بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ]
وهي [ 286 ] آية
تفسير الآية 124 .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 267 .
ملاحظة : ما بين القوسين
( ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا
.
سورة البقرة من 124
{ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ |
|
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{
وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ
قالَ إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي
قالَ لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ (124) } البقرة
( تفسير الآية 124 من سورة البقرة : ببيان وتحقيق عميق واسع لمعنى الإمامة و
إثبات أمهات مسائلها ، و مجمل شأن نزول الآية ، و تحقيق وقوع قصة جعل الإمام
لإبراهيم وذريته عليهم السلام في آخر عمره ، و بيان معنى الابتلاء وهو الاختبار
والامتحان ، و معنى الكلمات وتمامهن في القرآن الكريم تحقق متعلقها في الخارج ، و
لا ينافي كون قوله سبحانه فعله أن الكلمات وتمامها أن تتحقق بالخارج ، و المراد
بالكلمات وإن إبراهيم أتمهن إتيانه ما أريد منه ، ورد معاني قيلت في تفسير معنى
الإمامة بالنبوة والرسالة والخلافة .. وبيان بطلانها ، و بيان الحق في معنى الإمامة
وهي الهداية التي تقع بأمر الله ، وإن الإمام يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه لصبره ويقينه
وله ولاية على العباد ، والإمام يسير بالعباد إلى الله في الدنيا والآخرة وهو مهتدي
بنفسه ، ويستنتج أن الإمام مهتدي فعال للخيرات بوحي وتأييد إلهي دون غيره ، و تحقيق
أن الظالمين في الآية مطلق من صدر منه ظلم ، و قد ظهر مما تقدم من البيان أمور سبعة
، و جواب إشكال إن النبوة ملازمة للإمامة ، و الإمامة والهداية بأمر الله للنبي
إبراهيم ولبعض ذريته وعقبه دائمة .
و بحث روائي : في مراتب ومقامات إبراهيم عليه السلام ، وبيان معنى العبودية واتخذ
الله إبراهيم عبدا وتوليه ، و معنى أنه أتخذه نبيا ورسولا وخليلا وإماما ، و أنه لا
يكون السفيه والظالم إمام التقي ) .
بيان : الإمامة و إثبات أمهات مسائلها :
( مجمل شأن نزول الآية )
شروع : بجمل من قصص إبراهيم عليه السلام .
و هو : كالمقدمة و التوطئة ، لآيات تغيير القبلة
، و آيات
أحكام الحج .
و ما معها : من بيان حقيقة الدين ، الحنيف الإسلامي .
بمراتبها : من أصول
المعارف ، و الأخلاق ، و الأحكام الفرعية الفقهية ، جملا .
و الآيات : مشتملة ، على قصة
اختصاصه تعالى إياه بالإمامة ، و بنائه الكعبة ، و دعوته بالبعثة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص267 .
++
( تحقيق وقوع قصة جعل الإمام لإبراهيم وذريته في
آخر عمره )
فقوله تعالى : { وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
....} .
إشارة : إلى قصة إعطائه
الإمامة ، و حبائه بها .
القصة : إنما وقعت ، في أواخر عهد إبراهيم عليه
السلام .
بعد كبره : و تولد
إسماعيل و إسحاق له .
و إسكانه : إسماعيل و أمه بمكة .
كما : تنبه به بعضهم أيضا .
و
الدليل : على ذلك .
قوله عليه السلام : على ما حكاه الله سبحانه
.
بعد قوله تعالى له : { إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماما قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي } .
فإنه عليه السلام : قبل مجيء الملائكة ، ببشارة
إسماعيل ، و إسحاق .
ما كان يعلم : و لا يظن ، أن سيكون له ذرية من بعده .
حتى أنه عليه السلام : بعد ما
بشرته الملائكة بالأولاد ، خاطبهم بما ظاهره اليأس و القنوط .
كما قال تعالى : { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ
بْراَهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا
قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53)
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
(54)
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) }
الحجر .
و كذلك زوجته : على ما حكاه الله تعالى في قصة .
بشارته أيضا إذ قال تعالى : { وَامْرَأَتُهُ
قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ
(71)
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ
هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) } هود .
و كلامهما : كما ترى ، يلوح منهما آثار اليأس و القنوط
.
و
لذلك : قابلتهما الملائكة بنوع كلام ، فيه تسليتهما و تطييب أنفسهما .
فما كان : هو ، و لا أهله
يعلم أن سيرزق ذرية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص268 .
و قوله عليه السلام : { وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي
} .
بعد
قوله تعالى : { إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماما }.
قول : من يعتقد لنفسه ذرية .
و كيف
: يسع ، من له أدنى دربة بأدب الكلام ، و خاصة مثل إبراهيم الخليل عليه
السلام .
في خطاب : يخاطب به ربه
الجليل ، أن يتفوه بما لا علم له به ؟
و لو كان : ذلك ، لكان من الواجب .
أن يقول : و من
ذريتي إن رزقتني ذرية ، أو ما يؤدي هذا المعنى .
فالقصة : واقعة كما ذكرنا ، في أواخر عهد
إبراهيم ، بعد البشارة .
على أن قوله تعالى :
{ وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ }
{ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماما }.
يدل : على أن هذه الإمامة
الموهوبة ، إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به ، من الامتحانات .
و ليست : هذه إلا
أنواع البلاء ، التي ابتلي عليه السلام بها في حياته .
و قد نص القرآن: على أن من أوضحها بلاء
.
قضية : ذبح إسماعيل .
قال تعالى : { قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ .. .... (102) } .
إلى أن قال : { إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) }
الصافات .
و القضية : إنما وقعت في كبر إبراهيم .
كما حكى الله تعالى عنه من قوله : {
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ ، وَ إِسْحاقَ ،
إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (41) } إبراهيم .
++
( بيان معنى الابتلاء وهو الاختبار والامتحان )
و لنرجع : إلى ألفاظ الآية .
فقوله تعالى : { وَ إِذِ
ابْتَلى إِبْراهِيمَ
رَبُّهُ }.
الابتلاء : و
البلاء ، بمعنى واحد .
تقول : ابتليته ، و بلوته ، بكذا ، أي امتحنته و اختبرته
.
إذا قدمت
: إليه أمرا ، أو أوقعته في حدث .
فاختبرته : بذلك ، و استظهرت ما عنده من الصفات النفسانية
، الكامنة عنده .
كالإطاعة : و الشجاعة ، و السخاء ، و العفة ، و العلم
، و الوفاء ، أو مقابلاته .
و لذلك : لا يكون الابتلاء ، إلا بعمل .
فإن الفعل : هو الذي يظهر به ، الصفات الكامنة من
الإنسان .
دون القول : الذي يحتمل الصدق و الكذب .
قال تعالى : { إِنَّا
بَلَوْناهُمْ
كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ (17) } ن .
و قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ
مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ
(249) } البقرة .
فتعلق الابتلاء
: في الآية ، بالكلمات .
إن كان : المراد بها الأقوال .
إنما هو : من جهة
تعلقها بالعمل .
و حكايتها : عن العهود ، و الأوامر المتعلقة بالفعل .
كقوله تعالى : { وَ
قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا
(83) } البقرة .
أي عاشروهم : معاشرة جميلة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص269 .
+
( معنى الكلمات وتمامهن في القرآن الكريم تحقق متعلقها في الخارج
)
و قوله : { بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ } .
الكلمات : و هي جمع كلمة .
و إن أطلقت : في القرآن ، على العين
الخارجي ، دون اللفظ و القول .
كقوله تعالى : { بِكَلِمَةٍ
مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (45) } آل عمران .
إلا أن ذلك : بعناية إطلاق القول
.
كما قال
تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ (59) } آل عمران .
و جميع : ما نسب إليه تعالى ، من
الكلمة في القرآن .
أريد بها : القول .
كقوله تعالى : { وَ لا
مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ
اللَّهِ (34) } الأنعام .
و قوله : { تَبْدِيلَ
لِكَلِماتِ اللَّهِ
(64) } يونس .
و قوله : { يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِماتِهِ (7) } الأنفال .
و قوله : { إِنَّ الَّذِينَ
حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ
رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) } يونس .
و قوله : { وَ لكِنْ حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذابِ (71) } الزمر
.
و قوله : { وَ كَذلِكَ حَقَّتْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) } المؤمن .
و قوله : { وَ لَوْ لا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ
رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ (14) } الشورى .
و قوله : { وَ
كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْي (41) } التوبة ،.
و قوله : {
قالَ فَالْحَقُّ ، وَ الْحَقَّ
أَقُولُ (84) } ص
.
و قوله: { إِنَّما
قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ
نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(40) }
النحل .
فهذه : و نظائرها ، أريد بها القول
.
بعناية : أن القول .
توجيه : ما يريد المتكلم ، إعلامه المخاطب ، ما عنده
، كما في الأخبار .
أو لغرض : تحميله عليه ، كما في الإنشاء .
+
و لذلك
: ربما تتصف ( الكلمة ) في كلامه تعالى
بالتمام .
كقوله تعالى : { وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ (115) } الأنعام .
و قوله تعالى : { وَ تَمَّتْ
كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ
(136) } الأعراف .
كأن الكلمة : إذا صدرت عن قائلها ، فهي ناقصة بعد ، لم تتم
.
حتى تلبس : لباس العمل ، و
تعود صدق .
+
( لا ينافي كون قوله سبحانه فعله أن الكلمات
وتمامها أن تتحقق بالخارج )
و هذا : لا ينافي كون
، قوله تعالى فعله .
فإن الحقائق : الواقعية ، لها حكم .
و للعنايات :
الكلامية اللفظية ، حكم آخر .
فما يريد : الله سبحانه
، إظهاره لواحد من أنبيائه أو
غيرهم ، بعد خفائه ، ( كما في الأخبار ) .
أو يريد : تحميله على أحد ، قول و كلام له .
لاشتماله : على غرض القول و
الكلام ، و تضمنه غاية الخبر و النبأ ، و الأمر و النهي
( في الإنشاء ).
الميزان في تفسير القرآن ج1ص270 .
و إطلاق : القول و الكلمة
، على
مثل ذلك ، شائع في الاستعمال ، إذا اشتمل على ما يؤديه القول و الكلمة .
تقول : لأفعلن
كذا و كذا ، لقول قلته ، و كلمة قدمتها .
و لم
تقل قول : و لا قدمت كلمة ، و إنما عزمت عزيمة ، لا تنقضها شفاعة شفيع ، أو وهن إرادة
.
و منه قول عنترة :
و قولي كلما جشأت و جاشت _ مكانك تحمدي أو
تستريحي
يريد بالقول : توطين نفسه على الثبات و العزم ، على لزومها مكانها
، لتفوز بالحمد إن
قتل ، و بالاستراحة إن غلب .
+++
( المراد بالكلمات وإن إبراهيم أتمهن إتيانه ما
أريد منه )
إذا عرفت ذلك :
ظهر لك : أن المراد .
بقوله تعالى : { بِكَلِماتٍ
} .
قضايا : ابتلي بها ( إبراهيم عليه السلام ) .
و
عهود إلهية : أريدت منه .
كابتلائه : بالكواكب ، و الأصنام ، و النار ، و الهجرة
، و تضحيته
بابنه ، و غير ذلك .
و لم يبين : في الكلام ، ما هي الكلمات
.
لأن الغرض : غير متعلق بذلك .
نعم
قوله : { قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِماما } .
من حيث : ترتبه على الكلمات .
تدل على
: أنها كانت أمورا ، تثبت بها لياقته عليه السلام ، لمقام الإمامة .
فهذه : هي الكلمات .
و أما إتمامهن : فإن كان الضمير
.
في قوله تعالى : { فَأَتَمَّهُنَّ
} .
راجعا : إلى إبراهيم عليه السلام .
كان معنى : إتمامهن ، إتيانه عليه
السلام ما أريد منه ، و امتثاله لما أمر به .
و إن كان : الضمير راجعا إليه تعالى ، كما هو الظاهر
.
كان المراد : توفيقه لما أريد منه ،
و مساعدته على ذلك .
+
و أما ما ذكره بعضهم :
أن المراد : بالكلمات
، قوله تعالى : { قالَ إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماما ...} إلى آخر الآيات
.
فمعنى : لا ينبغي الركون إليه .
إذ
لم يعهد : في القرآن إطلاق الكلمات ، على جمل الكلام .
++
( رد معاني قيلت في تفسير معنى الإمامة بالنبوة
والرسالة والخلافة .. وبيان بطلانها )
قوله تعالى : { إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماما
}.
أي مقتدى : يقتدي بك الناس .
و يتبعونك : في أقوالك
و أفعالك .
فالإمام : هو الذي يقتدي ، و يأتم به الناس .
و لذلك : ذكر عدة من المفسرين ،
أن
المراد به النبوة .
لأن النبي : يقتدي به أمته في دينهم .
قال تعالى : { وَ ما
أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ
(63) } النساء .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص271 .
لكنه :
في غاية السقوط .
أما أولا :
فلأن قوله : { إِماما
} ، مفعول ثان لعامله الذي هو .
قوله : { جاعِلُكَ } .
و اسم الفاعل : لا يعمل ، إذا كان بمعنى الماضي ، و إنما يعمل إذا كان
بمعنى الحال أو الاستقبال .
فقوله : { إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِماما } .
وعد : له عليه السلام ،
بالإمامة في ما سيأتي .
مع أنه : وحي ، لا يكون إلا مع نبوة .
فقد كان عليه السلام : نبيا ، قبل
تقلده الإمامة .
فليست : الإمامة في الآية ، بمعنى النبوة ، ذكره بعض
المفسرين .
و أما ثانيا :
فلأنا بينا : في صدر الكلام .
أن قصة الإمامة : إنما كانت في أواخر عهد
إبراهيم عليه السلام ، بعد مجيء البشارة له بإسحق و إسماعيل .
و إنما جاءت : الملائكة بالبشارة
، في مسيرهم إلى قوم لوط و إهلاكهم .
و قد كان : إبراهيم عليه السلام ، حينئذ نبيا مرسل .
فقد كان
: نبيا ، قبل أن يكون إماما .
فإمامته : غير نبوته .
+
و منشأ : هذا التفسير ، و ما يشابهه .
الابتذال : الطارئ على معاني الألفاظ ، الواقعة في
القرآن الشريف ، في أنظار الناس .
من تكرر : الاستعمال بمرور الزمن .
و من جملة : تلك الألفاظ
لفظ ، الإمامة .
ففسرها قوم : بالنبوة ، و التقدم ، و المطاعية مطلقا
.
فسرها آخرون : بمعنى
الخلافة ، أو الوصاية ، أو الرئاسة في أمور الدين و الدنيا ,
و كل ذلك : لم يكن .
فإن النبوة
معناها : تحمل النبإ من جانب الله .
و الرسالة معناها : تحمل التبليغ .
و المطاعية : و
الإطاعة ، قبول الإنسان ما يراه ، أو يأمره غيره ، و هو من لوازم النبوة و الرسالة
.
و
الخلافة : نحو من النيابة ، و كذلك و الوصاية .
و الرئاسة : نحو من المطاعية ، و هو
مصدرية الحكم في الاجتماع .
و كل هذه المعاني :
غير : معنى الإمامة .
التي هي : كون الإنسان
، بحيث يقتدي به غيره .
بأن يطبق : أفعاله و أقواله ، على أفعاله و أقواله ، بنحو التبعية
.
و
لا معنى : لأن يقال لنبي من الأنبياء ، مفترض الطاعة .
إني جاعلك : للناس نبيا ، أو مطاعا
، فيما تبلغه بنبوتك .
أو رئيسا : تأمر و تنهى في الدين ، أو وصي .
أو خليفة : في الأرض
، تقضي بين الناس في مرافعاتهم ، بحكم الله .
و ليست الإمامة : تخالف الكلمات السابقة
.
و تختص : بموردها .
بمجرد : العناية اللفظية فقط .
إذ لا يصح : أن يقال لنبي .
من لوازم : نبوته ، كونه مطاعا بعد نبوته .
إني جاعلك : مطاعا للناس
، بعد ما جعلتك كذلك .
و لا يصح : أن يقال له ما يئول إليه معناه .
و إن اختلف : بمجرد
عناية لفظية .
فإن : المحذور ، هو المحذور .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص272
+++
( بيان الحق في معنى الإمامة وهي الهداية التي
تقع بأمر الله )
و هذه المواهب : الإلهية
، ليست مقصورة على
مجرد المفاهيم اللفظية .
بل دونها : حقائق من المعارف
الحقيقية .
فلمعنى الإمامة : حقيقة ، وراء هذه الحقائق .
و الذي نجده : في كلامه تعالى .
أنه كلما : تعرض لمعنى الإمامة .
تعرض معها : للهداية ،
تعرض التفسير .
قال تعالى : في قصص إبراهيم عليه السلام :
{ وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ
يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (73) } الأنبياء
.
و قال سبحانه :
{ وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ
(24)
} السجدة .
فوصفها ( الإمامة ) : بالهداية
، وصف تعريف .
ثم قيدها ( الإمامة ) : بالأمر
.
فبين : أن الإمامة ، ليست
مطلق الهداية .
بل هي : الهداية التي تقع بأمر الله
.
و هذا الأمر
: هو الذي بين حقيقته
.
في قوله : { إِنَّما أَمْرُهُ
إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ (83) } يس
.
و
قوله : { وَ ما أَمْرُنا
إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) } القمر
.
و
سنبين : في الآيتين .
أن الأمر الإلهي : و هو الذي تسميه الآية المذكورة ،
بالملكوت .
وجه آخر
: للخلق ، يواجهون به الله سبحانه .
طاهر : مطهر من قيود الزمان و المكان .
خال : من التغير
و التبدل .
و هو المراد بكلمة : { كُنْ
} .
الذي : ليس إلا وجود الشيء العيني .
و هو قبال
: الخلق .
الذي هو : وجه آخر من وجهي الأشياء .
فيه : التغير و التدريج ، و الانطباق على قوانين
الحركة و الزمان .
و ليكن هذا : عندك على إجماله ، حتى يأتيك تفصيله إن شاء الله العزيز
.
+
( وإن الإمام يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه لصبره ويقينه
وله ولاية على العباد )
و بالجملة :
فالإمام : هاد ،
يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه .
فالإمامة : بحسب الباطن .
نحو : ولاية
للناس في أعمالهم .
و هدايتها ( الإمامة ) : إيصالها إياهم إلى المطلوب ، بأمر الله
.
دون مجرد : إراءة
الطريق ، الذي هو شأن النبي و الرسول .
و كل مؤمن : يهدي إلى الله سبحانه ، بالنصح و
الموعظة الحسنة .
قال تعالى : {
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ
اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ (4) } إبراهيم .
و قال تعالى في مؤمن آل فرعون : {
وَ قالَ الَّذِي آمَنَ
يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) } مؤمن
.
قال تعالى : {
فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ (122) } التوبة .
و سيتضح لك : هذا المعنى ، مزيد اتضاح .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص273 .
ثم إنه تعالى : بين سبب موهبة الإمامة
.
بقوله : { لَمَّا
صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا
يُوقِنُونَ (24)
} السجدة .
فبين : أن الملاك في ذلك ، صبرهم في جنب الله .
و قد أطلق :
الصبر .
فهو : في كل ما
يبتلي و يمتحن به ، عبد في عبوديته .
و كونهم : قبل ذلك موقنين
.
و قد ذكر : في جملة قصص
إبراهيم عليه السلام .
قوله : { وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ
الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) } الأنعام
.
و الآية : كما ترى تعطي بظاهرها .
أن إراءة : الملكوت
، لإبراهيم .
كانت : مقدمة ، لإفاضة اليقين عليه .
و يتبين به :
أن
اليقين : لا ينفك عن مشاهدة الملكوت .
كما هو ظاهر قوله تعالى : { كَلَّا لَوْ
تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) } التكاثر
.
و قوله تعالى
: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَّمَحْجُوبُونَ (15).... } إلى أن قال : { كَلَّا
إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (8) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
(19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ (21) } المطففين .
و هذه الآيات : تدل على أن المقربين ، هم
الذين لا يحجبون عن ربهم بحجاب قلبي .
و هو : المعصية ، و الجهل ، و الريب ، و الشك .
فهم : أهل
اليقين بالله .
و هم : يشهدون عليين ، كما يشهدون الجحيم .
+
و بالجملة :
فالإمام : يجب أن يكون إنسانا ،
ذا يقين .
مكشوفا له : عالم الملكوت
، متحققا
بكلمات من الله سبحانه .
و قد مر :
أن الملكوت : هو الأمر ، الذي هو الوجه الباطن من وجهي
هذا العالم .
فقوله تعالى : { يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
}.
يدل : دلالة واضحة ، على أن كل ما
يتعلق به أمر الهداية .
و هو : القلوب و الأعمال .
فالإمام : باطنه و حقيقته ، و وجهه الأمري ، حاضر عنده غير غائب عنه
.
و من المعلوم : أن القلوب و الأعمال .
كسائر الأشياء
: في كونها ذات وجهين .
فالإمام : يحضر عنده ، و يلحق به أعمال العباد ، خيرها و شره
.
و
هو : المهيمن على السبيلين جميع ، سبيل السعادة و سبيل الشقاوة .
+
( والإمام يسير بالعباد إلى الله في الدنيا والآخرة
وهو مهتدي بنفسه)
و قال تعالى أيضا : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ
بِإِمامِهِمْ (71) } الإسراء .
و سيجيء : تفسيره
بالإمام الحق ، دون كتاب الأعمال ، على ما يظن من ظاهره .
فالإمام : هو الذي يسوق الناس
، إلى الله سبحانه ، يوم تبلى السرائر .
كما أنه يسوقهم : إليه تعالى ، في ظاهر هذه الحياة الدنيا
و باطنه .
و الآية : مع ذلك تفيد .
أن الإمام : لا يخلو عنه زمان من الأزمنة ، و عصر من الأعصار
.
لمكان قوله تعالى : { كُلَّ أُناسٍ
} .
على ما سيجيء : في تفسير الآية من
تقريبه .
ثم إن : هذا المعنى .
أعني الإمامة : على شرافته و عظمته .
لا يقوم : إلا بمن كان سعيد
الذات بنفسه .
إذ الذي : ربما تلبس ذاته ، بالظلم و الشقاء .
فإنما سعادته : بهداية من
غيره .
و قد قال الله تعالى : { أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى (35) } يونس .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص274 .
و قد قوبل : في الآية .
بين : الهادي إلى الحق .
و بين : غير المهتدي إلا بغيره ،
أعني المهتدي بغيره .
و هذه المقابلة : تقتضي ، أن يكون .
الهادي : إلى الحق ، مهتديا بنفسه .
و أن المهتدي : بغيره ، لا يكون هاديا إلى الحق البتة .
( نعم : يكون المهتدي بغيره هادي للحق ، حين تعلمه من الهادي إلى الحق ، ولولاه
لهلك ، أو هو هالك إن لم يقتدي بالهادي بالحق ويتعلم منه حقيقة ويجعله إمام له
يقتدي به )
++
( ويستنتج أن الإمام مهتدي فعال للخيرات بوحي
وتأييد إلهي دون غيره )
و يستنتج من هنا أمران :
أحدهما :
أن الإمام : يجب أن يكون معصوما عن الضلال و المعصية
.
و إلا كان : غير مهتد بنفسه ، كما مر كم .
يدل عليه أيضا قوله تعالى : {
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ
(73) } الأنبياء .
فأفعال الإمام : خيرات
، يهتدي إليها لا بهداية من غيره .
بل باهتداء : من
نفسه ، بتأييد إلهي ، و تسديد رباني .
و الدليل عليه قوله تعالى : { فِعْلَ الْخَيْراتِ }
.
بناء على أن : المصدر المضاف ، يدل على الوقوع .
ففرق بين مثل
قولنا :
و أوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات ، فلا يدل على التحقق و الوقوع .
بخلاف قوله : { وَ
أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ } .
فهو يدل : على أن ما فعلوه من الخيرات
.
إنما هو : بوحي باطني ، و تأييد سماوي .
الثاني :
عكس : الأمر الأول .
و هو : أن من ليس بمعصوم
، فلا يكون إماما هاديا إلى الحق البتة .
+
( تحقيق أن الظالمين في الآية مطلق من صدر منه ظلم )
و بهذا البيان يظهر: أن المراد بالظالمين
.
في قوله تعالى : { قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي
قالَ لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ }
.
مطلق : من صدر عنه ظلم ما ، من شرك أو معصية .
و إن كان : منه ، في برهة من عمره ، ثم تاب و صلح .
+
و قد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه : عن تقريب دلالة على عصمة الإمام .
فأجاب : أن الناس بحسب القسمة العقلية .
على أربعة أقسام :
من كان : ظالما ، في جميع عمره .
و من لم يكن : ظالما ، في جميع عمره .
و من هو : ظالم في أول عمره ، دون آخره .
و من هو
: بالعكس هذا ( ظالم في آخر عمره دون أوله ) .
و إبراهيم عليه السلام :
أجل شأنا .
من أن يسأل : الإمامة ، للقسم الأول ، و الرابع من
ذريته .
فبقي قسمان : و قد نفى الله أحدهم .
و هو الذي : يكون ظالما في أول عمره ، دون آخره .
فبقي الآخر : و هو الذي يكون ، غير ظالم في جميع عمره
. انتهى .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص275 .
( ويا طيب : إن الكلام أعلاه تام ، وتتمته من باب الشرح .
هو أن الله تعالى قال : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) } لقمان .
ومن المعلوم : أن كل الصحابة كانوا مشركين بل كافرين قبل الإسلام ، فهم ممن تحقق
بالظلم .
فلا يستحق : أحدا منهم الإمامة ، لأنهم على أحسن التقدير ، هم من القسم الثالث ،
ممن ظلم أول عمره دون أخره .
وقد نفى : الله تعالى أن يستحق الإمامة ، أحدا منهم ، بعد أن كان نبي الله لم
يسأل لمن ظلم دائما ولا لم ظلم في أخر عمره دون أوله .
فبقي القسم الرابع : ممن لم يظلم أبدا في كل عمره .
وهو : من يستحق الإمامة ، بعد خروج الثلاثة .
فبقي : ممن لم يظلم في كل عمره ، وهو النبي الأكرم والإمام علي صلى الله عليهم وسلم ،
لأنهما لم يسجدا لصنم ولم يشركا.
فهم : من ذرية إبراهيم عليهم السلام ممن يستحق الإمامة .
ولذا قالوا : للإمام علي كرم الله وجه ، أي لم يسجد لصنم ، ولم يكن ظالم في أي لحظة
من حياته ، لا لنفسه ولا لغيره ، فضلا عن ظلمه لربه وكفران نعمته والشرك به .
فهو عليه السلام : الإمام الحق الهادي بأمر الله ، وهو صاحب اليقين ومولى الموحدين
حقا ، وغيره مهما كان حكم أم لا يجب أن يهتدي ويقتدي به وإلا لا يكون له حظا من
الهداية فضلا عن الإمامة ) .
++++
و قد ظهر مما تقدم من البيان أمور ( سبعة ):
الأول : إن الإمامة لمجعولة .
الثاني : أن الإمام يجب أن يكون معصوما ، بعصمة إلهية .
الثالث : أن الأرض و فيه الناس ، لا تخلو عن إمام حق .
الرابع : أن الإمام يجب أن يكون ، مؤيدا من عند الله تعالى .
الخامس : أن أعمال العباد ، غير محجوبة عن علم الإمام .
السادس : أنه يجب أن يكون عالما ، بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم و معادهم
.
السابع : أنه يستحيل أن يوجد فيهم ، من يفوقه في فضائل النفس .
فهذه سبع مسائل : هي أمهات مسائل الإمامة
.
تعطيها : الآية الشريفة ، بما ينضم إليها من
الآيات ، و الله الهادي .
+++
( جواب إشكال إن النبوة ملازمة للإمامة )
فإن قلت : لو كانت الإمامة .
هي : الهداية بأمر الله تعالى
.
و هي : الهداية إلى الحق
، الملازم مع الاهتداء بالذات ، كما استفيد .
من قوله تعالى : {... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ...
(35) } يونس .
كان : جميع الأنبياء أئمة قطعا .
لوضوح : أن
نبوة النبي ، لا تتم إلا باهتداء من جانب الله تعالى بالوحي .
من غير : أن يكون مكتسبا
من الغير ، بتعليم أو إرشاد و نحوهم .
و حينئذ : فموهبة النبوة
، تستلزم موهبة الإمامة .
و عاد : الإشكال إلى أنفسكم .
( أي يعود الإشكال : بأن إبراهيم عليه السلام هو نبي لما مر ، فلا معنى أن يقال
له صرت إماما ، ولا منه إضافية فيها ولا كرامة زائدة ، لاستلزام النبوة للإمامة ،
لأنه أهتدى بالحق لا من غيره .
والجواب كما سيأتي : أنه النبي مهتدي بالحق ، ولكن لا يشترط أنه يهدي بالحق ، فكم
نبي لم يؤمن به أحد ، حتى يكون هاديا بالحق ، وأنه تعالى ذكر كثير من الأنبياء
مهتدي بالحق ، ولم يقرنه أنه هاديا بالحق ، ولذا قد يكون نبيا وليس بإمام .
كما أنه مر : إن الإمامة ملازمة لليقين التام حتى رؤية الملكوت ، وأن أمر الله و
الروح ملازم لهم .
وكما بالتدبر : بسورة القدر أن الإمام يتجدد له العهد بكل أمر الله والروح منه
لبقاء ليلة القدر دائمة ، و في كل سنة تتجدد فيها العهود للإمام الحق الباقي مادامت
الدنيا ، وبه يتبين أن أمر الإمامة غير مطلق معنى النبوة ، بل لها أمر اتصال بأمر
الله وهو المعنى الملكوتي لوجهة الحق ، وتدبر الجواب الآتي ) .
+
قلت :
الذي : يتحصل من البيان السابق ، المستفاد من الآية .
أن الهداية : بالحق ، و هي الإمامة
.
تستلزم : الاهتداء بالحق .
و أما العكس :
و هو : أن يكون كل من اهتدى بالحق ، هاديا لغيره
بالحق .
حتى يكون : كل نبي لاهتدائه بالذات ،
إماما .
فلم : يتبين ، بعد .
و قد ذكر : سبحانه
.
هذا : الاهتداء بالحق ، من غير أن يقرنه بهداية الغير بالحق .
في قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ
وَيَعْقُوبَ
كُلاًّ هَدَيْنَا
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ
وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85)
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى
الْعَالَمِينَ (86)
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ
وَاجْتَبَيْنَاهُمْ
وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87)
ذَلِكَ هُدَى اللّهِ
يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ
فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ
بِهَا بِكَافِرِينَ (89)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى
لِلْعَالَمِينَ (90) } الأنعام .
و سياق الآيات : كما ترى
، يعطي .
أن هذه الهداية : أمر ، ليس من شأنه أن يتغير و يتخلف
.
( يا طيب : في الآيات ذكر كثير من الأنبياء عليهم السلام ، وهدايتهم بالحق ،
ولكن لم يشر إلى هدايتهم للغير ، والقصد أنه من يهتدي بهم يرى الطريق الحق ، و أما
أمر الإمامة هو الإيصال للهدى الحق ، لا مجرد أرائه للطريق كالنبوة ، وقد مر في أمر
الأئمة والإمامة .
قوله تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ( 73)
} الأنبياء .
فالإمام : يهدي بأمر الله ، ويفعل الخيرات ، أي يوصل للمطلوب ، أي من يتصل بهم يؤيد
بالأمر الإلهي حسب قربه ، دون الأهتداء بالحق أو أرائه للطريق فقط )
+++
( الإمامة والهداية بأمر الله للنبي إبراهيم ولبعض
ذريته وعقبه دائمة )
و أن هذه الهداية : لن ترتفع
بعد رسول الله عن أمته .
بل عن : ذرية إبراهيم
، منهم خاصة .
كما يدل عليه قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي
فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي
عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) } الزخرف .
فأعلم قومه : ببراءته في الحال .
و أخبرهم : بهدايته في المستقبل .
و هي : الهداية بأمر
الله حقا ، لا الهداية التي يعطيها النظر و الاعتبار ( الهداية العامة ) .
فإنها : كانت حاصلة .
مدلولا
عليها بقوله : { إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي
..} .
ثم
أخبر الله :
أنه جعل : هذه الهداية
.
كلمة باقية : في عقب إبراهيم
.
و هذا : أحد الموارد
.
التي أطلق : القرآن ، الكلمة فيها
.
على الأمر : الخارجي ، دون القول
.
كقوله تعالى : { وَ
أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها
(26) } الفتح .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص276.
+
و قد تبين بما ذكر :
أن الإمامة : في ولد إبراهيم بعده
.
و في قوله تعالى :
{ قالَ وَ
مِنْ ذُرِّيَّتِي
قالَ لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ }.
إشارة : إلى ذلك .
فإن
إبراهيم عليه السلام : إنما كان سأل الإمامة ، لبعض ذريته لا لجميعهم.
فأجيب : بنفيها عن
الظالمين
من ولده .
و ليس : جميع ولده ظالمين بالضرورة ، حتى يكون نفيها عن الظالمين
، نفيا لها عن
الجميع .
ففيه إجابة : لما سأله .
مع بيان : أنها عهد ، و عهده تعالى ، لا ينال الظالمين .
قوله تعالى : { لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ }.
في التعبير : إشارة إلى غاية بعد
الظالمين ، عن ساحة العهد الإلهي .
فهي : من الاستعارة بالكناية .
( وقد مر : أن من عبد صنم ظالم لا يستحق الإمامة ، وبقي من ذرية إبراهيم ، نبينا
الأكرم وآله الطيبين الطاهرين ، و هم كوثر الخير والبركة ، وجعلهم تعالى كلمة باقية
، وقد طهرهم ، وأمر بودهم ، وأصحاب ليلة القدر وأمر الله كله ، و راسخون بعلم
الكتاب ،وأتاهم الكتاب والحكمة ، دون من حسدهم ولم يتصل ولم يقتدي بهم ) .
============
+++++++
============
بحث روائي :
مراتب ومقامات إبراهيم عليه السلام :
في الكافي : عن الصادق عليه السلام :
أن الله عز و جل : اتخذ إبراهيم عبدا ، قبل أن يتخذه نبيا
.
و
أن الله : اتخذه نبيا ، قبل أن يتخذه رسولا .
و أن الله : اتخذه رسولا ، قبل أن يتخذه خليلا .
و أن الله : اتخذه خليلا ، قبل أن يتخذه إماما .
فلما جمع له الأشياء قال : { إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماما } .
قال عليه السلام : فمن عظمها في عين إبراهيم
.
قال : { وَ مِنْ
ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ
} .
قال عليه السلام : لا يكون السفيه
، إمام التقي
.
أقول :
و روي : هذا المعنى أيضا ، عنه بطريق آخر ، و عن الباقر ع بطريق آخر ، و رواه
المفيد عن الصادق عليه السلام .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص277 .
( معنى العبودية واتخذ الله إبراهيم عبدا وتوليه
)
قوله عليه السلام : إن الله اتخذ إبراهيم عبدا
، قبل أن يتخذه نبيا .
يستفاد ذلك من قوله تعالى : {
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (
51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا
هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا
عَابِدِينَ (53)
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ
مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ
الشَّاهِدِينَ (56) } الأنبياء . .
و هو : اتخاذ بالعبودية
، في أول أمر
إبراهيم .
و اعلم : أن اتخاذه تعالى أحدا من الناس عبدا ، غير كونه في نفسه عبدا
.
فإن العبدية : من
لوازم الإيجاد و الخلقة .
لا تنفك : عن مخلوق ذي فهم و شعور .
و لا تقبل : الجعل و
الاتخاذ .
و هو كون : الإنسان مثلا مملوك الوجود لربه ، مخلوقا مصنوعا له
.
سواء : جرى في
حياته على ما يستدعيه ، مملوكيته الذاتية ، و استسلم لربوبية ربه العزيز .
أو لم يجر : على ذلك .
قال تعالى : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي
الرَّحْمنِ عَبْدا (94) } مريم .
و إن كان : إذا لم يجر على رسوم العبودية ، و سنن
الرقية ، استكبارا في الأرض و عتوا .
كان : من الحري ، أن لا يسمى عبدا بالنظر إلى الغايات
.
فإن العبد : هو الذي أسلم وجهه لربه ، و أعطاه تدبير نفسه
.
فينبغي : أن لا يسمى
بالعبد ، إلا من كان عبدا في نفسه ، و عبدا في عمله ، فهو العبد حقيقة .
قال تعالى : { وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا (63) } الفرقان .
و على هذا :
فاتخاذه تعالى : إنسانا عبدا
.
و هو : قبول كونه عبدا .
و الإقبال عليه : بالربوبية
، هو الولاية .
و هو : تولي أمره ، كما يتولى الرب أمر عبده .
و العبودية : مفتاح للولاية .
كما يدل عليه قوله تعالى : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ
الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) } الأعراف
.
أي اللائقين : للولاية .
فإنه
تعالى : سمى النبي في آيات من كتابه بالعبد .
قال تعالى : { الَّذِي
أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ
الْكِتابَ (1) } الكهف .
و قال تعالى : { يُنَزِّلُ عَلى
عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ
(9) } الحديد .
و قال تعالى : { قامَ عَبْدُ
اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) } الجن .
فقد ظهر : أن الاتخاذ للعبودية
، هو الولاية .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص278 .
+++
( معنى أنه أتخذه نبيا ورسولا وخليلا وإماما )
و قوله عليه السلام : و أن الله اتخذه نبيا ، قبل أن يتخذه رسولا
.
الفرق : بين النبي و الرسول .
على
ما يظهر :
من الروايات المروية عن أئمة أهل البيت .
أن النبي : هو الذي يرى في المنام ما يوحى به
إليه .
و الرسول : هو الذي يشاهد الملك ، فيكلمه
و الذي يظهر : من قصص إبراهيم ، هو هذا الترتيب .
قال تعالى : { وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا
نَّبِيًّا (41)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا
يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42)} مريم .
فظاهر الآية : أنه عليه السلام ، كان صديقا نبيا حين يخاطب أباه بذلك
.
فيكون هذا : تصديقا لما أخبر به إبراهيم عليه السلام
.
في أول وروده على قومه : { إِنَّنِي
بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} الزخرف
.
و قال تعالى : { وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى
قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ (69) } هود .
و القصة : و هي تتضمن مشاهدة الملك و
تكليمه ، واقعة في حال كبر إبراهيم عليه السلام بعد ما فارق أباه و قومه .
+
و قوله عليه السلام : إن الله اتخذه رسولا ، قبل أن يتخذه خليلا
.
يستفاد ذلك من قوله تعالى : { وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيف وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا
(125) } النساء .
فإن ظاهره : أنه إنما اتخذه خليلا ، لهذه الملة الحنيفية
، التي شرعها
بأمر ربه .
إذ المقام : مقام ، بيان شرف ملة إبراهيم الحنيف .
التي تشرف : بسببها إبراهيم عليه السلام بالخلة .
و الخليل : أخص من الصديق .
فإن أحد : المتحابين .
يسمى : صديقا ، إذا صدق في
معاشرته و مصاحبته .
ثم يصير : خليلا ، إذا قصر حوائجه على صديقه ، و الخلة الفقر و
الحاجة .
و قوله عليه السلام : و أن الله اتخذه خليلا ، قبل أن يتخذه إماما
... .
يظهر معناه : مما تقدم من
البيان .
( وقد مر : معنى الإمامة وأنها في أخر عمره ، بعد أن أتم الكلمات ونجح في
الأختبارات الإلهية بأحسن ما يمكن من الطاعة ، وفي أول الحديث أيضا )
++++
( لا يكون السفيه والظالم إمام التقي )
و قوله : قال لا يكون السفيه ، إمام التقي .
إشارة إلى قوله تعالى : { وَ مَنْ يَرْغَبُ
عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي
الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ
أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) } البقرة
.
فقد : سمى الله
سبحانه ، الرغبة عن ملة إبراهيم
.
و هو : الظلم ،
سفه .
و قابلها : ( قابل
الرغبة عن ملة إبراهيم ) بالاصطفاء .
و فسر
الاصطفاء : بالإسلام .
كما يظهر بالتدبر في قوله : { إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ
} .
ثم جعل : الإسلام و التقوى واحدا ، أو في مجرى واحد .
في قوله : { اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } آل عمران
.
فافهم : ذلك .
++++
و عن المفيد : عن درست و هشام ، عنهم عليهم السلام .
قال : قد كان إبراهيم نبيا ، و ليس بإمام
.
حتى
قال الله تبارك و تعالى : { إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ
ذُرِّيَّتِي } .
فقال الله تبارك و تعالى : { لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
} .
من
عبد : صنما أو وثنا أو مثال ، لا يكون إماما .
أقول : و قد ظهر معناه مما مر .
و في أمالي الشيخ ، مسندا ، و عن مناقب ابن المغازلي مرفوعا
.
عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في الآية عن قول الله لإبراهيم
.
من سجد : لصنم دوني ، لا أجعله إمام .
قال صلى الله عليه وآله وسلم :
و انتهت الدعوة إلي ، و إلى أخي علي .
لم يسجد : أحدنا ، لصنم قط .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص279 .
و في الدر المنثور : أخرج وكيع و ابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب عن النبي .
في قوله : { لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } .
قال : لا طاعة إلا في المعروف .
و في الدر المنثور أيضا : أخرج عبد بن حميد عن عمران بن حصين
، سمعت النبي يقول:
لا طاعة : لمخلوق في معصية الله .
أقول : معانيها ظاهرة مما مر .
++
و في تفسير العياشي : بأسانيد عن صفوان الجمال قال :
كنا بمكة : فجرى الحديث ، في قول
الله : { وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
} .
قال عليه السلام :
فأتمهن ، بمحمد و علي و الأئمة من ولد علي .
في قول الله : { ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ
بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} آل
عمران.
أقول : و الرواية مبنية على كون المراد .
بالكلمة : الإمامة .
كما فسرت بها في قوله تعالى
: { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ
} الآية .
فيكون معنى الآية : { وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ }
.
هن ( الكلمات ): إمامته ،
و إمامة إسحاق و ذريته .
و أتمهن : بإمامة محمد ، و الأئمة من أهل بيته من ولد
إسماعيل .
ثم بين الأمر بقوله : { قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
} إلى آخر الآية .
( يا طيب : عرفت أنه فسرت الكلمات بأمور خارجية أبتلي بها ، وحصل منها نجاح إبراهيم بما أمر به ،
وظهار الرواية الأخيرة ، تفسير الكلمات بالإمامة ، هو تفسير بالنتيجة ، وحاصل إخلاص
عبودية إبراهيم عليه السلام لربه تعالى ، هو أن جعل له الإمامة بل ولذريته كتكريم
له وتشريف له ، وليعرف الإمام الحق فلا يتبع كل مدعي لها ، وبالخصوص حين أبعد
سبحانه الظالمين ممن أشرك ولو لحظة واحدة عن ساحة قدس الإمامة ، فبقي الطيبين
الطاهرين من ذرية إبراهيم ، وبالخصوص رسول الله وآله صلى الله عليهم وسلم ،
وهم المصطفين المجتبين من القربى الذي الله تعالى أمر بودهم ، وجعلهم كوثر الخير والبركة
وخصهم بليلة القدر ونزول كل أمرا حيكم لهم ، وبه يوصلون العباد ممن تبعهم لنعيم
الله بصراط مستقيم ) .
++
( و سيأتي إن شاء الله : في تفسير الآيات 125 - 129 من سورة البقرة : بيان
قصة بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة و ما يتعلق بها من دعائه للنبي و أمته و معنى
ذلك ، مع بيان معاني الآيات الكريمة ، و تحقيق معنى طلب إبراهيم وإسماعيل الإسلام
والمناسك وتوبتهما ، و جواب إشكال يمكن أن يراد المعنى المتعارف من طلب الإسلام
العام .
و بحث روائي :
في قصة : بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة ، و ما يتعلق بها من دعائه للنبي و أمته
، و معنى ذلك ، و ما أورد على ما ورد في فضائل الكعبة ، و الجواب عنه ، و حكم
الصلاة خلف مقام إبراهيم وتطهير البيت ودخوله ، و قصة زيارة إبراهيم لإسماعيل
وزوجاته ومعنى التطهير ، و قصة سبب نزول هاجر وإسماعيل مكة والسعي وجهرم وبنائها
البيت ، و بيان خوارق العادة والإعجاز في بناء البيت والحجر ونزول ما يماثلها من
خزائنه تعالى .
و تقرير إشكال أن روايات نزول الحجر والبيت من الجنة خرافة ، و رد أقوال المستشكل
بوجوه :
أولها : الروايات إذا لم تخالف النقل والعقل لا ترد ، و ثانيا : الأمور المادية
والاجتماعية لا تتحكم ولا ترد المعنوية ، و ثالثا : شرف البيت والحجر حقيقي وليس
اعتباري .
, و تحقيق رائق عميق في أن الأمة المسلمة نبي الرحمة وآله ، و رد إشكال بأن المراد
بالأمة جميعها وأنه اصطلاح مستحدث لا دليل له ، و بحث علمي في معنى قصة إبراهيم و
سر تشريع الحج )
http://www.alanbare.com/almezan