بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة
إعداد للتفسير الموضوعي
تفسير سورة الفاتحة
ملاحظة : ما بين القوسين ( )
الهلاليين فهما شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
وسواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 30-33
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) |
|
تفسير سورة البقرة (2)
و هي : (286) مائتان و ست و
ثمانون آية .
الآية 34 .
و الآيات 35
إلى 39 .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 122.
{
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ
أَبى وَ اسْتَكْبَرَ
وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) }
بيان ( سبب الأمر بالسجود لآدم لإظهار حقيقة ما
كتم إبليس والملائكة }
قد عرفت :
أن قوله تعالى: {
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) } البقرة .
فيه دلالة : على وقوع أمر مكتوم
، ظاهر بعد أن كان مكتوما .
و لا يخلو ذلك : عن مناسبة ، مع قوله :
{ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ
كانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) } البقرة .
حيث : لم يعبر أبى و استكبر و كفر .
و عرفت أيضا :
أن قصة السجدة
، كالواقعة .
أو هي واقعة بين قوله تعالى :
{ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) } البقرة.
و قوله : {
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) } البقرة .
فقوله تعالى : { وَ إِذْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...(34) } البقرة.
كالجملة المستخرجة : من بين الجمل ، ليتخلص بها إلى
قصة الجنة .
فإن هذه الآيات : كما عرفت ، إنما سيقت لبيان .
كيفية : خلافة الإنسان ، و موقعه .
و
كيفية : نزوله إلى الدنيا .
و ما يئول : إليه أمره من سعادة و شقاء .
فلا يهم : من قصة
السجدة هاهنا ، إلا إجمالها المؤدي إلى قصة الجنة ، و هبوط آدم ، هذا.
فهذا : هو الوجه في
الإضراب ، عن الإطناب إلى الإيجاز .
و لعل هذا : هو السر أيضا ، في الالتفات من الغيبة إلى
التكلم .
في قوله تعالى : { وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ....(34)} بعد قوله :
{ وَ إِذْ
قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ ... (30)} البقرة .
و على ما مر :
فنسبة : الكتمان إلى
الملائكة ، و هو فعل إبليس .
بناء : على الجري على الدأب الكلامي ، من نسبة فعل الواحد إلى
الجماعة ، إذا اختلط بهم و لم يتميز منهم .
و يمكن : أن يكون له وجه آخر .
و هو : أن يكون
، ظاهر قوله تعالى : { إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
.... (30)} .
إطلاق الخلافة : حتى على
الملائكة ، كما يؤيده أيضا أمرهم ثانيا بالسجود .
و يوجب ذلك : خطورا في قلوب الملائكة .
حيث إنها : ما كانت تظن أن موجودا أرضيا ، يمكن أن يسود على كل شيء ، حتى عليهم .
و يدل
: على هذا المعنى ، بعض الروايات كما سيأتي .
++
( بيان معنى السجود وحقائقه العبودية وسبب المنع
منه لغيره تعالى وعدمه )
و قوله تعالى : { اسْجُدُوا لِآدَمَ } .
يستفاد منه : جواز السجود لغير الله في الجملة ، إذا
كان تحية و تكرمة للغير ، و فيه خضوع لله تعالى بموافقة أمره .
و نظيره : قوله تعالى ، في
قصة يوسف عليه السلام : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ....
(100) }
يوسف .
و ملخص القول في ذلك :
أنك : قد عرفت في سورة الفاتحة .
أن العبادة : هي نصب العبد نفسه في مقام العبودية ، و
إتيان ما يثبت ،
و ليستثبت به ذلك .
فالفعل العبادي : يجب
أن يكون فيه صلاحية إظهار مولوية المولى ، أو عبدية العبد .
كالسجود : و الركوع ، و القيام
أمامه حينما يقعد ، و المشي خلفه حينما يمشي و غير ذلك .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 123.
و كلما زادت : الصلاحية المزبورة ، ازدادت العبادة تعينا للعبودية .
و أوضح
الأفعال : في الدلالة على عز المولوية ، و ذل العبودية ، السجدة .
لما فيها : من الخرور على
الأرض ، و وضع الجبهة عليها .
+
و أما ما ربما ظنه بعض :
من أن السجدة : عبادة ذاتية .
+
فليس
: بشيء .
فإن الذاتي : لا يختلف و لا يتخلف .
و هذا الفعل (السجدة ): يمكن أن يصدر بعينه من فاعله
، بداع غير داع التعظيم و العبادة ، كالسخرية و الاستهزاء .
فلا يكون : عبادة ، مع اشتماله
على جميع ما يشتمل عليه و هو عبادة .
نعم : معنى العبادة ، أوضح في السجدة من غيرها .
و
إذا لم يكن : (فعل السجدة ) عبادة ذاتية ، لم يكن لذاته مختصا بالله سبحانه .
بناء على أن : المعبود
، منحصر فيه تعالى .
فلو كان : هناك مانع ،
لكان من جهة النهي
الشرعي أو العقلي .
و الممنوع
: شرعا أو عقلا ، ليس إلا إعطاء الربوبية لغيره تعالى .
و أما تحية الغير : أو تكرمته ، من
غير إعطاء الربوبية ، بل لمجرد التعارف و التحية ، فحسب .
فلا دليل : على المنع من ذلك .
لكن الذوق الديني : المتخذ من الاستيناس بظواهره .
يقضي :
باختصاص هذا الفعل به تعالى .
و
المنع : عن استعماله في غير مورده تعالى ، و إن لم يقصد به إلا التحية و التكرمة فقط
.
و أما المنع : عن كل ما فيه إظهار الإخلاص لله ، بإبراز المحبة لصالحي عباده ، أو لقبور
أوليائه أو آثارهم .
فمما : لم يقم عليه دليل
، عقلي أو نقلي ، أصلا .
و سنعود : إلى البحث عن
هذا الموضوع ، في محل يناسبه ، إن شاء الله تعالى .
+++
بحث روائي :
( سبب الأمر بسجود الملائكة وغيرهم
ليظهر ما كتموا كلا حسب شأنه )
في تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
لما أن : خلق الله آدم ، أمر الملائكة أن
يسجدوا له .
فقالت الملائكة في أنفسها : ما كنا نظن أن الله خلق خلقا ، أكرم عليه منا .
فنحن : جيرانه ، و نحن أقرب الخلق إليه .
فقال الله : { أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) }.
فيما
أبدوا : من أمر بني الجان ، و كتموا ما في أنفسهم .
فلاذت : الملائكة ، الذين قالوا ما قالوا
، بالعرش .
و في التفسير أيضا : عن علي بن الحسين عليه السلام : ما في معناه .
و فيه : فلما عرفت الملائكة
، أنها وقعت في خطيئة ، لاذوا بالعرش .
و أنها : كانت عصابة من الملائكة ، و هم الذين كانوا
حول العرش .
لم يكن : جميع الملائكة ... .
إلى أن قال : فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيامة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 124.
أقول : يمكن أن يستفاد مضمون الروايتين :
من قوله حكاية عن الملائكة :
{ وَ نَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ...(30) } .
إلى قوله : { .... سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا
إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) }
البقرة .
و سيجيء :
أن العرش : هو العلم .
و بذلك : وردت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام
.
فافهم : ذلك .
( ويا طيب : لما كان العرش هو العلم فهم يلوذون بما عرفوا من العلم بالأسماء ،
ويستغفرون للمؤمنين ، كما سيأتي في ملائكة العرش ، وأن الملائكة سجدوا لآدم ،
ولجئوا لحصن حصين ، فلم يؤاخذهم الله تعالى على ما تصوروا وكتموا من علو منزلتهم
بعد أن عرفوا هناك من هو أعلى منهم وأقرب وأقروا بالتقصير لأنفسهم ومعرفتهم وشأنهم
، وأن آدم عليه السلام له منزلة الخلافة بالاتصال العلمي بالأسماء العليا .
وأما إبليس فتابع روايته )
+
و على هذا : كان المراد من قوله تعالى :
{ ... وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) } .
قوم إبليس : من
الجان المخلوقين قبل الإنسان .
قال تعالى : { وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ
صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ
السَّمُومِ (27) } الحجر .
و على هذه : الرواية .
فنسبة الكتمان : إلى جميع
الملائكة .
لا تحتاج : إلى عناية زائدة ، بل هي على حقيقته .
فإن المعنى : المكتوم ،
خطر على
قلوب جميع الملائكة .
و لا منافاة : بين هذه الرواية .
و ما تفيد : أن المكتوم
، هو ما كان
يكتمه إبليس .
من الإباء : عن الخضوع لآدم ، و
الاستكبار لو دعي إلى السجود .
لجواز
: استفادة الجميع ، كما هو كذلك .
+
و في قصص الأنبياء : عن أبي بصير
قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :
سجدت الملائكة : و وضعوا
أجباههم على الأرض ؟
قال : نعم ، تكرمة من الله تعالى .
و في تحف العقول قال :
إن السجود : من الملائكة لآدم .
إنما كان ذلك : طاعة لله ، و محبة
منهم لآدم .
++
(فضيلة الصلاة على نبينا الأكرم وآله أعلى من إسجاد الملائكة لآدم )
و في الاحتجاج : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام :
أن يهوديا : سأل أمير المؤمنين عليه السلام ، عن
معجزات النبي صلى الله عليه وآله في مقابل معجزات الأنبياء .
فقال : هذا آدم ، أسجد الله له ملائكته .
فهل : فعل بمحمد شيئا من هذا ؟
فقال علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، أسجد الله لآدم ملائكته .
فإن سجودهم له : لم يكن سجود طاعة (لآدم بل لله )، و أنهم عبدوا آدم من دون
الله عز و جل .
و لكن اعترافا : بالفضيلة ، و رحمة من الله له.
و محمد صلى الله عليه وآله وسلم : أعطي ما هو أفضل من هذا .
إن الله جل و
علا : صلى عليه في جبروته ، و الملائكة بأجمعها .
و تعبد المؤمنون : بالصلاة عليه ، فهذه
زيادة له يا يهودي .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 125.
+
( بعض أحوال إبليس لعنه الله وأهم أيام الله تعالى )
و في تفسير القمي : خلق الله آدم
، فبقي أربعين سنة مصورا .
و كان يمر به : إبليس
اللعين ، فيقول : لأمر ما خلقت ؟
فقال العالم ( الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ) :
فقال إبليس: لئن أمرني الله
بالسجود لهذا ، لعصيته ... .
إلى أن قال : ثم قال الله تعالى للملائكة : { اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا }.
فأخرج إبليس
: ما كان في قلبه من الحسد ، فأبى أن يسجد .
+
و في البحار : عن قصص الأنبياء ، عن الصادق عليه السلام قال :
أمر إبليس : بالسجود لآدم
.
فقال : يا
رب ، و عزتك ، إن أعفيتني من السجود لآدم ، لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها .
قال
الله جل جلاله : إني أحب أن أطاع من حيث أريد .
و قال عليه السلام : إن إبليس ، رن أربع رنات :
أولهن
: يوم لعن ، و يوم : أهبط إلى الأرض .
و يوم : بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل ، و حين
: أنزلت
أم الكتاب .
و نخر نخرتين : حين أكل آدم من الشجرة، و
حين أهبط من الجنة .
و قال في
قوله تعالى : { فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ...} .
و كانت : سوآتهما لا ترى ، فصارت ترى بارزة .
و قال : الشجرة التي نهي عنها آدم ، هي السنبلة .
أقول : و في الروايات ، و هي كثيرة .
تأييد : ما ذكرناه ، في السجدة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 126 .
http://www.alanbare.com/almezan