بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير القرآن
 للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة [ 2 ] وهي  [ 286 ] آية
تفسير الآيات من 108 إلى 115 .
الميزان في تفسير القرآن ج‏1ص 257 .

الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي رحمه الله : تفسير سورة البقرة الآيات 108  115
 ملاحظة : ما بين القوسين (  ) الهلاليين شرح من معد الصفحة وليس من التفسير .
سواء : عنوان ، أو غيره ، في داخل التفسير أو بعده ، كتب من معد الصفحة أو لا .

سورة البقرة من  108 - 115 .

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 

 
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى‏ مِنْ قَبْلُ
وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ
الْحَقُّ
فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (109)

 وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)

وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111)
 بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى‏ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَ قالَتِ النَّصارى‏ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ
وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
 وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى‏ فِي خَرابِها
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114)
وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115) } البقرة .

( في تفسير الآيات 108 - 105 من سورة البقرة : بيان : معنى سؤال الرسول .. والسبيل.. وأمر الله .. وحقيقة الإيمان .. ، معنى التوجه لله في أي جهة وتوسع القبلة وبيان ملك الله وإحاطته ، و بحث روائي في حكم التوجه للقبلة في الواجبة والنافلة )
 


بيان : ( سؤال الرسول .. والسبيل.. وأمر الله .. وحقيقة الإيمان .. )
قوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ.. (108)} .
 سياق الآية : يدل على أن بعض المسلمين ، ممن آمن بالنبي .
سأل : النبي صلى الله عليه وآله ، أمورا .
على حد : سؤال اليهود نبيهم موسى عليه السلام .
و الله سبحانه : وبخهم على ذلك ، في ضمن ما يوبخ اليهود بما فعلوا مع موسى و النبيين من بعده .
و النقل : يدل على ذلك .

قوله تعالى : { .. سَواءَ السَّبِيلِ (108) } .
أي مستوى : الطريق .

قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ..(109)} .
 نقل أنه : حي بن الأخطب ، و بعض من معه من متعصبي اليهود .

قوله تعالى : { .. فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا ..(109)} .
قالوا : إنها آية منسوخة بآية القتال (التوبة29).

قوله تعالى : { .. حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ..(109)} .
 فيه كما مر : إيماء إلى حكم ، سيشرعه الله تعالى في حقهم .
و نظيره قوله تعالى في الآية الآتية : { أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ  ..(114)  } .
مع قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (29) } التوبة  .
و سيأتي الكلام : في معنى الأمر .
في قوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (85) } إسراء  .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص258 .

قوله تعالى : { وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ..(111) } .
 شروع : في إلحاق النصارى باليهود تصريحا ، و سوق الكلام في بيان جرائمهم .
مع قوله تعالى : { بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ .. (112)} .
هذه : كرة ثالثة عليهم .
في بيان : أن السعادة لا تدور مدار الاسم .
و لا كرامة : لأحد على الله ، إلا بحقيقة الإيمان و العبودية .
أولاها : قوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا (62) } ، البقرة  .
و ثانيتها : قوله تعالى : { بَلى‏ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ (81) } البقرة .
و ثالثتها : هذه الآية ، و يستفاد من تطبيق الآيات .
تفسير : الإيمان ، بإسلام الوجه إلى الله .
و تفسير : الإحسان ، بالعمل الصالح .
+

قوله تعالى : { وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ (113) } .
 أي : و هم يعملون بما أوتوا من كتاب الله .
لا ينبغي لهم : أن يقولوا ذلك .
و الكتاب : يبين لهم الحق .
و الدليل على ذلك قوله : { كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ (113)} .
فالمراد : بالذين لا يعلمون ، غير أهل الكتاب من الكفار و مشركي العرب .
قالوا : إن المسلمين ليسوا على شي‏ء ، أو إن أهل الكتاب ليسوا على شي‏ء .
+

قوله تعالى : { وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ ... (114) } .
 ظاهر السياق : أن هؤلاء كفار مكة قبل الهجرة .
فإن : هذه الآيات نزلت ، في أوائل ورود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  المدينة .

قوله تعالى : { .. أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ .. (114) } .
 يدل : على مضي الواقعة و انقضائها .
لمكان قوله : { كانَ } .
 فينطبق : على كفار قريش و فعالهم بمكة .
كما : ورد به النقل ، أن المانعين كفار مكة .
كانوا : يمنعون المسلمين ، عن الصلاة في المسجد الحرام ، و المساجد التي اتخذوها بفناء الكعبة .
 

++
 

( معنى التوجه لله في أي جهة وتوسع القبلة وبيان ملك الله وإحاطته )
قوله تعالى : { وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ .. (115) } .
 المشرق و المغرب : و كل جهة من الجهات حيث كانت .
فهي لله : بحقيقة الملك ، الذي لا يقبل التبدل و الانتقال .
لا كالملك : الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع .
و حيث : إن ملكه تعالى ، مستقر على ذات الشيء ، محيط بنفسه و أثره .
 لا كملكنا : المستقر على أثر الأشياء و منافعه ، لا على ذاته .
و الملك : لا يقوم من جهة أنه ملك ، إلا بمالكه .
فالله سبحانه : قائم على هذه الجهات ، محيط بها ، و هو معها .
فالمتوجه : إلى شي‏ء من الجهات ، متوجه إليه تعالى .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص259 .
و لما كان : المشرق و المغرب جهتين إضافيتين ، شملتا سائر الجهات تقريبا .
إذ لا يبقى : خارجا منهما ، إلا نقطتا الجنوب و الشمال الحقيقتان .
و لذلك : لم يقيد إطلاق ، قوله { فَأَيْنَما } ، بهما .
بأن يقال : أينما تولوا منهما .
فكأن الإنسان : أينما ولى وجهه .
 فهناك : إما مشرق أو مغرب .

فقوله : { وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ .. } .
بمنزلة قولنا : و لله الجهات جميعا .
و إنما : أخذ بهما ، لأن الجهات التي يقصدها الإنسان بوجهه .
إنما تتعين : بشروق الشمس و غروبها ، و سائر الأجرام العلوية المنيرة .

قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } .
 فيه : وضع علة الحكم في الجزاء ، موضع الجزاء .
و التقديرو الله أعلم { فَأَيْنَما تُوَلُّوا } ، جاز لكم ذلك ، فإن وجه الله هناك .
و يدل : على هذا التقدير ، تعليل الحكم .
بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ } .
أي إن : الله واسع الملك و الإحاطة ، عليم بمقصودكم أينما توجهتم .
لا كالواحد : من الإنسان ، أو سائر الخلق الجسماني .
لا يتوجه إليه : إلا إذا كان في جهة خاصة .
و لا أنه : يعلم توجه القاصد إليه ، إلا من جهة خاصة ، كقدامه فقط .
فالتوجه : إلى كل جهة ، توجه إلى الله ، معلوم له سبحانه .

و اعلم : أن هذا توسعة في القبلة .
من حيث : الجهة لا من حيث المكان .
و الدليل عليه قوله : { وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ } .

 

======
+++
======


بحث روائي :
 ( حكم التوجه للقبلة في الواجبة والنافلة )
في التهذيب : عن محمد بن الحصين قال :
كتب  إلى عبد صالح ( الإمام الكاظم عليه السلام ) : الرجل يصلي في يوم غيم ، في فلاة من الأرض ، و لا يعرف القبلة .
فيصلي : حتى فرغ من صلاته ، بدت له الشمس ، فإذا هو صلى لغير القبلة ، يعتد بصلاته ، أم يعيدها ؟
فكتب : يعيد ما لم يفت الوقت .
أ و لم يعلم : أن الله يقول ، و قوله الحق : { فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } .

و في تفسير العياشي : عن الباقر عليه السلام :
 في قوله تعالى : { وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ ....} .
 قال عليه السلام : أنزل الله هذه الآية ، في التطوع خاصة : { فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ } .
 و صلى : رسول الله إيماء على راحلته ، أينما توجهت به .
حين : خرج إلى خيبر ، و حين رجع من مكة .
و جعل : الكعبة ، خلف ظهره .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص260
 

 ( قاعدتان تفسيريتان في العام والخاص و وحدة القضية في جملة لها قصتان )
أقول :
و روى العياشي أيضا : قريبا من ذلك ، عن زرارة عن الصادق عليه السلام.
 و كذا : القمي و الشيخ ، عن أبي الحسن عليه السلام ، و كذا الصدوق عن الصادق عليه السلام .

و اعلم :

 أنك : إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت ، حق التصفح .
في موارد : العام و الخاص ، و المطلق و المقيد ، من القرآن .
وجدتها : كثيرا ما تستفيد من العام حكم .
و من الخاص : أعني العام مع المخصص ، حكما آخر .
فمن العام : مثلا الاستحباب ، كما هو الغالب ، و من الخاص الوجوب .
و كذلك : الحال في الكراهة و الحرمة ، و على هذا القياس .
 و هذا : أحد أصول مفاتيح التفسير ، في الأخبار المنقولة عنهم ، و عليه مدار جم غفير من أحاديثهم .

و من هنا : يمكنك أن تستخرج منها ، في المعارف القرآنية .
قاعدتين :

إحداهما : أن كل جملة وحدها .
و هي : مع كل قيد من قيودها ، تحكي عن حقيقة ثابتة من الحقائق .
أو حكم : ثابت من الأحكام .
كقوله تعالى : { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) } الأنعام .
ففيه معان أربع :
الأول :
{ قُلِ اللَّهُ } .
 و الثاني : { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } .
 و الثالث: { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ } .
 و الرابع: { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }.
و اعتبر : نظير ذلك ، في كل ما يمكن .

و الثانية : أن القصتين أو المعنيين .
إذا اشتركا : في جملة أو نحوه .
فهما : راجعان إلى مرجع واحد .
و هذان : سران ، تحتهما أسرار .
و الله : الهادي .

( وسيأتي إن شاء الله : تفسير الآيات : 116 - 117 من سورة البقرة ، وفيها بيان : نفي الولد عنه تعالى ، و معنى سبحانه والقنوت والبديع ، و بحث روائي وتحقيق معنى أنه تعالى بديع ، و بحث علمي و فلسفي : في تميز الذوات وجودا ، و بداعة الإيجاد ) .

 

 

http://www.alanbare.com/almezan
 الميزان في تفسير الميزان
للعلامة محمد حسين الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية
استخرج التفسير الموضوعي منه ورتب فهارسه
 وأعد الصفحة للإنترنيت

خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين