بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ]
وهي [ 286 ] آية
تفسير الآيات من 172 إلى 176 .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 425 .
ملاحظة : ما بين القوسين
( ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 172 - 176 .
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ |
|
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ }
(
الميزان في تفسير القرآن ج1ص
[سورة البقرة (2): الآيات 172 الى 176]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا
لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ
اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ
مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا
يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى
النَّارِ (175) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (176)
الميزان في تفسير القرآن ج1ص425
بيان
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما
رَزَقْناكُمْ ، خطاب خاص بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهو من قبيل انتزاع
الخطاب من الخطاب ، كأنه انصراف عن خطاب جماعة ممن لا يقبل النصح و لا يصغي إلى
القول ، و التفات إلى من يستجيب الداعي لإيمانه به ، و التفاوت الموجود بين
الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين ، فإن المؤمنين بالله لما كان يتوقع منهم القبول
بدل قوله: مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً من قوله:
طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ، و كان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده
لكونهم موحدين لا يعبدون إلا الله سبحانه ، و لذلك بعينه قيل: ما رَزَقْناكُمْ و
لم يقل: ما رزقتم أو ما في الأرض و نحوه ، لما فيه من الإيماء أو الدلالة على كونه
تعالى معروفا لهم قريبا منهم حنينا رءوفا بهم ، و الظاهر أن يكون قوله: مِنْ
طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام
الصفة مقام الموصوف فإن المعنى على الأول كلوا من رزقنا الذي كله طيب ، و هو
المناسب لمعنى التقرب و التحنن الذي يلوح من المقام ، و المعنى على الثاني كلوا من
طيب الرزق لا من خبيثه ، و هو بعيد المناسبة عن المقام الذي هو مقام رفع الحظر ، و
النهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه
الميزان في تفسير القرآن ج1ص426
تشريعا من عند أنفسهم و قولا بغير علم .
قوله تعالى : { وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ، لم يقل
و اشكروا لنا بل اشكروا لله ليكون أدل على الأمر بالتوحيد و لذلك أيضا قيل: إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فدل على الحصر و القصر و لم يقل إن كنتم تعبدونه .
قوله تعالى : { إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ
الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، الإهلال لغير الله هو الذبح
لغيره كالأصنام .
قوله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ ، أي غير ظالم و لا متجاوز
حده ، و هما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطر إلى أكل شيء مما ذكر من
المنهيات اضطرارا في حال عدم بغيه و عدم عدوه فلا ذنب له في الأكل ، و أما لو اضطر
في حال البغي و العدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك ، و قوله
تعالى : { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، دليل على أن التجوز تخفيف و رخصة منه
تعالى للمؤمنين و إلا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضا .
قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ ،
تعريض لأهل الكتاب إذ عندهم شيء كثير من المحللات الطيبة التي حرمها كبراؤهم و
رؤساؤهم في العبادات و غيرها و عندهم الكتاب الذي لا يقضي فيه بالتحريم و لم يكتموا
ما كتموه إلا حفظا لما يدر عليهم من رزق الرئاسة و أبهة المقام و الجاه و المال .
و في الآية من الدلالة على تجسم الأعمال و تحقق نتائجها ما لا يخفى فإنه تعالى ذكر
أولا أن اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثم بدل
اختيار الكتمان و أخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التالية من اختيار
الضلالة على الهدى ثم من اختيار العذاب على المغفرة ثم ختمها بقوله: فَما
أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ، و الذي كان منهم ظاهرا هو الإدامة للكتمان و البقاء
عليها فافهم .
(بحث روائي)
في الكافي ، عن الصادق عليه السلام : في قوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ
وَ لا عادٍ الآية ، قال :
الميزان في تفسير القرآن ج1ص427
الباغي باغي الصيد ، و العادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها ،
هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة .
و في تفسير العياشي ، عن الصادق عليه السلام قال : الباغي الظالم ، و العادي الغاصب
.
و عن حماد عنه عليه السلام قال : الباغي الخارج على الإمام و العادي اللص .
و في المجمع ، عن أبي جعفر عليه السلام و أبي عبد الله عليه السلام : غير باغ على
إمام المسلمين و لا عاد بالمعصية طريق المحقين .
أقول: و الجميع من قبيل عد المصاديق ، و هي تؤيد المعنى الذي استفدناه من ظاهر
اللفظ .
و في الكافي ، و تفسير العياشي ، عن الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : { فَما
أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ الآية ، قال : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم
إلى النار .
و في المجمع ، عن علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام قال : ما أجرأهم على النار
.
و عن الصادق عليه السلام : ما أعملهم بأعمال أهل النار .
أقول: و الروايات قريبة المعاني ففي الأولى تفسير الصبر على النار بالصبر على سبب
النار ، و في الثانية تفسير الصبر على النار بالجرأة عليها و هي لازمة للصبر ، و في
الثالثة تفسير الصبر على النار بالعمل بما يعمل به أهل النار و مرجعه إلى معنى
الرواية الأولى .
http://www.alanbare.com/almezan