بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير القرآن
 للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ] وهي  [ 286 ] آية
تفسير الآية 152  .
الميزان في تفسير القرآن ج‏1ص 333.

الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي رحمه الله : تفسير سورة البقرة الآية 152
 
ملاحظة : ما بين القوسين (  ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا .

سورة البقرة 152 .

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ (152) }


بيان : معنى الذكر :
( نذكر الله تعالى لما أنعم علينا منها في الآيات السابقة )
لما امتن الله تعالى : على النبي و المسلمين ، بإرسال النبي الكريم منهم إليهم .
نعمة : لا تقدر بقدر ، و منحة على منحة ، و هو ذكر منه لهم ، إذ لم ينسهم في هدايتهم إلى مستقيم الصراط ، و سوقهم إلى أقصى الكمال .
و زيادة على ذلك : و هو جعل القبلة ، الذي فيه كمال دينهم ، و توحيد عبادتهم ، و تقويم فضيلتهم الدينية و الاجتماعية .
فرع على ذلك : دعوتهم إلى ذكره و شكره .
ليذكرهم : بنعمته على ذكرهم إياه بعبوديته و طاعته ، و يزيدهم على شكرهم لنعمته و عدم كفرانهم .
و قد قال تعالى‏ : { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى‏ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) } الكهف .
 و قال تعالى‏ : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) } إبراهيم  .
و الآيتان جميعا : نازلتان ، قبل آيات القبلة من سورة البقرة .
 

( مقابلة الذكر للغفلة والنسيان وآثاره من الحضور للمعلوم في الذهن )
ثم إن الذكر : ربما قابل الغفلة .
كقوله تعالى‏ : { وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (28) } الكهف  .
و هي : انتفاء العلم بالعلم ، مع وجود أصل العلم .
فالذكر : خلافه ، و هو العلم بالعلم .
و ربما : قابل النسيان ، و هو زوال صورة العلم عن خزانة الذهن ، فالذكر خلافه .
و منه قوله تعالى‏ : { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ‏ ..  } الآية .

و هو : حينئذ كالنسيان معنى ذو آثار ، و خواص تتفرع عليه .
و لذلك : ربما أطلق الذكر كالنسيان ، في موارد تتحقق فيها آثارهما ، و إن لم تتحقق أنفسهما .
فإنك : إذا لم تنصر صديقك ، و أنت تعلم حاجته إلى نصرك ، فقد نسيته ، و الحال أنك تذكره ، و كذلك الذكر .

و الظاهر
: أن إطلاق الذكر على الذكر اللفظي من هذا القبيل .
فإن التكلم : عن الشيء من آثار ذكره قلبا .
قال تعالى‏ : { قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) } الكهف  .
و نظائره كثيرة : و لو كان الذكر اللفظي أيضا ذكرا حقيقة ، فهو من مراتب الذكر ، لأنه مقصور عليه و منحصر فيه .
 

( للذكر مراتب وبعضها أعلى من حضور المعلوم للذكر )
و بالجملة :
 الذكر له مراتب :
كما قال تعالى‏ : { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) } الرعد  .
و قال‏ : { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (205) } الأعراف  .
و قال تعالى‏ : { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (200) } البقرة  ،
الميزان في تفسير القرآن ج1ص340
 فالشدة : إنما يتصف به المعنى دون اللفظ .
و قال تعالى‏ : { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى‏ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) } الكهف  .
و ذيل هذه الآية : تدل على الأمر برجاء ما هو أعلى منزلة مما هو فيه.
 فيئول المعنى : إلى أنك إذا تنزلت من مرتبة من ذكره ، إلى مرتبة هي دونها ، و هو النسيان .
فاذكر : ربك ، و ارج بذلك ما هو أقرب طريقا ، و أعلى منزلة .
فينتج : أن الذكر القلبي ذو مراتب في نفسه .
و بذلك : يتبين صحة قول ، القائل :
إن الذكر : حضور المعنى عند النفس ، فإن الحضور ذو مراتب .
و لو كان لقوله تعالى : { فَاذْكُرُونِي‏ } .
و هو فعل : متعلق بياء المتكلم حقيقة من دون تجوز.

 أفاد ذلك : أن للإنسان سنخا آخر من العلم ، غير هذا العلم المعهود عندنا .
الذي هو : حصول صورة المعلوم و مفهومه عند العالم .
إذ كلما : فرض من هذا القبيل ، فهو تحديد و توصيف للمعلوم من العالم .

و قد تقدست : ساحته سبحانه ، عن توصيف الواصفين .
قال تعالى‏ : { سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) } الصافات .
و قال : { وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) } طه  .
و سيجيء : بعض ما يتعلق بالمقام ، في الكلام على الآيتين إن شاء الله .

++

 بحث روائي ( في الذكر وفضله وآثاره )
تكاثرت الأخبار : في فضل الذكر ، من طرق العامة و الخاصة .
فقد روي : بطرق مختلفة .
 أن ذكر الله : حسن على كل حال .
و في عدة الداعي قال : و روي : أن رسول الله قد خرج على أصحابه .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ارتعوا في رياض الجنة .
 قالوا : يا رسول الله ، و ما رياض الجنة ؟
قال : مجالس الذكر ، اغدوا و روحوا و اذكروا .
 و من كان : يحب أن يعلم منزلته عند الله ، فلينظر كيف منزلة الله عنده .
فإن الله تعالى : ينزل العبد ، حيث أنزل العبد الله من نفسه .
و اعلموا : أن خير أعمالكم عند مليككم و أزكاها ، و أرفعها في درجاتكم ، و خير ما طلعت عليه الشمس ، ذكر الله تعالى .
 فإنه تعالى : أخبر عن نفسه ، فقال : أنا جليس من ذكرني .
و قال تعالى : فاذكروني ، أذكركم بنعمتي .
اذكروني : بالطاعة و العبادة ، أذكركم بالنعم و الإحسان و الراحة و الرضوان .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص341

و في المحاسن : و دعوات الراوندي ، عن الصادق عليه السلام ، قال :
 إن الله تبارك و تعالى يقول : من شغل بذكري عن مسألتي ، أعطيه أفضل ما أعطي من سألني .

و في المعاني : عن الحسين البزاز قال : قال : لي أبو عبد الله عليه السلام :
أ لا أحدثك : بأشد ما فرض الله على خلقه ؟ قلت : بلى .
قال عليه السلام :  إنصاف الناس من نفسك ، و مواساتك لأخيك .
و ذكر الله : في كل موطن .
أما إني لا أقول : سبحان الله ، و الحمد لله ، و لا إله إلا الله ، و الله أكبر ، و إن كان هذا من ذاك .
و لكن ذكر الله : في كل موطن ، إذا هجمت على طاعته أو معصيته .

أقول : و هذا المعنى مروي بطرق كثيرة عن النبي و أهل بيته صلى الله عليهم وسلم .
و في بعضها : و
هو قول الله : { الَّذِينَ اتَّقَوْا  إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ  تَذَكَّرُوا  فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ‏ ...(201) } الآية الأعراف .

و في عدة الداعي : عن النبي قال :
 قال سبحانه : إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي ، نقلت شهوته في مسألتي و مناجاتي .
 فإذا كان : عبدي كذلك ، و أراد أن يسهو ، حلت بينه و بين أن يسهو .
أولئك : أوليائي حقا ، أولئك الأبطال حقا .
أولئك : الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض عقوبة ، زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال .

و في المحاسن : عن الصادق عليه السلام قال :
قال الله تعالى : 
ابن آدم : أذكرني في نفسك ، أذكرك في نفسي .
ابن آدم : أذكرني في خلاء ، أذكرك في خلاء .
أذكرني : في ملأ ، أذكرك في ملأ خير من ملأك .
و قال : ما من عبد يذكر الله في ملأ من الناس ، إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة .

أقول : و قد روي هذا المعنى ، بطرق كثيرة في كتب الفريقين .
و في الدر المنثور : أخرج الطبراني ، و ابن مردويه ، و البيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود قال :
 قال رسول الله : من أعطي أربعا ، أعطي أربعا ، و تفسير ذلك في كتاب الله .
من أعطي : الذكر ، ذكره الله ، لأن الله يقول : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‏ ..(152)} .
 و من أعطي : الدعاء ، أعطي الإجابة ، لأن الله يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ ..(60)}غافر .
و من أعطي : الشكر ، أعطي الزيادة ، لأن الله يقول : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ‏ ..(7) } إبراهيم .
 و من أعطي : الاستغفار ، أعطي المغفرة ، لأن الله يقول : { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10) }نوح .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص342
و في الدر المنثور :  أيضا ، أخرج سعيد بن منصور ، و ابن المنذر ، و البيهقي في شعب الإيمان ، عن خالد بن أبي عمران قال : قال رسول الله :
من أطاع الله : فقد ذكر الله ، و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوته للقرآن .
و من عصى الله : فقد نسي الله ، و إن كثرت صلاته و صيامه و تلاوته للقرآن .

أقول : في الحديث إشارة إلى أن المعصية ، لا تتحقق من العبد إلا بالغفلة و النسيان .
فإن الإنسان : لو ذكر ما حقيقة معصيته،  و ما لها من الأثر ، لم يقدم على معصيته .
حتى أن : من يعصي الله و لا يبالي ، إذا ذكر عند ذلك بالله ، و لا يعتني بمقام ربه، .
هو : طاغ ، جاهل بمقام ربه ، و علو كبريائه ، و كيفية إحاطته .

و إلى ذلك : تشير أيضا رواية أخرى
، رواها الدر المنثور ، عن أبي هند الداري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الله : اذكروني بطاعتي ، أذكركم بمغفرتي .
و من ذكرني و هو مطيع ، فحق علي أن أذكره بمغفرتي .
و من ذكرني : و هو عاص ، فحق علي أن أذكره بمقت‏ ... الحديث .
و ما اشتمل : عليه هذا الحديث ، من الذكر عند المعصية .
هو الذي : تسميه الآية ، و سائر الأخبار ، بالنسيان ، لعدم ترتب آثار الذكر عليه .
 و للكلام بقايا : سيجيء شطر منها .
 

 

 

http://www.alanbare.com/almezan

 

 الميزان في تفسير الميزان

للعلامة محمد حسين الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية
استخرج التفسير الموضوعي منه ورتب فهارسه
 وأعد الصفحة للإنترنيت
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين