تأريخي عن الصابئة )