بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ]
وهي [ 286 ] آية
تفسير الآية 158 .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 385.
ملاحظة : ما بين القوسين
( ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة 158 .
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ |
|
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ
اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }
بيان : ( معنى ألفاظ كلمات الآية
)
( قوله تعالى : {إِنَّ
الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ...... })
الصفا و المروة : موضعان بمكة ، يأتي الحجاج بينهما بعمل السعي .
و هما : جبلان ، مسافة
بينهما ، سبعمائة و ستون ذراعا و نصف ذراع ، على ما قيل .
و أصل الصفا : في اللغة الحجر
الصلب الأملس .
و أصل المروة : الحجر الصلب .
و الشعائر : جمع شعيرة ، و هي العلامة ،
و منه المشعر .
و منه قولنا : أشعر ، الهدي أي أعلمه .
و الحج : هو القصد بعد القصد ،
أي القصد المكرر .
و هو : في اصطلاح الشرع ، العمل المعهود بين المسلمين .
و الاعتمار
: الزيارة ، و أصله العمارة لأن ، الديار تعمر بالزيارة ، و هو في اصطلاح الشرع زيارة
البيت بالطريق المعهود .
و الجناح : الميل عن الحق و العدل ، و يراد به الإثم ،
فيئول نفي الجناح إلى التجويز .
و التطوف : من الطواف ، و هو الدوران حول الشيء ، و
هو السير الذي ينتهي آخره إلى أوله .
و منه يعلم : أن ليس من اللازم كونه حول شيء ،
و إنما ذلك من مصاديقه الظاهرة ، و على هذا المعنى أطلق التطوف في الآية .
فإن المراد به : السعي ، و هو قطع ما بين الصفا و المروة من المسافة ، سبع مرات متوالية
.
+
( تحقيق معنى التطوع وتشريع الطواف )
و التطوع
: من الطوع ، بمعنى الطاعة .
و قيل :
إن التطوع : يفارق الإطاعة ، في أنه يستعمل في المندوب
خاصة ، بخلاف الإطاعة .
و لعل ذلك : لو صح هذا القول .
بعناية : أن العمل الواجب لكونه
إلزاميا ، كأنه ليس بمأتي به طوعا .
بخلاف : المأتي من المندوب ، فإنه على الطوع من غير
شائبة .
و هذا : تلطف عنائي .
و إلا : فأصل الطوع يقابل الكره ، و لا ينافي الأمر الإلزامي
.
قال تعالى : { فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً
(11) } فصلت .
و أصل : باب التفعل الأخذ لنفسه .
كقولنا : تميز ، أي أخذ يميز .
و تعلم الشيء : أي أخذ
يعلمه
و تطوع خيرا : أي أخذ يأتي بالخير بطوعه .
فلا دليل : من جهة اللغة , على اختصاص
التطوع بالامتثال الندبي ، إلا أن توجبه العناية العرفية المذكورة .
فقوله تعالى : { إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ...}
إلى قوله :
{ يَطَّوَّفَ بِهِما } .
يشير : إلى كون المكانين ، معلمين بعلامة الله سبحانه ، يدلان بذلك
عليه ، و يذكرانه تعالى .
و اختصاصهما : بكونهما من الشعائر ، دون بقية الأشياء جميعا .
يدل على : أن المراد بالشعائر ، ليست الشعائر
التكوينية .
بل هما : شعيرتان , بجعله تعالى إياهما
، معبدين يعبد فيهما .
فهما : يُذكران الله سبحانه .
فكونهما : شعيرتين ، يدل على أنه تعالى
، قد شرع فيهما عبادة متعلقة بهما .
و تفريع قوله : { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما } .
إنما هو : للإيذان ، بأصل تشريع السعي بين
الصفا و المروة ، لا لإفادة الندب .
و لو كان المراد : إفادة الندب ، كان الأنسب بسياق
الكلام ، أن يمدح التطوف ، لا أن ينفي ذمه .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص386 .
فإن حاصل المعنى :
أنه لما كان : الصفا و
المروة معبدين و منسكين من معابد الله ، فلا يضركم أن تعبدوه فيهما ، و هذا لسان
التشريع .
و لو كان المراد : إفادة الندب .
كان الأنسب : أن يفاد ، أن الصفا و المروة ، لما
كانا من شعائر الله ، فإن الله يحب السعي بينهما .
و هو : ظاهر و التعبير بأمثال هذا
القول ، الذي لا يفيد وحدة الإلزام في مقام التشريع .
وهو : شائع في القرآن .
وهو : كقوله تعالى
في الجهاد : { ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ (11) } الصف
.
و في الصوم : { وَ أَنْ
تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (184) } البقرة .
و في القصر : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (101) } النساء .
+
قوله تعالى : { وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً
فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ } .
إن
كان : معطوفا على مدخول فاء التفريع ، في قوله تعالى
: { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ
اعْتَمَرَ } .
كان : كالتعليل لتشريع التطوف بمعنى آخر ، أعم من العلة الخاصة
، التي تبين
بقوله : { إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ } .
و كان المراد : بالتطوع ، مطلق الإطاعة ، لا
الإطاعة المندوبة .
و إن كان : استئنافا بالعطف إلى أول الآية .
كان : مسوقا لإفادة محبوبية التطوف في نفسه ، إن كان المراد بتطوع الخير
، هو التطوف .
أو مسوقا : لإفادة محبوبية الحج و العمرة ، إن كان هما المراد بتطوع الخير
، هذا .
+
( والله شاكر عليم على الحقيقة بجعل إحسانه إحسان
إليه ) :
و الشاكر و العليم : اسمان من أسماء الله الحسنى
.
و الشكر : هو مقابلة من أحسن إليه
، إحسان المحسن ، بإظهاره لسانا أو عملا .
كمن : ينعم إليه المنعم بالمال .
فيجازيه : بالثناء
الجميل ، الدال على نعمته ، أو باستعمال المال في ما يرتضيه ، و يكشف عن إنعامه .
و
الله سبحانه : و إن كان محسنا ، قديم الإحسان ، و منه كل الإحسان ، لا يد لأحد عنده حتى
يستوجبه الشكر .
إلا أنه جل ثناؤه : عد الأعمال الصالحة ، التي هي في الحقيقة إحسانه إلى
عباده ، إحسانا من العبد إليه .
فجازاه : بالشكر و الإحسان ، و هو إحسان على إحسان
.
قال
تعالى : { هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ
(60) } الرحمن .
و قال تعالى : {
إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) } الدهر
.
فإطلاق : الشاكر عليه تعالى ، على حقيقة معنى الكلمة
، من غير مجاز .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص387 .
++++++
بحث روائي : ( في تشريع الطواف
بين الصفا والمروة وسنته )
في تفسير العياشي : عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام :
سألته : عن السعي بين الصفا و المروة , فريضة هي أم سنة ؟
قال عليه السلام : فريضة .
قلت : أ ليس الله يقول
: { فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
}
قال : كان ذلك في عمرة القضاء .
و ذلك : أن رسول الله كان شرط عليهم أن يرفعوا
الأصنام ، فتشاغل رجل من أصحابه ، حتى أعيدت الأصنام .
قال : فأنزل الله : { إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما } .
أي : و الأصنام عليها
أقول : و عن الكافي ، ما يقرب منه .
+
و في الكافي أيضا : عن الصادق عليه السلام : في حديث حج النبي عليه السلام
.
بعد ما
: طاف بالبيت , و صلى ركعتيه .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : {
إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ
اللَّهِ } .
فابدأ : بما بدأ الله عز و جل .
و إن المسلمين : كانوا يظنون ، أن السعي بين
الصفا و المروة ، شيء صنعه المشركون .
فأنزل الله : { إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ
شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ
يَطَّوَّفَ بِهِما } .
أقول : و لا تنافي بين الروايتين في شأن النزول ، و هو ظاهر
.
( لأن مع وجود الأصنام وظن المسلمين يتأكد أنها ليست مشرعة ، ولكن الله أكد تشريعها
)
و قوله عليه السلام : في
الرواية ، فابدأ بما بدأ الله ملاك التشريع .
و قد مضى : في حديث هاجر ، و سعيها سبع مرات
بين الصفا و المروة ، أن السنة جرت بذلك .
و في الدر المنثور : عن عامر الشعبي قال : كان وثن بالصفا يدعى إساف
، و وثن
بالمروة يدعى نائلة .
فكان : أهل الجاهلية ، إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما
، و يمسحون
الوثنين .
فلما : قدم رسول الله عليه السلام .
قالوا : يا رسول الله ، إن الصفا و المروة
إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين ، و ليس الطواف بهما من الشعائر .
فأنزل الله : { إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ
... } الآية .
فذكر : الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه ، و
أثبت المروة من جهة الصنم الذي كان عليه موثبا .
أقول :
و قد روى : الفريقان ، في المعاني السابقة ، روايات كثيرة .
و مقتضى : جميع هذه الروايات ، أن الآية نزلت في تشريع السعي
، في سنة حج فيها المسلمون .
و سورة البقرة : أول سورة نزلت بالمدينة .
و من هنا يستنتج : أن الآية غير متحدة السياق
، مع ما قبلها من آيات القبلة ، فإنها نزلت في السنة الثانية من الهجرة ،
كما تقدم .
و مع الآيات : التي في مفتتح السورة ، فإنها نزلت في السنة الأولى من
الهجرة ، فللآيات سياقات متعددة كثيرة ، لا سياق واحد .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص388 .