بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة
إعداد للتفسير الموضوعي
تفسير سورة البقرة
ملاحظة : ما بين القوسين ( )
الهلاليين فهما شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
وسواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 40- 48
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) |
|
تفسير سورة البقرة (2)
و هي : (286) مائتان و ست و
ثمانون آية .
الآيات 40 إلى 44 .
{
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
وَ
أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وَ آمِنُوا
بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ
وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ
وَ
لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ
(41)
وَ لا
تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا
الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(42)
وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
(43)
أَ تَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ
(44) }
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 151.
( ستجدون يا طيبين : في تفسير الآيات 40-46 من سورة البقرة ، الشروع في قصص بني إسرائيل وأحوالهم ومعاتبتهم على ما فضلهم الله به وكفرانهم لنعمه ، وبيان معنى الاستعانة بالصبر والصلاة ، وتحقيق معنى الخشوع والخضوع ، وحقيقة الظن في ملاقاة الله سبحانه ... وسيأتي قريبا بحث الشفاعة مفصلا إن شاء الله )
بيان : ( الشروع في بيان قصص بني إسرائيل ومعاتبتهم ومعاني
أهم ألفاظ الآيات )
أخذ سبحانه : في معاتبة اليهود ، و ذلك في طي نيف و مائة آية .
يذكر فيها : نعمة التي
أفاضها عليهم ، و كراماته التي حباهم بها .
و ما قابلوها : من الكفر و العصيان ، و نقض
الميثاق و التمرد و الجحود .
يذكرهم بالإشارة : إلى اثنتي عشرة قصة من قصصهم .
كنجاتهم
: من آل فرعون بفرق البحر، و غرق فرعون و جنوده .
و مواعدة : الطور ، و اتخاذهم العجل من
بعده .
و أمر موسى : إياهم بقتل أنفسهم ، و
اقتراحهم من موسى أن يريهم الله جهرة .
فأخذتهم
الصاعقة ، ثم بعثهم الله تعالى ... .
إلى آخر : ما أشير إليه من قصصهم ، التي كلها مشحونة
بألطاف إلهية ، و عنايات ربانية .
و يذكرهم أيضا : المواثيق التي أخذ منهم ، ثم نقضوها ، و
نبذوها وراء ظهورهم .
و يذكرهم أيضا : معاصي ارتكبوها ، و جرائم اكتسبوها ، و آثاما كسبتها
قلوبهم .
على نهي : من كتابهم ، و ردع صريح من عقولهم .
لقساوة : قلوبهم ، و شقاوة نفوسهم، و
ضلال سعيهم .
+
قوله تعالى : { ... وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي ...} .
أصل العهد : الحفاظ ، و منه اشتقت معانيه.
كالعهد
: بمعنى الميثاق ، و اليمين ، و الوصية ، و اللقاء ، و المنزل ، و نحو ذلك .
قوله تعالى : { ... فَارْهَبُونِ ...} .
الرهبة : الخوف ، و تقابل الرغبة .
قوله تعالى : { .. وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ...} .
أي من بين : أهل الكتاب ، أو من بين
قومكم ، ممن مضى و سيأتي .
فإن كفار مكة : كانوا قد سبقوهم إلى الكفر به .
++++
=================
سورة البقرة 2: الآيات 45 إلى 46 .
{ وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ
وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى
الْخاشِعِينَ (45)
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ
إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) }
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 152.
بيان ( معاني الآيات كالاستعانة والصبر والخشوع
و ..)
قوله تعالى : { وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ..} .
الاستعانة : و هي طلب العون
.
إنما يتم : فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده ، من المهمات و النوازل .
و إذ لا معين : في
الحقيقة ، إلا الله سبحانه .
فالعون : على المهمات ، مقاومة الإنسان لها بالثبات .
و
الاستقامة : و الاتصال به تعالى ، بالانصراف إليه ، و الإقبال عليه بنفسه .
و هذا هو
: الصبر و الصلاة ، و هما أحسن سبب على ذلك .
فالصبر : يصغر كل عظيمة نازلة .
و بالإقبال
: على الله ، و الالتجاء إليه ، تستيقظ روح الإيمان .
و تتنبه : أن الإنسان متك على ركن لا
ينهدم ، و سبب لا ينفصم .
+
قوله تعالى : { وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ } .
الضمير (وأنها ) : راجع إلى
الصلاة .
و أما إرجاعه : إلى الاستعانة ، لتضمن قوله :
{ اسْتَعِينُوا } ، ذلك .
فينافيه ظاهرا
قوله : { .. إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ } .
فإن الخشوع : لا يلائم الصبر كثير ملائمة .
و الفرق
: بين الخشوع و الخضوع ، مع أن في كليهما معنى التذلل و الانكسار .
أن الخضوع : مختص
بالجوارح .
و الخشوع : بالقلب .
+
(الظن بملاقاته سبحانه يوجب الخشوع للمؤمن فضلا
عن اليقين)
قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ } .
هذا المورد :
أعني مورد الاعتقاد بالآخرة .
على أنه مورد : اليقين .
لا يفيد فيه : الظن و الحسبان
، الذي
لا يمنع النقيض .
قال تعالى : { وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)} البقرة .
و يمكن : أن
يكون الوجه فيه ، الأخذ بتحقق الخشوع .
فإن العلوم : التدريجية الحصول ، من أسباب تدريجية
.
تتدرج فيها : النفس المدركة .
من : تنبه و شك ، ثم ترجح أحد طرفي النقيض .
ثم انعدام
: الاحتمالات المخالفة ، شيئا فشيئا .
حتى يتم : الإدراك الجازم ، و هو العلم .
و هذا النوع : من
العلم ، إذا تعلق بأمر هائل .
موجب : لاضطراب النفس و قلقها ، و خشوعها .
إنما تبتدئ ( النفس ) : الخشوع
، الذي معه ( أمر هائل ) .
من حين : شروع الرجحان ، قبل حصول الإدراك العلمي و تمامه .
ففي : وضع
الظن ، موضع
العلم .
إشارة : إلى أن الإنسان ، لا يتوقف على زيادة مئونة على العلم .
إن تنبه : بأن له ربا
، يمكن أن يلاقيه ، و يرجع إليه .
و ذلك كقول : الشاعر( دريد بن الصمة ):
فقلت لهم ظنوا بألفي مذحج _ سراتهم في الفارسي المسرد
و إنما يخوف : العدو ، باليقين لا بالشك .
و لكنه : أمرهم بالظن .
لأن الظن : يكفيهم في
الانقلاع عن المخالفة .
بلا حاجة : إلى اليقين ، حتى يتكلف المهدد إلى إيجاد اليقين فيهم
بالتفهيم ، من غير اعتناء منه بشأنهم .
و على هذا : فالآية قريبة المضمون .
من قوله تعالى : { فَمَنْ
كانَ يَرْجُوا لِقاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحا (110)
} الكهف .
و هذا كله :
لو كان : المراد باللقاء .
في قوله تعالى : { مُلاقُوا رَبِّهِمْ
} .
يوم : البعث .
و
لو كان : المراد به .
ما سيأتي : تصويره في سورة الأعراف ، إن شاء الله ، فلا محذور فيه أصل
.
( و قال رحمه الله في سورة هود : فظهر أن المراد بقوله : { إِنَّهُمْ مُلاقُوا
رَبِّهِمْ (29) }هود.
الإيمان : إلى محاسبة الله سبحانه إياهم ، يوم يرجعون فيه إليه ، فيلاقونه .
الميزان في تفسير القرآن ج10ص208 .)
الميزان في تفسير القرآن
ج1ص 153
++
بحث روائي : ( في الاستعانة بالصبر والصلاة في
الشدائد ومعناهما)
في الكافي : عن الصادق عليه السلام قال :
كان علي عليه السلام : كان علي عليه السلام
إذا هاله شيء .
فزع : إلى الصلاة ، ثم تلا هذه الآية : { وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ
} .
و في الكافي أيضا : عنه عليه السلام في الآية .
قال : الصبر ، الصيام .
و قال : إذا نزلت بالرجل
النازلة الشديدة ، فليصم .
إن الله عز و جل يقول : { وَ اسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ } ، يعني
الصيام .
أقول :
و روى : مضمون الحديثين العياشي في تفسيره .
و تفسير : الصبر بالصيام ، من باب
المصداق و الجري .
و في تفسير العياشي : عن أبي الحسن عليه السلام في الآية .
قال : الصبر ، الصوم .
إذا نزلت بالرجل
: الشدة ، أو النازلة ، فليصم .
إن الله يقول : { وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ
وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ } .
و الخاشع : الذليل في صلاته
، المقبل عليها .
يعني : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و أمير المؤمنين عليه السلام .
أقول :
قد استفاد عليه السلام :
استحباب : الصوم و الصلاة ،
عند نزول الملمات و الشدائد .
و كذا
: التوسل بالنبي و الولي عندها .
و هو : تأويل الصوم و الصلاة
، برسول الله و أمير
المؤمنين .
و في تفسير العياشي أيضا : عن علي عليه السلام :
في قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ....} .
يقول : يوقنون
أنهم مبعوثون ، و
الظن منهم يقين ؟
أقول : و رواه الصدوق أيضا .
و روى : ابن شهر آشوب ، عن الباقر عليه السلام :
أن الآية نازلة : في علي ، و عثمان بن مظعون ، و عمار
بن ياسر ، و أصحاب لهم .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 154.
*(وسيأتي إن شاء الله قريبا : تفسير الآيات 47-48 من سورة البقرة ، فنعرف معنى الشفاعة ببحوث دقيقة كاملة مفصله ، وبيان حقيقة حكومتها وتوسط سببها في التكوين والتشريع ، وأن الشفاعة لا تبطل مولوية المولى ولا عبودية العبد ، ولا أنها تبطل الحكم ، ولا الجزاء ، ولا تضادهم . وإنما الشفاعة هي سبب يتوسط به الشفيع عند المشفوع عنده ، فيخرج المشفوع له من الحكم الأول إلى حكم آخر يجلب له المنفعة ويدفع عنه العقاب ، وذلك بتحكيم بصفات خاصة في الشافع أو الشفيع أو المشفوع له ، ...... )*
http://www.alanbare.com/almezan