بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الميزان في تفسير
القرآن
للعلامة السيد محمد
حسين الطباطبائي
تفسير سورة البقرة
إعداد للتفسير الموضوعي
تفسير : الآيات 35 إلى 39 من
سورة البقرة 2 .
{
وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ
وَ كُلا مِنْها رَغَداً
حَيْثُ شِئْتُما
وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
(35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ
وَ
قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(37)
قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا
بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
(39) } البقرة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 126 .
بيان : ( سبب إسكان آدم وزوجه الجنة وإخراجهما منها )
(الآيات الذاكرة لقصة جنة آدم عليه السلام )
( يا طيب : مر أن قصة
علم آدم الأسماء كلها ، لم تقع إلا مرة واحدة
في القرآن .
وهي سبب : الخلافة لآدم في الأرض ، وقد عرفت تفسيرها وأهمية التعليم .
في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ
عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي
بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) } البقرة .
والآن يتم
تفسير : آيات قصة إسكان آدم الجنة وخروجها منها وسببه }.
قوله تعالى : { قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ .... } .
على أن قصة : سجود الملائكة لآدم
، تكررت في عدة
مواضع من القرآن الكريم .
لم تقع : قصة الجنة ،
إلا في ثلاث مواضع :
+
أحدها : هاهنا من سورة البقرة :
( قوله تعالى : { قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ
.. }) .
+
الثاني : في سورة الأعراف .
قال الله تعالى : { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن
سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ
أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ
فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا
سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ
وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا
أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل
لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا
تُخْرَجُونَ (25) } الأعراف .
++
و الثالث: في سورة طه :
قال الله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلَّا إِبْلِيسَ
أَبَى (116)
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا
يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
إِنَّ لَكَ
أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ
لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ
الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
ثُمَّ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
(123)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ
كُنتُ بَصِيرًا (125)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)
} طه .
الميزان في تفسير القرآن
ج1ص 127.
++
و
سياق الآيات : و خاصة قوله تعالى في صدر القصة :
{ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً ..(30)} البقرة .
يعطي : أن آدم عليه السلام ،
إنما خلق ليحيا في الأرض و يموت فيها
.
++
و جنة آدم عليه السلام : ( أدخل ليختبر
ولتبدي سوآتهما بوسوسة الشطيان وليهبط للأرض )
و إنما أسكنهما الله :
الجنة ، لاختبارهما ، و لتبدو لهما
سوآتهما ، حتى يهبطا إلى الأرض .
و كذا سياق قوله تعالى في سورة طه : { فَقُلْنا يا
آدَمُ ...(116)} .
و في سورة الأعراف : { وَ يا آدَمُ اسْكُنْ .... (19)} .
حيث سبك : قصة الجنة ، مع قصة إسجاد
الملائكة ، كلتيهما ، كقصة واحدة متواصلة .
و بالجملة :
فهو عليه السلام : كان مخلوقا ليسكن الأرض .
و
كان الطريق : إلى الاستقرار في الأرض ، هذا الطريق .
و هو : تفضيله على الملائكة ، لإثبات
خلافته .
ثم أمرهم : بالسجدة .
ثم إسكان : الجنة .
و النهي : عن قرب الشجرة المنهية ، حتى
يأكلا منها .
فيبدو : لهما سوآتهما ، فيهبطا إلى الأرض .
فآخر العوامل :
للاستقرار : في الأرض،
و انتخاب الحياة الدنيوية .
وظهور السوءة : و هي العورة .
بقرينة قوله تعالى : { وَ طَفِقا
يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ (22) } الأعراف .
فهو : التمايل الحيواني .
و يستلزم
: التغذي ، و النمو أيضا .
فما كان : لإبليس هم ، إلا إبداء سوآتهما .
و آدم و زوجته : و إن كانا
قد سواهما الله تعالى ، تسوية أرضية بشرية ، ثم أدخلهما الجنة .
لم يمكثا : بعد التسوية ، و
لم يمهلا كثيرا ( في الأرض ) .
ليتم : في الدنيا ، إدراكهما لسوأتهما .
و لا لغيرها : من لوازم الحياة
الدنيا و احتياجاتها .
حتى أدخلهما الله : الجنة .
و أنه إنما أدخلهما الله : الجنة حين
أدخلهما ، و لما ينفصلا ، و لما ينقطع إدراكهما عن عالم الروح و الملائكة .
و الدليل على
ذلك قوله تعالى : { لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما ..(20)}
الأعراف .
و لم يقل : ما كان ووري
عنهما .
و هو مشعر : بأن مواراة
السوءة ما كانت ممكنة في الحياة الدنيا ، استدامة ، و إنما
تمشت دفعة ما .
و استعقب ذلك : إسكان الجنة .
فظهور السوءة :
كان مقضيا : محتوما ، في الحياة
الأرضية ، و مع أكل الشجرة .
و لذلك قال تعالى : { فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ
فَتَشْقى ..( 117) }طه .
و قال تعالى : {
فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ .. (36) }البقرة .
و أيضا هو تعالى : غفر
خطيئتهما بعد ما
تابا .
و لم
يرجعهما : إلى الجنة ، بل أهبطهما إلى الدنيا ، ليحييا فيها .
و لو لم تكن : الحياة الأرضية
، مع أكل الشجرة ، و ظهور السوءة .
حتما : مقضيا .
و الرجوع إلى الجنة
: مع ذلك محالا .
لرجعا
إليها : بعد حط الخطيئة .
فالعامل : في
خروجهما من الجنة ، و
هبوطهما .
هو :
الأكل : من الشجرة .
و
ظهور : السوءة .
و كان ذلك : بوسوسة الشيطان اللعين .
+
( بيان حقيقة العهد الذي أخذ على آدم فنسيه وأنه الميثاق على الربوبية )
و قد قال تعالى : في سورة طه.
في صدر
القصة : { وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ
لَهُ عَزْما (115) } طه .
ثم ساق : تعالى القصة .
فهل هذا العهد :
هو قوله تعالى : { لا تَقْرَبا هذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ..(19) } الأعراف ؟ ( أولاً ).
أو أنه قوله تعالى : { إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ ..} ؟ ( ثانيا ).
أو أنه العهد : بمعنى الميثاق العمومي ، المأخوذ من جميع بني الإنسان ، و
من الأنبياء خاصة بوجه آكد و أغلظ . ( ثالثا ).
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 128 .
+
و الاحتمال الأول : غير صحيح .
لقوله تعالى : {فَوَسْوَسَ
لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا
وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا
لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) } الأعراف الآيتان
.
فهما : قد كانا حين اقتراف الخطيئة ، و اقتراب الشجرة .
على ذكر : من النهي .
و قد قال
تعالى : { فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْم ..(115) }
طه .
فالعهد المذكور : ليس هو النهي عن قرب
الشجرة .
+
و أما الاحتمال الثاني : و هو أن يكون العهد المذكور .
هو : التحذير عن إتباع إبليس
، فهو و إن لم يكن بالبعيد ، كل البعيد .
لكن : ظواهر الآيات ، لا تساعد عليه .
فإن
العهد : مخصوص بآدم عليه السلام كما هو ظاهر الآية .
مع أن التحذير : عن إبليس كان لهما معا .
و أيضا ذيل الآيات : و هو على طبق صدرها في
سورة طه .
يناسب العهد : بمعنى الميثاق الكلي .
لا العهد : بمعنى التحذير عن إبليس .
قال
تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا
يَضِلُّ وَ لا يَشْقى (123)
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ... (124)}الآيات طه .
+
فبحسب التطبيق :
ينطبق
( العهد ) على قوله تعالى : { وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْك
(124)} طه .
على
نسيان العهد : و هو كما ترى .
مع العهد : بمعنى الميثاق على الربوبية و العبودية .
أنسب منه
: مع التحذير من إبليس .
إذ لا كثير مناسبة : بحسب المفهوم
، بين الإعراض عن الذكر
، و إتباع
إبليس .
و أما الميثاق : على الربوبية
، فهو له ( للعهد
) أنسب .
فإن الميثاق : على الربوبية .
هو : أن لا
ينسى الإنسان ، كونه تعالى ربا له .
أي مالكا : مدبرا .
أي لا ينسى : الإنسان أبدا ، و لا في
حال .
أنه : مملوك طلق .
لا يملك : لنفسه شيئا ، لا نفعا و لا ضرا ، و لا موتا و لا حياة ، و لا
نشورا .
أي : لا ذاتا ، و لا وصفا ، و لا فعل .
+++
( تحليل للفرق بين حياة المؤمن الذاكر لمقامة ربه تعالى وخطيئة المعرض
عنه )
و الخطيئة : التي تقابله ( تقابل العهد
).
هي : إعراض الإنسان
، عن ذكر مقام ربه .
و الغفلة : عنه ( سبحانه )
بالالتفات
إلى نفسه .
أو ما يعود : و يرجع إلى نفسه
، من زخارف الحياة الدنيا الفانية البالية ، هذا .
لكنك : إذا أمعنت النظر في الحياة الدنيا .
على اختلاف : جهاتها ، و تشتت أطرافها و أنحائها
.
و وحدتها و اشتراكها : بين المؤمن و الكافر .
وجدتها : بحسب الحقيقة و الباطن .
مختلفة : في
الموردين .
بحسب ذوق : العلم بالله تعالى ،
و الجهل به .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 129 .
+
فالعارف : بمقام ربه .
إذا نظر : إلى
نفسه .
و كذلك : إلى الحياة الدنيا الجامعة ، لأقسام الكدورات ، و أنواع الآلام .
و ضروب المكاره : من موت و حياة ، و صحة و سقم ، و سعة و إقتار ، و راحة و تعب ، و وجدان و
فقدان .
على أن الجميع : أعم مما في نفس الإنسان ، أو في غيره .
مملوكة : لربه .
لا استقلال : لشيء
منها و فيها .
بل الكل : ممن ليس عنده . ( سبحان
أي كل نقص وحاجة : في نفس الوجود الامكاني ، ليس من عند الله ، بل ظرف المخلوق
الحاجة والفقر ، وضيق الوجود المحدود ، , والتحول والتغير .
وإنما : من عند الله تعالى ، ليس هو ).
إلا الحسن و البهاء : و الجمال و الخير ، على ما
يليق بعزته و جلاله .
و لا يترشح : من لدنه ( تعالى ) إلا الجميل و الخير .
فإذا نظر إليها : ( نظر المؤمن إلى الدنيا )
و هي
هكذا ( مورد للحاجة والفقر والتزاحم ).
لم ير : مكروها يكرهه ، و لا مخوفا يخافه ، و لا مهيبا يهابه ، و لا محذورا يحذره .
بل يرى : كل ما يراه ، حسنا محبوبا .
إلا ما يأمره ربه : أن يكرهه و يبغضه ( فيكرهه ويحذره )
، و هو مع ذلك
يكرهه لأمره ( تعالى ) .
و يحب : ما يحب ، و يلتذ و يبتهج ، بأمره .
لا شغل له : إلا بربه .
كل ذلك : لما
يرى الجميع ، ملكا طلقا لربه .
لا نصيب : و لا حظ ، لشيء غيره ، في شيء منها .
فما له : و
لمالك الأمر ، و ما يتصرف به في ملكه ؟.
من : إحياء و إماتة ، و نفع و ضر ، و غيرها .
فهذه : هي
الحياة الطيبة ، التي لا شقاء فيها البتة .
و هي : نور لا ظلمة معه ، و سرور لا غم معه ، و
وجدان لا فقد معه ، و غنى لا فقر معه .
كل ذلك : بالله سبحانه .
و في مقابل : هذه الحياة .
+
حياة الجاهل : بمقام ربه .
إذ هذا المسكين : بانقطاعه عن ربه
.
لا يقع بصره : على موجود من
نفسه و غيره .
إلا رآه : مستقلا بنفسه ، ضارا أو نافعا ، خيرا أو شرا .
فهو : يتقلب في حياته
.
بين : الخوف عما يخاف فوته ، و الحذر عما يحذر وقوعه ، و الحزن لما يفوته .
و الحسرة : لما
يضيع عنه ، من جاه ، أو مال ، أو بنين ، أو أعوان .
و سائر : ما يحبه ، و يتكل و يعتمد عليه ، و
يؤثره .
كلما نضج : جلده ، بالاعتياد بمكروه ، و السكون إلى مرارة .
بدل : جلدا غيره .
ليذوق : العذاب
، بفؤاد مضطرب ، قلق ، و حشي ، ذائب ، محترق .
و صدر : ضيق حرج ، كأنما يصعد في السماء .
كذلك
: يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون .
+
إذا عرفت هذا :
علمت : أن مرجع الأمرين
.
أعني : نسيان
الميثاق ، و شقاء الحياة الدنيا
، واحد
.
و أن الشقاء : الدنيوي ،
من فروع نسيان الميثاق .
و هذا هو : الذي يشعر به كلامه سبحانه .
حيث أتى : بالتكليف الجامع
لأهل الدنيا ، في سورة
طه .
فقال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( 124) } طه .
و بدل ذلك : في هذه السورة ، من قوله : {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ
وَلَا يَشْقَى (123) } طه .
و من هنا تحدس : إن كنت ذا فطانة .
أن الشجرة : كانت شجرة
.
في اقترابها
: تعب الحياة الدنيا
و شقاؤها .
و هو : أن يعيش الإنسان في الدنيا ، ناسيا
لربه ، غافلا عن
مقامه
.
و أن آدم عليه السلام :
كأنه أراد أن يجمع بينها ( بين الشجرة )
، و بين الميثاق المأخوذ عليه .
فلم يتمكن : فنسي
الميثاق .
و وقع
: في تعب الحياة الدنيا .
ثم تدورك له : ذلك
، بالتوبة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 130.
====++++++++====
( تتمة تفسير الآيات 35 - 39 من سورة البقرة .)
( معاني الرغد و النهي عن القرب من الشجرة
وظلمهما لأنفسهم ) .
قوله تعالى : { وَ كُلا مِنْها رَغَد } .
الرغد : الهناء ، و طيب العيش .
و أرغد : القوم
مواشيهم ، تركوها ترعى كيف شاءت .
و قوم رغد : و نساء رغد ، أي ذوو عيش رغيد .
+
و قوله تعالى : { وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ } .
و كأن النهي
: إنما كان عن أكل
الثمرة .
و إنما : تعلق بالقرب من الشجرة .
إيذانا : بشدة النهي ، و مبالغة في التأكيد .
و يشهد
بذلك :
قوله تعالى : { فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُم
(22) } الأعراف .
و قوله تعالى : { فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُم (121) } طه .
فكانت
: المخالفة بالأكل ، فهو المنهي عنه .
بقوله : { وَ لا تَقْرَبا } .
+
قوله تعالى : { فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
} .
من الظلم : لا من الظلمة ، على ما احتمله
بعضهم .
و قد اعترفا : بظلمهما .
حيث قالا : على ما حكاه الله تعالى عنهم :
{ رَبَّنا
ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا
(23) } الأعراف .
إلا أنه تعالى : بدل في سورة طه هذه الكلمة .
أعني قوله : { فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
(35) } البقرة .
من قوله : { فَتَشْقى ( 117) } طه.
و الشقاء : هو التعب ، ثم فسر التعب و فصله .
فقال : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا
تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119).. } طه .
و من هنا يظهر :
أن وبال : هذا الظلم .
إنما كان هو : الوقوع في تعب حياة هذه الدنيا ، من جوع
و عطش ، و عراء و عناء .
و على هذا : فالظلم منهما .
إنما هو : ظلمهما لأنفسهما .
لا بمعنى
: المعصية المصطلحة ، و الظلم على الله سبحانه .
و من هنا يظهر أيضا : أن هذا النهي .
أعني
قوله : { وَ لا تَقْرَبا } .
إنما كان : نهيا تنزيهيا إرشاديا .
يرشد به : إلى ما فيه خير
المكلف ، و صلاحه ، في مقام النصح .
لا نهيا : مولوي .
فهما : إنما ظلما أنفسهما في ترك الجنة .
على أن : جزاء المخالفة .
للنهي : المولوي ، التكليفي
.
يتبدل : بالتوبة إذا قبلت .
و لم يتبدل : في موردهما .
فإنهما : تابا ،
و قبلت توبتهما ،
و لم يرجعا إلى ما كانا فيه من الجنة .
و لو لا أن : التكليف إرشادي
، ليس له إلا التبعة التكوينية ،
دون التشريعية .
لاستلزام : قبول التوبة .
رجوعهما : إلى ما كانا فيه من مقام
القرب .
و سيأتي : لهذا الكلام بقية ، فيما سيأتي ، إن شاء الله .
+
( يا طيب : تابع البحث لتعرف الفرق بين الأمر والنهي الإرشادي المستلزم لبيان
المصالح والمفاسد الدنيوية التكوينية ، والأمر النهي المولوي المستوجب للثواب
والعقاب الإلهي ، وآثارهم ) . ) .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 131 .
+
( أدم وحواء كانا يشاهدان الشيطان في الجنة التي كانا
فيها ويعرفون وسوسته )
قوله سبحانه : {
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ } .
الظاهر : من هذه الجملة ، كنظائرها .
و إن لم يكن : أزيد من وسوسة الشيطان لهما .
مثل ما : يوسوس لنا بني آدم .
على نحو : إلقاء الوسوسة في
القلب ، من غير رؤية الشخص .
لكن الظاهر : من أمثال قوله تعالى .
في سورة طه : { فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ
( 117) } طه .
يدل : على أنه تعالى أراهما الشيطان ، و عرفهما إياه بالشخص و
العين ، دون الوصف .
و كذا قوله تعالى حكاية عن الشيطان : { يا آدَمُ
هَلْ أَدُلُّكَ
عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ..... (120) } طه .
حيث : أتى بالكلام ، في صورة حكاية الخطاب .
و يدل ذلك
: على متكلم ، مشعور به .
و كذا قوله تعالى في سورة الأعراف : { وَ
قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ
النَّاصِحِينَ (21) } الأعراف.
و القسم : إنما يكون ، من مقاسم مشعور به .
و كذا قوله تعالى : { وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ
(22) }
الأعراف .
كل
ذلك : يدل على أنه ، كان يتراءى لهما ، و كانا يشاهدانه .
و لو كان : حالهما عليهما السلام .
مثل حالنا : من عدم المشاهدة حين الوسوسة .
لجاز لهما أن يقولا : ربنا
إننا لم نشعر ( بإبليس ووسوته ) .
و خلنا : أن هذه الوساوس هي من أفكارنا
، من غير استشعار بحضوره .
و لا قصد
( لنا ) : لمخالفة ما وصيتنا به ، من التحذير من وسوسته .
و بالجملة :
فهما : كانا يشاهدانه و يعرفانه .
و الأنبياء : و هم المعصومون بعصمة الله
، كذلك يعرفونه و يشاهدونه ، حين تعرضه بهم لو تعرض .
على ما وردت : به الروايات ، في نوح و
إبراهيم ، و موسى و عيسى ، و يحيى و أيوب ، و إسماعيل و محمد صلى الله عليهم وسلم ، هذا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 132 .
و كذا : ظاهر هذه الآيات ، كظاهر قوله تعالى : {
ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ
الشَّجَرَةِ ..... (20) } الأعراف .
حيث ينبئ : عن كونهما عليهما السلام
معه لعنه الله ، بحيال الشجرة في الجنة .
فقد كان : دخل الجنة ، و
صاحبهما ، و غرهما بوسوسته .
و لا محذور فيه : إذ لم تكن الجنة
، جنة الخلد ، حتى لا يدخلها
الشيطان .
و الدليل : على ذلك .
خروجهم :
جميعا ، من هذه الجنة .
و أما قوله تعالى خطابا لإبليس : { فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ
أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) } الأعراف .
فيمكن : أن يكون المراد به :
الخروج
: من الملائكة .
أو الخروج : من السماء من جهة كونها مقام قرب و تشريف
.
+
( خلاصة قصة آدم وقضاء الله فيها من الهبوط
والعداوة والسجود وطريقي الرجوع إليه )
قوله تعالى : { وَ
قُلْنَا اهْبِطُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ..... (36) }
البقرة .
ظاهر السياق
: أنه خطاب لآدم و زوجته
و إبليس .
و قد خص : إبليس وحده بالخطاب ، في سورة الأعراف .
حيث
قال : {... فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها
.... (13) } الأعراف .
فقوله
تعالى : {
اهْبِطُوا } ، كالجمع : بين الخطابين .
و حكاية : عن قضاء .
قضى الله به : العداوة ،
بين إبليس لعنه الله ،
و بين آدم و زوجته و ذريتهما .
و كذلك : قضى به .
حياتهم : في الأرض ، و موتهم فيها ، و
بعثهم منه .
و ذرية آدم : مع آدم في الحكم .
كما ربما يستشعر من ظاهر قوله :
{ فِيها تَحْيَوْنَ وَ
فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ .... (25) } الأعراف .
و كما سيأتي في قوله تعالى : { وَ
لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ ...(11) } الآية من سورة الأعراف .
إن إسجاد : الملائكة لآدم عليه السلام .
إنما كان : من جهة أنه ، خليفة أرضي .
فكان : المسجود له آدم ، و
حكم السجدة لجميع البشر .
فكان : أقامه آدم عليه السلام
، مقام المسجود له .
معنونا بعنوان : الأنموذج
، و النائب .
و بالجملة :
يشبه : أن تكون هذه القصة
، التي قصها الله تعالى .
من إسكان : آدم و زوجته
الجنة .
ثم إهباطهما : لأكلهما من الشجرة .
كالمثل : يمثل به .
ما كان : الإنسان فيه ، قبل نزوله إلى
الدنيا .
من السعادة : و الكرامة ، بسكونه حظيرة القدس .
و منزل : الرفعة و القرب ، و دار
نعمة و سرور ، و أنس و نور .
و رفقاء : طاهرين ، و أخلاء روحانيين ، و جوار رب العالمين .
ثم إنه يختار ( أدم وزوجه )
: مكانه .
كل تعب : و عناء ، و مكروه و ألم .
بالميل : إلى حياة فانية ، و جيفة
منتنة دانية .
ثم إنه : لو رجع ، بعد ذلك إلى ربه .
لأعاده : إلى دار كرامته و سعادته .
و لو
لم : يرجع إليه ، و أخلد إلى الأرض ، و اتبع هواه .
فقد : بدل
نعمة الله كفرا ، و أحل بنفسه دار
البوار .
جهنم : يصلاها ، و بئس القرار .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 133 .
+++
( توبة آدم محفوفة بتوبتين من الله وللأسماء
التي تعلمها دخل فيها )
قوله تعالى : {
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ
كَلِماتٍ فَتابَ
عَلَيْهِ (37) } البقرة .
التلقي : هو التلقن .
و هو : أخذ الكلام مع فهم و فقه .
و هذا التلقي : كان هو الطريق ، المسهل لآدم عليه السلام توبته .
و من ذلك يظهر :
أن التوبة
: ( وهي الرجوع ) ، توبتان :
توبة : من الله تعالى
، و هي الرجوع إلى العبد
بالرحمة .
و توبة : من العبد ، و هي الرجوع إلى الله ، بالاستغفار ، و الانقلاع من
المعصية
.
و توبة العبد : محفوفة ،
بتوبتين من الله تعالى .
فإن العبد : لا يستغني عن ربه ، في حال من
الأحوال .
فرجوعه : عن
المعصية إليه ، يحتاج إلى توفيقه تعالى
، و إعانته و رحمته ،
حتى
تتحقق منه التوبة .
ثم تمس : الحاجة ، إلى قبوله تعالى و عنايته و رحمته .
فتوبة
العبد : إذا قبلت .
كانت : بين
توبتين من الله .
كما يدل عليه قوله تعالى : { ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ
لِيَتُوبُوا (119) } التوبة .
و قراءة : نصب {آدَمَ }
( { فَتَلَقَّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
فَتابَ عَلَيْهِ (37) } البقرة ، و رفع
{ كلماتٌ } ، تناسب هذه النكتة .
و إن كانت : القراءة الأخرى ، و هي
قراءة رفع آدم ، و نصب كلمات لا تنافيه أيضا .
+
و أما أن :
هذه الكلمات
، ما هي ؟
فربما : يحتمل أنها
، هي ما يحكيه الله تعالى عنهما ، في
سورة الأعراف .
بقوله تعالى : { قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا
وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ... (23) } الأعراف .
إلا أن :
وقوع : هذه
الكلمات ، أعني قوله : { قالا رَبَّنا ظَلَمْنا ...
(23)} الأعراف.
قبل قوله : {
قُلْنَا اهْبِطُوا } في سورة الأعراف .
و وقوع قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ .....(37) } البقرة .
بعد قوله : { قُلْنَا
اهْبِطُوا } في هذه السورة .
لا يساعد عليه : ( أن تكون التوبة بكلمات { قالا ربنا ظلمنا ...} ) .
لكن هاهنا شيء :
و هو أنك : عرفت في صدر القصة .
أن الله تعالى حيث قال : { إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (30) } البقرة.
قالت الملائكة : { أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ....(30)
} البقرة .
و
هو تعالى : لم يرد عليهم دعواهم ،
على الخليفة الأرضي ، بما رموه به ، و لم يجب عنه بشيء
.
إلا أنه تعالى : { .. عَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا .. (31) } البقرة .
و لو لا أنه : كان فيما صنعه تعالى ،
من تعليم الأسماء .
ما يسد : باب اعتراضهم ذلك .
لم
ينقطع : كلامهم ، و لا تمت الحجة عليهم قطعا .
ففي جملة :
ما علمه : الله تعالى آدم ، من
الأسماء .
أمر :
ينفع : العاصي إذا عصى .
و المذنب : إذا أذنب .
فلعل : تلقيه من ربه ، كان متعلقا
بشيء من تلك الأسماء .
فافهم : ذلك .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 134 .
++
( آثار خطيئة آدم ونزوله وبتوبته ظهور فقره
وأسماء حسنى وتشريع الدين )
و اعلم : أن آدم عليه السلام .
و إن ظلم : نفسه ،
في إلقائها إلى شفا جرف الهلكة .
و منشعب : طريقي
السعادة و الشقاوة .
أعني : الدنيا .
فلو وقف : في مهبطه ، فقد هلك .
و لو رجع :
إلى سعادته
الأولى ، فقد أتعب
نفسه و
ظلمها .
فهو عليه السلام : ظالم لنفسه على كل تقدير .
+
إلا أنه عليه السلام : هيأ
لنفسه .
بنزوله : درجة من السعادة ، و منزلة من الكمال .
ما كان : ينالها ،
لو لم ينزل .
و كذلك : ما كان
ينالها ، لو نزل من غير خطيئة .
فمتى : كان يمكنه .
أن يشاهد : ما لنفسه .
من : الفقر و المذلة ، و المسكنة و الحاجة ، و القصور .
و
له : في كل ما يصيبه .
من : التعب و العناء ، و الكد .
روح و راحة : في حظيرة القدس ، و جوار رب
العالمين .
+
فلله تعالى : صفات .
من : عفو و مغفرة ، و توبة و ستر ، و فضل ، و رأفة و رحمة
، لا
ينالها إلا المذنبون .
و له : في أيام الدهر ، نفحات .
لا يرتاح : بها
، إلا المتعرضون .
فهذه التوبة : هي التي استدعت .
تشريع الطريق : الذي يتوقع سلوكه .
و تنظيف المنزل : الذي
يرجى سكونه .
فوراءها : تشريع الدين ، و تقويم الملة .
+
و يدل على ذلك : ما تراه .
أن الله تعالى : يكرر في كلامه ، تقدم التوبة على الإيمان .
قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ
وَ مَنْ تابَ مَعَكَ (112) } هود .
و قال : { وَ
إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ
وَ آمَنَ (82) } طه .
إلى غير ذلك : من الآيات .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 135.
++
( قصة أدم في الجنة أوجبت قضائين بالأكل الهبوط
وبالتوبة تطيب الحياة )
قوله تعالى : { قُلْنَا
اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي
هُدىً .. (38) } البقرة .
و هذا : أول ما شرع من الدين ، لآدم عليه السلام و ذريته .
أوجز الدين كله : في جملتين
، لا يزاد عليه شيء إلى يوم القيامة .
و أنت : إذا تدبرت هذه القصة .
قصة الجنة : و خاصة ما وقع في سورة طه .
وجدت : أن المستفاد
منها .
أن جريان القصة : أوجب قضائين منه تعالى ، في آدم و ذريته .
فالأكل : من الشجرة .
أوجب : حكمه
تعالى و قضاءه .
بالهبوط : و الاستقرار في الأرض ، و الحياة فيها .
تلك الحياة : الشقية ، التي حذرا منها ، حين
نُهيا عن الاقتراب من الشجرة هذا .
و أن التوبة : ثانيا .
تعقب : قضاء ، و حكما ثانيا ، منه تعالى .
بإكرام : آدم و ذريته ، بالهداية
إلى العبودية .
فالمقضي :
أولا : كان نفس الحياة الأرضية .
ثم بالتوبة
: طيب الله تلك الحياة
.
بأن ركب عليها : الهداية إلى العبودية .
فتألفت الحياة : من حياة أرضية ، و حياة سماوية .
+
و هذا هو : المستفاد .
من تكرار : الأمر بالهبوط ، في هذه السورة .
حيث قال تعالى : { وَ قُلْنَا
اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ ... (36) } البقرة .
و قال تعالى : { قُلْنَا
اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...(38) } البقرة .
++++
( توبة آدم كانت في أول خروجه من الجنة التي في
السماء وهي ليس جنة الخلد)
و توسيط : التوبة
بين الأمرين بالهبوط .
مشعر : بأن التوبة وقعت .
و لما : ينفصلا
من الجنة .
و
إن لم يكونا : أيضا فيها ، كاستقرارهما فيها قبل ذلك .
يشعر : بذلك أيضا .
قوله تعالى : {... وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ
تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ... (22) } الأعراف .
بعد ما قال لهما : { ... لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
.... (19) } الأعراف .
فأتى بلفظة : {.. تِلْكُمَا .. (22) } الأعراف .
و هي : إشارة إلى البعيد .
بعد ما أتى بلفظة : { .. هَذِهِ .. (19) } الأعراف .
و هي : إشارة إلى القريب .
و عبر
بلفظة : { .. وَ ناداهُما .. (22) } الأعراف .
نادى : و هي للبعيد .
بعد ما أتى بلفظة : قال .
و هي : للقريب ، فافهم .
( يا طيب : الظاهر { قال } ، هو ما جاء في أول قصة آدم في سورة البقرة { قَالَ
يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ .... (33)} البقرة .
وفي الأعراف أول قصة آدم : { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... (19) }
الأعراف ، والآيات لقصة واحدة ) .
+
و اعلم :
أن ظاهر قوله تعالى : { وَ قُلْنَا
اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
وَ
لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ .... (36) } البقرة .
و قوله تعالى :
{ قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ (25) } الأعراف
.
أن نحو :
هذه الحياة (الأرضية )، بعد
الهبوط .
تغاير نحوها : في الجنة ،
قبل الهبوط
.
و أن هذه حياة : ممتزجة
حقيقتها ، بحقيقة الأرض ، ذات عناء و شقاء .
يلزمها : أن يتكون الإنسان في الأرض ، ثم يعاد
بالموت إليها ، ثم يخرج بالبعث منه .
فالحياة الأرضية : تغاير حياة الجنة ، فحياتها حياة سماوية غير أرضية .
و من هنا يمكن : أن يجزم .
أن جنة آدم : كانت في السماء .
و إن لم تكن : جنة الآخرة جنة
الخلد ، التي لا يخرج منها من دخل فيه .
نعم : يبقى الكلام : في معنى السماء .
و لعلنا : سنوفق لاستيفاء البحث منه ( من معنى السماء ) ، إن شاء الله
تعالى .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 136.
+++
( تحقيق وأدلة تبين بأن النهي لآدم إرشاديا وليس
مولويا يوجب المعصية )
بقي هنا شيء :
و هو القول : في خطيئة آدم .
فنقول : ظاهر الآيات ، في بادي النظر .
و إن كان : تحقق المعصية و الخطيئة منه عليه السلام .
كما قال تعالى : { ... فَتَكُونا مِنَ
الظَّالِمِينَ .... (35)} البقرة .
و قال تعالى : { وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى .....(121) } طه .
و كما اعترف به :
فيما حكاه الله عنهم : { رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ
تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ....(23) } الأعراف .
لكن التدبر : في آيات القصة .
و الدقة : في النهي الوارد عن أكل
(ثمرة) الشجرة .
يوجب القطع : بأن
النهي المذكور ، لم يكن
نهيا مولويا .
و إنما هو : نهي إرشادي
.
يراد به : الإرشاد ، و الهداية
، إلى ما في مورد التكليف ،
من الصلاح و الخير .
لا البعث :
و الإرادة المولوية .
+
و يدل على ذلك ( أن
النهي { لا تقربا هذه الشجرة
} إرشادي ):
أولا : ( الأكل من الشجرة استلزم ظلم
أنفسهما والتعب الدنيوي فالنهي إرشادي)
أنه تعالى : فرع على
النهي ، في هذه السورة ، و في سورة الأعراف
، أنه ظلم .
حيث قال : { .. لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) }
البقرة .
ثم
بدله في سورة طه من قوله : { .. فَتَشْقى ..(117) } طه .
مفرعا إياه : على ترك
الجنة ، و معنى الشقاء التعب
.
ثم ذكر بعده كالتفسير له : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) .. } طه .
فأوضح : أن المراد بالشقاء
، هو التعب الدنيوي .
الذي تستتبعه : هذه الحياة الأرضية
، من جوع
و عطش و عراء ، و غير ذلك .
فالتوقي : من هذه الأمور ، هو الموجب
للنهي الكذائي .
لا جهة أخرى : مولوية .
فالنهي : إرشادي .
و مخالفة :
النهي
الإرشادي
، لا توجب معصية مولوية ، و
تعديا عن طور العبودية .
و على هذا
:
فالمراد : بالظلم أيضا ، في ما ورد من الآيات .
ظلمهما : على أنفسهما ، في إلقائها في التعب و
التهلكة .
دون الظلم : المذموم ، في باب الربوبية و العبودية
، و هو ظاهر .
++
و ثانيا : ( النهي في الجنة إرشادي ولو كان
مولوي لرجعا بالتوبة )
أن التوبة : و هي
الرجوع من العبد .
إذا استتبع القبول : من جانب المولى .
أوجب
: كون الذنب ، كلا ذنب ،
و المعصية كأنها لم تصدر .
فيتعامل : مع العاصي
التائب ، معاملة
المطيع المنقاد .
و في مورد : فعله
، معاملة الامتثال و الانقياد .
و لو كان النهي : عن الأكل من الشجرة
، مولويا .
و كانت التوبة : توبة عن ذنب عبودي ، و رجوعا
عن
مخالفة نهي مولوي .
كان اللازم : رجوعهما إلى الجنة
، مع أنهما لم يرجعا .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 137.
و من هنا يعلم :
أن استتباع : الأكل المنهي ، للخروج من
الجنة .
كان استتباعا :
ضروريا تكوينيا
.
نظير استتباع
: السم للقتل ، و النار للإحراق .
كما في موارد : التكاليف
الإرشادية .
لا استتباعا : من قبيل المجازاة
المولوية ، في التكاليف
المولوية .
كدخول
: النار ، لتارك الصلاة .
و استحقاق : الذم ، و استيجاب البعد ، في المخالفات العمومية
، الاجتماعية المولوية .
+++
و ثالثا : ( التشريع بدأ بعد الهبوط ولم يكن تكليف
في الجنة )
أن قوله تعالى : { قُلْنَا
اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً
فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) } البقرة .
و هو : كلمة جامعة ، لجميع التشريعات التفصيلية .
التي : أنزلها الله تعالى في هذه الدنيا
، من طرق ملائكته ، و كتبه ، و رسله .
يحكي : عن أول تشريع ، شرع للإنسان في هذه الدنيا ، التي
هي دنيا آدم و ذريته .
و قد وقع : على ما يحكي الله تعالى ،
بعد الأمر الثاني بالهبوط .
و
من الواضح : أن الأمر بالهبوط ، أمر تكويني .
متأخر : عن الكون في الجنة ،
و اقتراف الخطيئة .
فلم يكن : حين مخالفة النهي ، و
الاقتراب من الشجرة .
لا دين : مشروع ،
و لا تكليف مولوي .
فلم يتحقق
: عند ذلك ، ذنب
عبودي ، و لا معصية
مولوية .
و لا ينافي ذلك :
كون خطاب : {
اسجدوا } ، للملائكة و لإبليس .
و هو قبل : خطاب ، { لا تقربا } .
خطابا مولويا : لأن المكلف غير المكلف .
( يا طيب : مخاطب { أسجدوا } الملائكة وإبليس ،
ومخاطب { لا تقربا } أدم وحواء .
الملائكة : تابت عما كتموا كما سيأتي معناه ، وامتثلت أمر الله سبحانه
فسجدت لآدم فلم يهبطا للأرض ، ولا أخرجوا من السماء والجنة ، وإبليس عصى فأخرج ولعن
وله أشد العقاب يوم القيامة ، فيدل على أن أمر { اسجدوا } أمر مولوي وكانوا
مكلفين .
وأدم وحواء : وإن عصوا وأكلوا ، لكنهما تابا ، ولكن
لم يبقيا في الجنة ولا أرجعا إليها ، فالمعصية ليس لأمر مولوي ، بل لأمر
إرشادي يستتبع مخالفته تعب وشقاء دنيوي بالطاعة ، حتى يرجعا لجنة الخلد ، لا لجنتهم
التي فيها الشجرة ، ثم قوله تعالى : { فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ....} كان بعد
الأمر بالهبوط من الجنة ، فيدل على أنه قبل الهبوط لم يكونا مكلفين ولا الأمر مولي
، بل أمر { لا تقربا } إرشادي ، والمعصية لها أثر تكويني وهو الهبوط ) .
+++++
( جواب إن كان النهي إرشادي فما معنى الظلم
والعصيان والغواية والتوبة والمغفرة )
فإن قلت :
إذا كان النهي نهيا إرشاديا ، لا نهيا مولويا .
فما معنى : عده تعالى
فعلهما ،
ظلما ، و عصيانا ، و غواية ؟
+
قلت :
أما الظلم ، فقد مر ، أن المراد به .
ظلمهما : لأنفسهما ،
في جنب الله تعالى .
+
و أما
العصيان : فهو لغة عدم الانفعال ، أو
الانفعال بصعوبة .
كما يقال : كسرته فانكسر ، و كسرته
فعصى .
و العصيان : و هو عدم الانفعال ، عن الأمر أو النهي .
كما يتحقق (العصيان ): في مورد التكاليف المولوية .
كذلك يتحقق : في مورد الخطابات الإرشادية .
و أما تعين : معنى المعصية في هذه الأزمنة ، عندنا جماعة المسلمين .
في مخالفة مثل : صل ، أو
صم ، أو حج ، أو لا تشرب الخمر ، أو لا تزن ، و نحو ذلك .
فهو : تعين ، بنحو الحقيقة الشرعية
، أو المتشرعة .
لا يضر : بعموم المعنى ، بحسب اللغة ، و العرف العام ، هذا .
( يا طيب : إي نقل معنى المعصية من المعنى العام ، وأختص بمصطلحات الشرع
والمتشرعة بالمعصية للأمر المولي لكثرة الاستعمال ، لا يخرجه من المعنى العام
الشامل لكل معصية مولوية ، أو معصية لأمر إرشادية نصحي ، أو لقانون وأمر عرفيه
واجتماعي ، فعصى أدم لأمر إرشادي ممكن وصحيح بالمعنى اللغوي ) .
الميزان في تفسير
القرآن ج1ص 138.
+
و أما الغواية :
فهي : عدم اقتدار الإنسان مثلا ،
على حفظ المقصد ، و تدبير نفسه في معيشته
، بحيث يناسب المقصد و يلائمه .
و واضح : أنه ( الغاوي : وهو من لم يقتدر على حسن التدبير ) يختلف باختلاف الموارد ، من إرشادية و مولوية .
++
فإن قلت :
فما معنى التوبة حينئذ ؟
و قولهم : { وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ
تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ .. (23) } الأعراف ؟
قلت :
التوبة كما مر : هي الرجوع ، و
الرجوع يختلف ، بحسب اختلاف موارده .
فكما يجوز للعبد : المتمرد عن أمر سيده و إرادته ، أن يتوب إليه
؟
فيرد إليه : مقامه
الزائل ، من القرب عنده .
كذلك يجوز : للمريض الذي
نهاه الطبيب
، نهيا إرشاديا
، عن أكل شيء
معين من الفواكه و المأكولات .
و إنما كان ذلك منه
( النهي من الطبيب ) : مراعاة لجانب سلامة (
المريض ) و عافيته .
فلم ينته
المريض : عن نهيه ، فاقترفه ، فتضرر ، فأشرف على الهلاك .
يجوز : أن يتوب إلى
الطبيب ، ليشير إليه بدواء يعيده إلى سابق حاله و عافيته .
فيذكر له ( الطبيب )
: أن ذلك ، محتاج إلى تحمل التعب ، و المشقة و العناء ، و الرياضة .
خلال : مدة ، حتى يعود إلى
سلامة المزاج الأولية .
بل إلى : أشرف منها ( من السلامة السابقة على المرض ) و أحسن ، هذا .
+
و أما المغفرة : و الرحمة
و الخسران .
فالكلام فيها : نظير الكلام في نظائرها ، في اختلافها
، بحسب اختلاف مواردها ، هذا .
الميزان في تفسير
القرآن ج1ص 139 .
( فيا طيب : طلبهما للمغفرة والرحمة ، والخلاص من الخسران
الذي أوقعا فيه
أنفسهما ، وما صارا إليه من العقاب التكويني في ظهور العورة حين الأكل من الشجرة ،
وأنه أستوجب الهبوط للأرض والعناء والشقاء والتعب في الحياة الدنيا ، والسعي لتحصيل
مستلزمات الحياة الدنيا ، والذي يوجب الاجتماع والتزاحم
، ومن ثم التنافس حتى قد يصل لسفك الدماء .
فتابا ورجعا لله تعالى و استعانا به : للخلاص مما أوقعا أنفسهم وأبناءهم فيه ، فغفر
الله تعالى لهم ورحمهم بما ينجيهم من الخسران ، ويلبي كل ما يستر عيبهم ويرفع نقصهم
ويزيل حاجتهم فوضع الله
تعالى لهما ولأبنائهم ، هدى الدين ، و ستر لباس التقوى ، وهو تشريع الإسلام ،
ليعشوا بسلام في الدنيا ، ويدخلوا دار السلام الأبدية إن طبقوه .
وإن المعنى في المغفرة : وهي الستر كما يكون لستر معصية لأمر مولوي وعقاب أخروي ،
كذلك يكون ستر لأمر إرشادي يستوجب خسران دنيوي , وهذا معنى الرحمة ونزول أمر
الخيرات ، والنجاة ومن الخسران لمن رجع إلى الله وطاعته فيرشده لصلاح دنياه وآخرته ) .
+++++++++++++++
========
بحث روائي :
جنة آدم عليه السلام ( ليس من جنان الخلد بل برزخية دنيوية وقصة هبوطه للأرض )
في تفسير القمي : عن أبيه ، رفعه ، قال : سئل الصادق عليه السلام :
عن جنة آدم : أ من جنان الدنيا
كانت ، أم من جنان
الآخرة ؟
فقال عليه السلام : كانت من جنان الدنيا ، تطلع فيها الشمس و القمر .
و لو
كانت : من جنان الآخرة ، ما خرج منها أبدا ، ولم يدخلها إبليس .
و قال عليه السلام : فلما أسكنه الله الجنة
، و أباحها له ، إلا الشجرة .
لأنه : خلق خلقة ، لا يبقى إلا بالأمر و النهي ،
و الغذاء و اللباس ، و الاكتنان و النكاح
.
و لا يدرك : ما ينفعه مما يضره ، إلا بالتوفيق .
فجاءه إبليس فقال
له : إنكما ، إن أكلتما من هذه الشجرة ، التي نهاكما
الله عنها ، صرتما ملكين ، و بقيتما
في الجنة أبدا .
و إن لم تأكلا منها : أخرجكما الله من الجنة ، و حلف
لهما ، أنه لهما ناصح .
كما قال الله عز و جل حكاية عنه : { (
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن
سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ
مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ
الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا
لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) } الأعراف .
فقبل آدم : قوله ، فأكلا من الشجرة
.
فكانا : كما حكى الله ، فبدت لهما سوآتهما
.
و سقط عنهما : ما ألبسهما
الله من الجنة .
و أقبلا : يستتران من ورق الجنة .
{( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ
بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن
وَرَقِ الْجَنَّةِ )
وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل
لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) } الأعراف .
فقالا كما حكى الله عنهما : {
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }
الأعراف .
فقال الله لهما :
{ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) } الأعراف .
قال عليه السلام : (إلى حين ) أي يوم القيامة .
و قال عليه السلام : فهبط
آدم على الصفا ، و إنما سميت
الصفا ، لأن صفي الله أنزل عليها .
و نزلت : حواء على المروة
، و إنما سميت المروة ، لأن
المرأة أنزلت عليها .
فبقي آدم : أربعين صباحا ساجدا
، يبكي على الجنة .
فنزل عليه جبرائيل فقال : أ ليس خلقك الله بيده ، و نفخ فيك من روحه ، و أسجد لك ملائكته ؟
قال :
بلى .
وقال له : و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فعصيته ؟
قال آدم : إن إبليس حلف لي
بالله كاذب .
أقول: و في كون جنة آدم ، من جنان الدنيا .
روايات أخر : من طريق أهل البيت ، و إن اتحد
بعضها مع هذه الرواية ، في إبراهيم بن هاشم .
و المراد : بكونها من جنان الدنيا .
كونها : برزخية ،
في مقابل جنان الخلد .
كما تشير إليه : بعض فقرات الرواية .
كقوله : فهبط آدم على
الصفا .
و كقوله : و نزلت حواء على
المروة .
و
كقوله : إن المراد ، بحين يوم القيامة .
فيكون : المكث في البرزخ بعد الموت ، مكثا في الأرض
.
طبقا : لما في آيات البعث في القرآن .
من عد : المكث البرزخي ،
مكثا في الأرض .
كما يشير إليه قوله تعالى : {
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ
عَدَدَ سِنِينَ
(112)
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ (113)
قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ
أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) } المؤمنون .
و
قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا
لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
وَقَالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ
فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا
يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (56) } الروم .
على أن :
عدة : من الروايات
، المنقولة عن أهل البيت .
تدل على : أن الجنة
، كانت في السماء .
و أنهما : نزلا من
السماء .
على أن :
المستأنس : بلسان الروايات
.
لا يستوحش : من كون
الجنة المذكورة ، في
السماء
.
و الهبوط منها : إلى الأرض ،
مع كونهما خلقا في الأرض
، و عاشا فيها .
كما ورد :
في كون : الجنة في
السماء .
و وقوع : سؤال القبر فيه
( في القبر ) .
و كونه ( القبر
) : روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار
، و
غير ذلك .
و أرجو : أن يرتفع هذا الإشكال ، و ما يشاكله من الإشكالات ، فيما سيأتي من البحث
في السماء ، إن شاء الله العزيز
.
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 140.
( يا طيب : الجنة البرزخية
تعد جنة دنيوية لا أخروية .
لكون جنة البرزخ : ليست جنة الخلد الأخروية وأن
من يدخلها يكون دائم البقاء فيها ، بل الجنة البرزخية يسكنها الداخل فيها لمدة
معينة في البرزخ ثم ينتقل منها ، فبعد الموت بالنسبة للمؤمن ثم ليوم القيامة ثم
الجنة ، وهي مثل جنة آدم منقطع البقاء فيها ، فتنسب للدنيا المنقطعة ، لا للآخرة
الدائمة .
وأما نسبة الجنة : مرة للأرض ومرة للسماء.
فإن الجنة البرزخية : لها مراتب طولية بين السماء والأرض ، وحسب رتبة
المؤمن وعلمه وعمله ، فهي ترتفع للسماء ولمراتب منها حسب الإيمان والإخلاص أيضا ،
وهي تكون قبره في برزخه وروضته في جنته ، لا قبر التراب الأرضي .
ولذا كانت : جنة آدم دنيوية سماوية ، لأنها كانت في
مرتبة عالية ، كما أنها ليست جنة البروخ التي يدخلها الإنسان بعد الموت .
وجنة المؤمن : وحسابه في قبره البرزخي قرب بدنه ، ثم بعد حساب القبر
وسؤال منكر ونكير ، تتلبس ببدن برزخي حسب شأنه ما بين السماء والأرض ، وهي للمؤمن
الذي محض الإيمان ، أو بين بين بين تخوفي وتهويل ونعيم ، أو في أرض سفلى للكافر.
ثم توجد روايات : تذكر بأن بعض الأنبياء في مراتب
عالية من السماء ، سواء أولى أو رابعة أو أعلى .
فنسبة الجنة البرزخية : للأرض أو للسماء حسب شأن
المؤمن أو الكافر ، وحسب علوها و ارتفاعها ، فمنها ما تعد أرضية لقربها من الأرض ،
وبعضها تعد سماوية لارتفاعها ، كما أن نار الكافر لها مراتب وهي في أرض سافلة .
كما أن الإنسان : مركب من روح وبدن ، فبالنسبة لروحة
فهو سماوي ، وبالنسبة لبدنه فهو أرضي .
ولكن في البرزخ : تتلبس روحة ببدن مناسب لعالم البرزخ
ولطافته ، وحسنه حسب شأنه وإيمانه ، وقبحه وعذابه حسب كفره ، وسيأتي البحث فيه
مفصلا إن شاء الله )
+++
( روايات مجيء إبليس إلى الجنة حسب وقصته من
التوراة مفصلة )
و أما كيفية : مجيء إبليس إليهما
، و ما اتخذه فيه من الوسيلة ؟
فالصحاح : و المعتبرة من
الروايات ، خالية عن بيانه .
و في بعض الأخبار : ذكر الحية و الطاووس ، عونين لإبليس في إغوائه إياهما
.
لكنها : غير
معتبرة .
أضربنا : عن ذكرها ، و كأنها من الأخبار الدخيلة ، و القصة مأخوذة من التوراة .
و هاك لفظ التوراة في القصة بعينه :
قال في الفصل الثاني : من السفر الأول ، و هو سفر الخليقة :
و إن الله : خلق آدم ، ترابا من
الأرض ، و نفخ في أنفه الحياة ، فصار آدم نفسا ناطقا .
و غرس الله : جنانا ، في عدن شرقيا ،
و صير هناك آدم الذي خلقه .
و أنبت الله : من الأرض كل شجرة ، حسن منظرها و طيب مأكلها .
و شجرة الحياة : في وسط الجنان ، و شجرة معرفة الخير و الشر.
و جعل : نهرا يخرج من عدن
، ليسقي الجنان .
و من ثم يفترق :
فيصير أربعة أرؤس :
اسم أحدها : النيل ، و هو المحيط بجميع
بلد ذويلة الذي فيه الذهب ، و ذهب ذلك البلد جيد ، ثم اللؤلؤ و حجارة البلور .
و اسم
النهر الثاني : جيحون ، و هو المحيط بجميع بلد الحبشة .
و اسم النهر الثالث : دجلة ، و هو
يسير في شرقي الموصل .
و اسم النهر الرابع : هو الفرات .
فأخذ الله آدم : و أنزله في جنان
عدن ، ليفلحه ، و ليحفظه .
و أمر الله آدم قائلا : من جميع شجر الجنان ، جائز لك أن تأكل ، و
من شجرة معرفة الخير و الشر لا تأكل .
فإنك : في يوم أكلك منها ، تستحق أن تموت .
و قال
الله : لا خير في بقاء آدم وحده ، اصنع له عونا حذاه .
فحشر الله : من الأرض جميع وحش
الصحراء و طير السماء .
و أتى بها : إلى آدم ليريه ما يسميها
، فكل ما سمى آدم من نفس
حية باسم ، هو اسمه إلى الآن .
فأسمى آدم : أسماء لجميع البهائم ، و طير السماء ، و جميع وحش الصحراء .
و لم يجد آدم :
عونا حذاه ، فأوقع سباتا على آدم ، لئلا يحس ، فنام .
فاستل : إحدى أضلاعه ، و سد مكانها
اللحم ، و بنى الله الضلع التي أخذ ، امرأة ، فأتى بها إلى آدم .
و قال آدم : هذه المرأة
شاهدت عظما من عظامي ، و لحما من لحمي ، و ينبغي أن تسمى امرأة ، لأنها من أمري أخذت
.
و
لذلك : يترك الرجل أباه و أمه ، و يلزم زوجته ، فيصيران كجسد واحد .
و كانا جميعا : عريانين ، آدم و زوجته ، و لا يحتشمان من ذلك .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 141.
الفصل الثالث :
و الثعبان : صار حكيما ، من جميع حيوان الصحراء الذي خلقه الله
.
فقال
للمرأة : أ يقينا .
قال الله : لا تأكلا من جميع شجر الجنان ؟
قالت المرأة للثعبان : من ثمر
شجر الجنان نأكل .
لكن من ثمر : الشجرة التي في وسطه ، قال الله لا تأكلا منها ، و لا
تدنوا به كيلا تموتا .
قال لهما : لستما تموتان ، إن الله عالم ، أنكما في يوم أكلكما
منه ، تنفتح عيونكما ، و تصيران كالملائكة ، عارفي الخير و الشر بزيادة .
فلما رأت
المرأة : أن الشجرة طيبة المأكل ،شهية المنظر ، مني للعقل ، أخذت من ثمرها فأكلت ، و
أعطت بعلها فأكل معها .
فانفتحت عيونهما : فعلما أنهما عريانان ، فخيطا من ورق التين ما
صنعا منه مآزر .
فسمعا صوت الله : مارا في
الجنان برفق في حركة النهار .
فاستخبأ : آدم و
زوجته من قبل صوت الله ، خباء فيما بين شجر الجنان .
فنادى الله : آدم ، و قال له مقررا :
أين أنت ؟
قال : إني سمعت صوتك في الجنان، فاتقيت ، إذ أنا عريان فاستخبأت .
قال :
من أخبرك أنك عريان ؟
أ من الشجرة : التي نهيتك عن الأكل منها ، أكلت ؟
قال آدم :
المرأة
التي جعلتها معي ، أعطتني من الشجرة فأكلت .
قال الله للمرأة : ما ذا صنعت؟
قالت : الثعبان أغراني فأكلت .
قال الله للثعبان : إذ صنعت هذا بعلم ، فأنت ملعون من
جميع البهائم ، و جميع وحش الصحراء ، و على صدرك تسلك ، و ترابا تأكل طول أيام حياتك.
و
أجعل : عداوة بينك و بين المرأة ، و بين نسلك و نسلها ، و هو يشدخ منك الرأس و أنت
تلذعه في العقب .
و قال للمرأة : لأكثرن مشقتك و حملك ، و بمشقة تلدين الأولاد ، و إلى
بعلك يكون قيادك ، و هو يتسلط عليك .
و قال لآدم : إذ قبلت قول زوجتك ، فأكلت من الشجرة التي نهيتك ، قائلا : لا تأكل منها
.
ملعونة الأرض : بسببك ، بمشقة تأكل منها طول حياتك ، و شوكا و دردرا تنبت لك ، و تأكل عشب
الصحراء ، بعرق وجهك تأكل الطعام إلى حين رجوعك : إلى الأرض ، التي أخذت منها ، لأنك تراب ، و إلى التراب ترجع .
و سمى آدم : زوجته حواء ، لأنها كانت أم كل حي ناطق .
و صنع الله : لآدم و زوجته ثياب بدن و ألبسهما .
ثم قال
الله : هو ذا آدم ، قد صار كواحد منا ، يعرف معرفة الخير و الشر .
و الآن : فيجب أن يخرج من
الجنان ، لئلا يمد يده ، فيأخذ من شجرة الحياة أيضا ، و يأكل فيحيا إلى الدهر .
فطرده
الله : من جنان عدن ، ليفلح الأرض التي أخذ منها .
و لما طرد آدم : أسكن من شرقي جنان عدن
الملائكة ، و لمع سيف متقلب ، ليحفظوا طريق شجرة الحياة .
انتهى : الفصل من التوراة العربية ، المطبوعة سنة 1811 ميلادية .
+
و أنت : بتطبيق القصة من الطريقين ، أعني طريقي القرآن
، و التوراة .
ثم التأمل : في
الروايات الواردة ، من طريقي العامة و الخاصة .
تعثر : بحقائق من الحال .
غير أنا : أضربنا عن
الغور في بيانها ، و البحث عنها ، لأن الكتاب غير موضوع لذلك .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص
142
( يا طيب : وأول ما نعرف ، أن الثعبان وغيره من الحيوان ليس له دخل في خروج آدم من
الجنة ، وإنما الوسوسة من الشيطان ، وأن الله تعالى لا يتمشى في الجنة ويمكن أن
يواجه آدم فيراه ويحادثه مباشرة ، فإنه تعالى لا يحاط به علما ولا يرى ، وأن الله تعالى عرف آدم الأسماء
العليا ، لا أنه يخاف أن يعلمه الحكمة ، وإن غرض الخلقة أعلى مما تصوره التوراة ،
وهو لكي يهتدي الإنسان ويعبد الله وينال كرامته بجنة خالدة .
كما و توجد : بعض المشتركات ، مثل العناء والتعب في الأرض ، والعداوة بين الإنسان
والشيطان لا عداوة المرأة فقط مع الثعبان ، كما أنهما كانا مستترين بلباس في الجنة
وبالآكل سقط عنهما لباس الجنة فبدت العورة ، لا أنهما كانا عاريان لا يريان عورتهما
، ثم هما أخذا يستران عورتهما بعد السقوط لا أن الله صنع لهم لباس ليواري سوءاتهما
، وللتدبر بين ما في الكتابين مجال واسع
للمقارنة بين فقرات القصة )
++
( جواب إشكال أن الجنة مقام القرب وفي السماء كيف دخلها إبليس )
و أما دخول : إبليس
الجنة ، و إغواؤه فيها .
و هي ( الجنة ) :
أول مقام القرب ، و النزاهة و الطهارة
.
و قد قال تعالى : { لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ (23) } الطور .
+
و هي ( الجنة )
ثانيا : في السماء .
و قد قال تعالى : خطابا لإبليس ، حين إبائه عن السجدة لآدم : {
فَاخْرُجْ مِنْها
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) } الحجر .
و قال تعالى : { فَاهْبِطْ
مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيه
(12) } الأعراف .
( فيا طيب
: كيف رجع للسماء ودخل الجنة وقد أخرج وأهبط لعدم سجوده لآدم
؟ )
++
فالجواب : عن الأول :
( أنه لا لغو ولا تأثيم في الجنة كيف وسوس الشيطان
لآدم ؟) .
كما ربما يقال :
إن القرآن : إنما نفى ما نفى ، من وقوع
اللغو و التأثيم
في الجنة .
عن جنة الخلد : التي يدخلها المؤمنون في الآخرة .
و جنة البرزخ : التي يدخلونها
بعد الموت ، و الارتحال عن دار التكليف .
و أما الجنة : التي أدخل فيها آدم و زوجته .
و
ذلك : قبل استقرار الإنسان في دار التكليف ، و توجه الأمر و النهي .
فالقرآن : لم ينطق فيه
بشيء من ذلك .
بل الأمر : بالعكس .
و ناهيك : في ذلك ، ما ذكر من وقوع عصيان آدم فيها .
على أن
: اللغو و التأثيم ، من الأمور النسبية .
التي : لا تتحقق ، إلا بعد حلول الإنسان الدنيا ، و
توجه الأمر و النهي إليه ، و تلبسه بالتكليف .
++
و الجواب عن الثاني :
( أن الجنة في السماء
كيف دخلها إبليس بعد أن أخرج منها ؟)
أولا :
( خروج إبليس ليس من السماء بل من الملائكة أو من مقامه قبل العصيان )
أن رجوع الضمير
في قوله : { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
(34) } الحجر .
و قوله : { قَالَ فَاهْبِطْ
مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) } الأعراف .
( رجوع الظمير في منها )
إلى السماء : غير ظاهر من الآية ، لعدم ذكر السماء في الكلام سابقا ، و
عدم العهد بها .
فمن الجائز : أن يكون المراد .
الخروج : من الملائكة ، و الهبوط منها ببعض العنايات
.
أو الخروج : و الهبوط من المنزلة و الكرامة .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 143.
+
و ثانيا :
( خروج إبليس من مقام الاستقرار في السماء لا من المرور فيها )
أنه يجوز : أن يكون الأمر بالهبوط و الخروج .
كناية : عن النهي عن المقام هناك
، بين الملائكة .
لا عن : أصل الكون فيها ( في
السماء ) ، بالعروج و المرور ، من غير مقام ، و استقرار كالملائكة .
و يلوح إليه : بل يشهد به ، ما ربما يظهر من الآيات ، من استراق السمع .
و قد روي : أن الشياطين ، كانوا يعرجون قبل عيسى إلى السماء السابعة.
فلما ولد عيسى
عليه السلام : منعوا من السماء الرابعة فما فوقها .
ثم لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
منعوا من جميع السماوات ، و
خطفوا بالخطفة .
+
و ثالثا :
( إبليس لم يدخل الجنة بل عن بعد وسوس لهم )
أن كلامه تعالى : خال عن دخول
إبليس الجنة ، فلا مورد للاستشكال .
و إنما ورد
: ما ورد ، من حديث الدخول في الروايات .
و هي ( الروايات ) : آحاد غير متواترة ، مع احتمال النقل بالمعنى
من الراوي .
و أقصى : ما يدل من كلامه تعالى على دخوله الجنة .
قوله تعالى حكاية عن إبليس : { وَ
قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما
عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ
إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (19) } الأعراف .
حيث أتي : بلفظة { هذه
} ، و هي
للإشارة من قريب .
لكنها : لو دلت هاهنا على القرب المكاني .
لدل في قوله تعالى : { وَ لا تَقْرَبا هذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (18) } الأعراف .
على مثله : فيه
تعالى .
+
( يا طيب : جنة آدم عليه السلام ، لأنها جنة
منقطعة وليست جنة الخلد ولا جنة البرزخ ، فلها أحكامها الخاصة ، وإنها وإن كانت في
السماء ، فإمكان دخول إبليس لها ووسوسته باللغو وما به الأثم من تحسينه ما نهي عنه
، فهو ممكن لهذه الجنة بالخصوص ، وبالخصوص قبل التكليف .
وأما أن الجنة : في السماء ، وخروج إبليس من جنة آدم والسماء هذه بالخصوص ، فالجواب
الثاني من الثلاثة ظاهرا أوفق من غيره ،لأنه كانوا يمرون بالسماء ويسمعون الأخبار
والجن كانت تتنقل بين السماوات ثم منعت ، والله العالم ، لأنه لا يوجد نص يوضح
المعنى بالكامل ، مع إمكان الأول أيضا خروجه من مقامه مع الملائكة لا من السماء ،
والثالث أبعدها ) .
++
( تحقيق معاني رواية ثمرات الشجرة التي أكل منها
آدم فنسي العهد وأخرج من الجنة )
و في العيون، عن عبد السلام الهروي قال :
قلت للرضا عليه السلام :
يا بن رسول الله : أخبرني عن
الشجرة ، التي أكل منها آدم و حواء ، ما كانت ؟
فقد اختلف : الناس فيها .
فمنهم : من يروي
أنها الحنطة .
و منهم : من يروي أنها شجرة الحسد .
فقال عليه السلام : كل ذلك حق .
قلت : فما معنى هذه
الوجوه على اختلافها ؟
فقال عليه السلام : يا بن الصلت .
إن شجرة الجنة : تحمل أنواعا .
و كانت : شجرة
الحنطة ، و فيها عنب ، و ليست كشجرة الدنيا .
و إن آدم : لما أكرمه : الله تعالى .
بإسجاد :
ملائكته له .
و بإدخاله : الجنة .
قال : هل خلق الله بشرا أفضل
مني ؟
فعلم الله عز و جل
: ما وقع في نفسه .
فناداه : ارفع رأسك يا آدم ، و انظر إلى ساق العرش .
فنظر : إلى ساق
العرش .
فوجد عليه مكتوبا : لا إله إلا
الله ، محمد رسول الله .
علي : بن أبي طالب أمير
المؤمنين ، و زوجته
فاطمة سيدة نساء العالمين .
و الحسن و الحسين : سيدا شباب أهل الجنة .
فقال آدم : يا رب من هؤلاء ؟
فقال عز و جل : يا آدم هؤلاء ذريتك .
و هم : خير منك ، و من جميع خلقي .
و لو لا هم : ما خلقتك ، و لا الجنة و لا النار ، و لا
السماء و لا الأرض .
فإياك : أن تنظر إليهم بعين الحسد ، فأخرجك عن جواري .
فنظر إليهم
: بعين الحسد ، و تمنى منزلتهم .
فتسلط : عليه الشيطان ،
حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها .
و
تسلط : على حواء ، فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد ، حتى أكلت من الشجرة ، كما أكل آدم
.
فأخرجهما الله تعالى : من جنته ،
و أهبطهما من جواره إلى الأرض .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 144
+
أقول :
و قد ورد : هذا المعنى ، في عدة روايات .
بعضها : أبسط من هذه الرواية و أطنب ، و بعضها
أجمل و أوجز .
و هذه الرواية : كما ترى ، سلم عليه السلام فيها
.
أن الشجرة : كانت
شجرة الحنطة ، و
شجرة الحسد.
و أنهما
:
أكلا : من شجرة
الحنطة ثمرتها .
و حسدا و تمنيا : منزلة محمد و آله صلى الله عليهم وسلم .
و مقتضى المعنى
الأول : ( شجرة الحنطة ) أن الشجرة كانت أخفض شأنا ، من أن يميل إليها ، و يشتهيها أهل الجنة
.
و مقتضى
الثاني : ( أن الشجرة ثمرتها منزلة نبي الرحمة وآله ) ، أنها كانت ، أرفع شأنا من أن ينالها آدم و زوجته
( فحسدهم أو تمنى مقامهم ).
كما في: رواية أخرى .
أنها كانت
: شجرة علم محمد و آله
صلى الله عليهم وسلم .
+
و بالجملة :
لهما : معنيان ، مختلفان .
لكنك بالرجوع : إلى ما مر ، من أمر الميثاق ، تعرف أن
المعنى واحد .
و أن آدم عليه السلام : أراد أن يجمع :
بين التمتع بالجنة ، و هو مقام القرب من الله ، و
فيها الميثاق ، أن لا يتوجه إلى غيره تعالى .
و بين الشجرة : المنهي عنها ، التي فيها تعب
التعلق بالدنيا .
فلم يتيسر له : الجمع بينهما .
فهبط : إلى الأرض ، و نسي الميثاق .
فلم يجتمع
له : الأمران .
و هو : منزلة النبي صلى الله عليه وآله .
ثم هداه الله : بالاجتباء ، و نزعه بالتوبة من الدنيا ،
و ألحقه بما كان نسيه من الميثاق . فافهم .
و قوله عليه السلام :
فنظر إليهم : بعين
الحسد ، و تمنى منزلتهم .
فيه بيان : أن المراد
بالحسد ، تمني
منزلتهم .
دون الحسد : الذي هو أحد الأخلاق الرذيلة .
++
و بالبيان السابق : يرتفع
التنافي ،
الذي يتراءى .
بين
ما رواه في كمال الدين :
عن الثمالي : عن أبي جعفر عليه السلام قال :
إن الله عز و جل : عهد إلى
آدم ، أن لا يقرب الشجرة .
فلما بلغ : الوقت ، الذي في علم الله أن يأكل منها .
نسي : فأكل
منها .
و ذلك قول الله عز و جل : {
وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} طه ....
الحديث .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 145
و بين ما
رواه العياشي : في تفسيره عن أحدهما :
و قد سئل : كيف أخذ الله آدم بالنسيان ؟
فقال : إنه
لم ينس ، و كيف ينسى ، و هو يذكر .
و يقول له إبليس : { .. مَا
نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ
الْخَالِدِينَ (20) } الأعراف .
و الوجه : فيه واضح .
+
( يا طيب : الرواية الأولى تذكر أن أدم نسى ،
فأكل من الشجرة ، والثانية تقول لم ينسى ، ثم أنه الله سبحانه في الدنيا لا يؤاخذ
بالنسيان وهي دار التكليف والتشريع ، فكيف وفي الجنة لا تكليف ولا تشريع لآدم ،
فكيف يؤخذه بالنسيان ويعاقب فأهبط للأرض ؟
والجواب :
والموضوع في النسيان : في الرواية الأولى ،
نسيان العهد والميثاق ، بأن لا يتوجه لله ولا يطيع غيره .
والموضوع في النسيان : في الرواية الثانية ، بحث لم
يكن نسيان بل ذكر ، هو يتذكر أنه منهي عن الشجرة ، وأن يجب أن لا يأكل منها ، فحين
الأكل لم ينسى النهي هذا بل هو ذاكر له ، لا أنه لم ينسى النهي عن الميثاق الكلي
الذي مر تحقيق الكلام فيه .
وعلى ما مر : أراد آدم عليه السلام .
أن يجمع :
بين : مقام القرب والبقاء في الميثاق
ويحافظ على العهد .
وبين : أن يكون ملكا من الخالدين ، وله نفس مقام نبي الرحمة وآله
، وما عرف من مقام الأسماء العليا التي تعلمها وعرف ما فيها من الخير .
فكان : الأكل من ثمرة الشجرة ، سواء حنطة وما
توجبه من ثقل البدن والروح ، فيتصور أنه يجوز له المقام العالي ، فنسي العهد
والميثاق بأن لا يتوجه إلا إلى ربه ، وأن لا يطلب ما ليس له ، ولا يتجاوز في التمني
ما لم يقسم له من المقام .
فأكل من الشجرة : بأنواع ثمرها ، فأخرج من الجنة إلى الأرض .
فلم يؤاخذ : على النسيان للميثاق ، بل على أنه متذكر بأن لا يأكل من الثمرة .
وبعبارة أخرى يمكن أن يقال :
فهو عليه السلام : حين الأكل ، له علم مفصل
بما يقدم عليه من الآكل وما يريده الخلد والعلو ، وله علم مجمل بما لا يجوز له ، أو
فقل نسى تفصيل ما لا يجوز له وما
نهي عنه بالخصوص مسألة الميثاق والعهد بأن يتذكر الله ولا يطيع أحد غيره ، ولم
يتدبر بما له من العواقب ، فأكل متغافل عما نهي عنه سامعا لعدوه ، ممتثلا
لوسوسته وما زين له ، فأخرج من الجنة .
فلم يتيسر له : الجمع .
بين العهد والميثاق
: وهو التوجه لله خالصا ولا يطيع غيره .
وبين أن يكون : من أهل المقام
العالي .
بتصور : حسب وسوسة إبليس بأنه سيكون منهم إن أكل من
الشجرة ، ويكون ملكه لا يبلى وخالد ، وكما هو قد أعد لكي ينزل فيستعمر الأرض .
ويا طيب : في الرواية الأول ، ذكر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، أن الله
سبحانه بعد ما خلق آدم ، كرمه ، فأسجد له الملائكة
.
وأدخله الجنة ، وطبعا جنة لها شأن كريم لا تعب فيها ولا نصب ولا عمل بل كل
شيء متهيئ له ولزوجه .
وبهذا نعرف : أنه أدخل الجنة بعد الخلق في الأرض وبعدما نفخ فيه سبحانه من روحه كما
سيأتي في كيفية خلقه ، وبهذا المعنى تكون جنة التي أدخل إليها مناسبة لشأنه ، كمخلوق
أعد بعد اختبار بسيط ، لكي يسكن الأرض ويستعمرها ، ويكون خليفة الله فيها ، لذا بعد
أن أهبط تاب الله عليه وهداه ، ثم اصطفاه وجعله نبينا مكرما ، ثم رفعه لجنة أعلى و
مقام أسمى .
وبهذا نعرف : أن الجنة التي كان فيها الاختبار والتهيؤ لكي يسكن الأرض ، لم تكن لا جنة الخلد
، ولا جنة البرزخ ، بل جنة في مرتبة ما من
السماء سواء دنيا أو أعلى ، و السماوات سبع سماوات لم يذكر أي منها ، ثم أهبط منه إلى الأرض ، والله
العالم ) .
++++
( حديث كريم في معنى معصية آدم للأمر الإرشادي وتحقيق لحديث عصمة الأنبياء )
و في أمالي الصدوق : عن أبي الصلت الهروي قال :
لما جمع المأمون : لعلي بن موسى الرضا
عليه السلام ، أهل المقالات ، من أهل الإسلام .
و الديانات : من اليهود و النصارى و المجوس و
الصابئين ، و سائر أهل المقالات .
فلم يقم أحد : حتى ألزم حجته
، كأنه ألقم حجرا .
فقام
إليه : علي بن محمد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول الله ،
أ تقول بعصمة الأنبياء ؟
قال عليه السلام : بلى .
قال : فما تعمل بقول الله عز و جل : {
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) } طه
..؟ إلى أن قال :
فقال مولانا الرضا عليه السلام : ويحك يا علي ، اتق الله .
و لا تنسب : إلى أنبياء
الله الفواحش ، و لا تتأول كتاب الله عز و جل برأيك .
فإن الله عز و جل يقول : { وَ ما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) } آل
عمران .
أما قوله عز و جل في آدم : { وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) } طه .
فإن الله عز و جل : خلق آدم حجة في
أرضه ، و خليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنة .
و كانت المعصية
: من آدم ، في الجنة
لا في الأرض ، لتتم مقادير أمر الله عز و جل .
فلما أهبط : إلى الأرض ، و جعل حجة و خليفة .
عصم بقوله عز و جل : { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ
وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}آل عمران ...
الحديث .
+
أقول :
قوله : و كانت
المعصية في الجنة
..... .
إشارة : إلى ما قدمناه .
أن التكليف : الديني ، المولوي .
لم يكن : مجعولا في الجنة بعد .
و إنما موطنه : الحياة الأرضية ، المقدرة لآدم عليه السلام
بعد الهبوط إلى الأرض .
فالمعصية : إنما كانت معصية لأمر إرشادي ، غير مولوي .
فلا وجه
: لتعسف التأويل في الحديث ، على ما ارتكبه بعض .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص
146 .
++
و في العيون : عن علي بن محمد بن الجهم
قال :
حضرت : مجلس المأمون ، و عنده علي بن موسى .
فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون ؟
فقال عليه السلام : بلى .
قال : فما معنى قول الله تعالى : {
وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) }
طه ؟
قال عليه السلام : إن
الله تعالى قال لآدم :
{ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ
مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ
الشَّجَرَةَ .. } .
و أشار لهما : إلى شجرة الحنطة
.
{ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) } الأعراف .
و لم يقل لهما : لا تأكلا من هذه
الشجرة ، و لا مما كان من جنسها .
فلم يقربا : تلك الشجرة ، و لم يأكلا منها .
و إنما أكلا
: من غيرها ، لما أن وسوس الشيطان إليهما .
و قال : ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة
، و إنما نهاكما أن تقربا غيرها .
و لم ينهكما أن تأكلا منها : { ..... إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ
تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ
النَّاصِحِينَ (21) } الأعراف.
و لم يكن : آدم و حواء ، شاهدا قبل
ذلك ، من يحلف بالله كاذبا .
فدلاهما بغرور : فأكلا منها
، ثقة بيمينه بالله .
و كان ذلك : من
آدم ، قبل النبوة .
و لم يكن ذلك : بذنب كبير ، استحق به دخول النار .
و إنما كان : من
الصغائر الموهوبة ، التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم .
فلما اجتباه الله
: و جعله نبيا ، كان معصوما
، لا يذنب صغيرة و لا كبيرة.
قال الله عز و جل : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى
(121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ
رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) } طه .
و قال عز و جل : { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ
إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}آل عمران ..
الحديث .
+
أقول : قال الصدوق رحمه الله ، بعد نقل الحديث على طوله ، و الحديث عجيب من طريق علي بن
محمد بن الجهم ، مع نصبه و بغضه ، و عداوته لأهل البيت عليهم السلام ، انتهى .
و ما أعجبه منه : إلا ما شاهده ، من اشتماله على تنزيه الأنبياء .
من غير : أن يمعن النظر
في الأصول ، المأخوذة فيه .
فما نقله : من جوابه عليه السلام في آدم .
لا يوافق : مذهب أئمة أهل البيت
.
المستفيض عنهم : من عصمة الأنبياء ، من الصغائر و الكبائر ،
قبل النبوة و بعدها .
على أن الجواب : مشتمل على تقدير
:
في قوله تعالى : { مَا نَهَاكُمَا
رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا ... (20) } الأعراف .
إلى مثل قولنا :
ما نهاكما : ربكما عن هذه الشجرة ، و
إنما نهاكما عن غيرها ، و ما نهاكما عن غيرها إلا أن تكونا ...
على أن قوله تعالى : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) }
الأعراف .
و قوله تعالى : { قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)}طه .
يدل على أن :
إبليس : إنما كان
يحرضهما على الأكل ، من شخص الشجرة المنهية
.
تطميعا : في الخلود ، و الملك الذي حجب عنه
بالنهي .
على أن الرجل : أعني علي بن محمد بن الجهم ، قد أخذ الجواب الصحيح التام بنفسه
، في مجلس المأمون ، كما رويناه في الحديث السابق .
فالرواية : لا تخلو عن شيء ، و إن كان
بعض
هذه الوجوه ، ممكن الاندفاع ، هذا .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 147 .
( يا طيب :
الرواية الأولى : عن موالي ، وكان بن الجهم هو السائل ، ووبخه الإمام بأن لا
ينسب المعصية للأنبياء ، وبين له عليه السلام بأن المعصية لم تكن في الدنيا ، وقبل
التكليف ، وهي على هذا تكون معصية لأمر إرشادي ، وأنه يوجب
أثر تكويني كما عرفت ، لا معصية لأمر مولوي يوجب حرمة يذم عليها ، ولم يتعرض لتبديل
الشجرة بأخرى .
والرواية الثانية : عن نفس بن الجهم السائل ، فلفق ما يحب من الجواب حسب رأيه ، بأن
الأنبياء يعصون معاصي صغيره ، وهذا ليس من رأي أهل البيت عليهم السلام ، و بدل
الشجرة بشجرة أخرى من نفس النوع أو الجنس ، وهذا يحتاج لتقدير لم تتحمله الآيات ).
+++
( معاني أحاديث في مدة بقاء آدم وحواء في الجنة حتى أخرجا منها )
و روى الصدوق : عن الباقر عليه السلام عن آبائه ، عن علي ، عن رسول الله ، صلى
الله عليهم وسلم ، قال :
إنما كان :
لبث آدم و حواء
في الجنة ، حتى أخرجا منها .
سبع ساعات :
من أيام الدنيا ، حتى أهبطهما الله في
يومهم .
و في تفسير العياشي : عن عبد الله بن سنان قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا حاضر
.
كم
لبث : آدم و زوجته في الجنة
، حتى أخرجهما منها ؟
فقال عليه السلام :
إن الله تبارك و تعالى :
نفخ في آدم روحه ، بعد زوال الشمس من يوم الجمعة .
ثم برأ زوجته : من أسفل أضلاعه .
ثم أسجد
له : ملائكته ، و أسكنه جنته ، من يومه ذلك .
فوالله :
ما استقر فيها إلا ست ساعات
من يومه ذلك.
حتى عصى : الله تعالى .
فأخرجهما الله : منها بعد غروب الشمس ،
و صيرا بفناء الجنة
.
حتى أصبحا : فبدت لهما سوآتهما .
{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا
أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ
وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) } الأعراف .
فاستحيا آدم : فخضع ، و قال : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا
(23) } الأعراف ، و اعترفنا بذنوبنا
، فاغفر لنا .
قال الله لهما : اهبطا من سماواتي إلى الأرض ،
فإنه لا يجاورني في جنتي
عاص ، و لا في سماواتي
.
+
أقول :
و يمكن : أن يستفاد ما تشتمل عليه الرواية ، من كيفية خروجهما .
و أنه كان أولا : من
الجنة إلى فنائها .
و من
فنائها : إلى الأرض
.
من تكرر الأمر : بالهبوط
، في الآية .
مع كونه
( الهبوط ) : أمرا تكوينيا ، غير قابل التخلف .
( { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ
مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37)
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ (38) } البقرة . )
و كذا من : تغيير السياق .
في قوله تعالى : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا
وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) } البقرة .
و قوله تعالى : { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ .... (22) } الأعراف .
حيث عبر في الآية الأولى : بالقول {قلنا
} ، و بالإشارة القريبة { هذه الشجرة }.
و في الآية الثانية : بالنداء { ناداهما } ، و الإشارة البعيدة { عن تلكما الشجرة }.
غير أن الرواية : مشتملة ، على خلق
حواء من أسفل أضلاع آدم ، كما اشتملت عليه التوراة .
و الروايات : عن أئمة أهل البيت
تكذبه ، كما سيجيء في البحث عن خلقة آدم .
و إن أمكن : أن يحمل خلقها من فاضل طينة آدم
، مما يلي أضلاعه هذا .
و أما ساعات : مكثه في الجنة
، و أنها ستة أو سبعة ، فالأمر فيها
هين ، فإنما هو تقريب .
الميزان في
تفسير القرآن ج1ص 148 .
+++++++++
( روايات في معنى ما تلقى آدم من الكلمات فتاب
الله عليه )
و في الكافي : عن أحدهما الباقر أو الصادق عليهما السلام :
في قوله تعالى : { فَتَلَقَّى
آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) } البقرة .
قال عليه السلام :
لا إله إلا أنت : سبحانك اللهم و بحمدك ، عملت سوءا و ظلمت نفسي
، فأغفر لي
، و أنت خير الغافرين .
لا إله إلا أنت : سبحانك اللهم و بحمدك ، عملت سوءا و ظلمت نفسي
، فارحمني ، و أنت خير الغافرين .
لا إله إلا أنت : سبحانك اللهم و بحمدك ،
عملت سوءا و
ظلمت نفسي ، فارحمني ، و أنت خير الراحمين .
لا إله إلا أنت : سبحانك اللهم و بحمدك ،
عملت
سوءا و ظلمت نفسي ، فاغفر لي و تب علي ، إنك أنت التواب الرحيم .
أقول :
و روى هذا المعنى : الصدوق ، و العياشي ، و القمي ، و غيرهم ، و عن طرق أهل السنة و
الجماعة أيضا ، ما يقرب من ذلك ، و ربما استفيد ذلك من ظاهر آيات القصة
.
+
و قال الكليني في الكافي : و في رواية أخرى .
في قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن
رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ... (37) } البقرة .
قال : سأله بحق
محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين .
أقول :
و روى : هذا المعنى أيضا ، الصدوق ، و العياشي ، و القمي ، و غيرهم .
و روي : ما يقرب من
ذلك ، من طرق أهل السنة و الجماعة أيضا ( عن أبن عباس وعن المدائني ) .
كما
رواه في الدر المنثور : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
لما أذنب آدم : الذنب الذي أذنبه
، رفع رأسه
إلى السماء .
فقال : أسألك بحق محمد ،
إلا غفرت لي .
فأوحى الله : إليه ، و من محمد ؟
قال :
تبارك اسمك ، لما خلقتني ، رفعت رأسي إلى عرشك .
فإذا فيه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد
رسول الله .
فعلمت : أنه ليس أحد عندك ، أعظم قدرا ، ممن جعلت اسمه مع اسمك .
فأوحى الله
إليه : يا آدم ، إنه آخر النبيين من ذريتك ، و لولاه ما خلقتك .
أقول :
و هذا المعنى : و إن كان بعيدا عن ظاهر الآيات ، في بادي النظر .
لكن إشباع : النظر و
التدبر فيها .
ربما : قرب ذلك تقريبا .
إذ قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ
} .
يشتمل : على معنى الأخذ
، مع الاستقبال .
ففيه دلالة : على أخذ آدم ، هذه الكلمات من ربه .
ففيه : علم سابق
، على
التوبة .
و قد كان عليه السلام : تعلم من ربه الأسماء كلها .
إذ قال تعالى للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا
.... (31) } البقرة ,
فهذا العلم : كان من شأنه .
إزاحة : كل ظلم و معصية ، لا محالة .
و دواء : كل داء .
و إلا : لم يتم
الجواب ، عما أورده الملائكة ، و لا قامت الحجة عليهم .
لأنه سبحانه : لم يذكر قبال
، قولهم :
{ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء } ،
شيئا .
و لم يقابلهم : بشيء ، دون أن علم آدم الأسماء كلها .
ففيه ( في علم الأسماء كلها )
:
إصلاح : كل فاسد .
و قد عرفت : ما حقيقة هذه الأسماء .
و أنها : موجودات عالية ، مغيبة في غيب
السماوات و الأرض .
و وسائط : فيوضاته تعالى لما دونها .
لا يتم : كمال لمستكمل ، إلا ببركاتها .
و قد ورد : في بعض الأخبار .
أنه عليه السلام : رأى أشباح أهل البيت و أنوارهم ، حين علم الأسماء .
و ورد أنه عليه السلام :
رآها : حين أخرج الله ذريته من ظهره .
و ورد أيضا :
أنه عليه السلام : رآها ، و هو في الجنة .
فراجع : و الله الهادي .
و قد أبهم الله : أمر هذه الكلمات .
في قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
...} .
حيث : نكرها .
و ورد في القرآن : إطلاق الكلمة.
على الموجود : العيني ، صريحا .
في قوله : { بِكَلِمَةٍ
مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (40) } آل
عمران .
الميزان في تفسير القرآن ج1ص 149 .
+++
( كلمات توبة آدم المتلقات في الأرض وله توبة في الجنة بعد النداء مباشرة )
و أما ما ذكره بعض المفسرين :
أن الكلمات : التي حكاها الله عنهما ، في سورة الأعراف
.
بقوله : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } الأعراف .
ففيه :
أن التوبة : كما يدل
عليه الآيات في هذه السورة ، أعني سورة البقرة .
وقعت : بعد
الهبوط إلى الأرض .
قال تعالى
: { وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) } البقرة .
إلى أن قال : {فَتَلَقَّى
آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ
فَتَابَ
عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) .... } البقرة .
و هذه الكلمات
: تكلم بها آدم و زوجته ، قبل الهبوط
، و هما في الجنة .
كما في : سورة الأعراف .
قال تعالى :
{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ
.....(22) } الأعراف .
إلى أن
قال : { قَالاَ رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } الأعراف .
إلى أن قال : { قَالَ
اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي
الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) ..... } الآيات ، الأعراف .
بل الظاهر أن قولهما : {
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا
... (23) } الأعراف
.
تذلل
منهما : و خضوع ، قبال ندائه تعالى .
و إيذان : بأن الأمر إلى الله سبحانه ، كيف يشاء .
بعد
الاعتراف : بأن له الربوبية ، و أنهما ظالمان ، مشرفان على خطر الخسران
.
++
( معاني عدة روايات في معاني معصية آدم ومحل نزوله وأنه نبي مرسل )
و في تفسير القمي : عن الصادق عليه السلام قال :
إن موسى : سأل ربه ،
أن يجمع بينه و بين آدم ، فجمع
.
فقال له موسى عليه السلام : يا أبت .
أ لم : يخلقك الله بيده ، و نفخ فيك من روحه ، و أسجد لك
الملائكة ، و أمرك أن لا تأكل من الشجرة .
فلم : عصيته ؟
قال ( آدم عليه السلام ) : يا موسى ،
بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في
التورية ؟
قال : بثلاثين ألف سنة .
قال : فقال : هو ذاك .
قال الصادق عليه السلام : فحجج آدم موسى .
( يا طيب : على فرض صحة الرواية ، فإنه مر أن الإنسان لا مسير ولا مخير ، في بحث لا
جبر ولا تفويض ، وأنه يختار بما يمده الله سبحانه ما يأتي من الأفعال ، والرواية لا
تدل على الجبر ، وإن كان مكتوبة معصيته في التوراة قبل خلق آدم أنه سيعصي ، فهو
باختياره ، وأما أنه حج آدم موسى فيكون على مذهب العامة ، لأنه روي عندهم كما نقل
السيد رحمه الله في القول الآتي ، ولذا حملت الرواية على التقية ، وردها الكثير من
علمائنا أو حاول أن يوجهها )
+
أقول :
و روى : ما يقرب من هذا المعنى ، العلامة السيوطي في الدر المنثور .
بعدة طرق : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
+
و في العلل : عن الباقر عليه السلام :
و الله : لقد خلق الله آدم للدنيا .
و أسكنه : الجنة ،
ليعصيه ، فيرده إلى ما خلقه له .
( يا طيب : إن الله خلق آدم عليه السلام للدنيا ، وأدخله الجنة ليرى حقائق
كريمة من مقام سامي ، وجنة فيها كل راحة ونعيم .
وأنه إن أختار البقاء : فعليه أن
يمتثل أوامر الله تعالى ، ولا يتجاوز قدره ، وأن لا يطلب ما ليس له وما لا يحل له.
ولكنه نسى : وباختياره عصى
، وآكل من الشجرة ، وأن { لا تقربا من الشجرة } كان نهيا إرشاديا لما فيه مصلحته ،
أي إن لم يأكل يبقى في الجنة ، لكنه أكل وأهبط للأرض .
وبدخوله الجنة : كان له رؤية حقيقة لمقام النعيم
شهودا عينينا .
فحين هبط : لم يكن له هم إلا
الرجوع للجنة ، ويعلم أنه لا يتم الرجوع بمعصية ، بها الخسران المبين .
ولذا تاب عليه السلام : وأخلص بالتوبة ، وعرف مقامه
، وضعفه وحاجته .
فتوجه لله تعالى : بأحسن العبودية حتى اجتباه الله سبحانه
، وجعله نبيا مرسلا
..
ودخول آدم عليه السلام : الجنة ، وما فيه من الحكمة الإلهية والتدبير الرباني .
هو يقرب : مما في الإسراء والمعراج لنبينا الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم .
بأن يرى شهودا : النعيم ، و حقائق عليا ، يشتاق
للبقاء فيه وليكون معهم ، فيخلص العبودية لله ، ولا يجازف في الأرض بمعصية لا رجعة
لها بعدها .
وكما ليبلغها ويحكيها : لأبنائه عن عيان ودراية
، وبكل
وضوح لمن يؤمن به ، ويكون له الجد للوصول لمقام القرب ، فيجد في العبودية ، ويقتدى
به ، ويكون أسوة حسنة لمن يحيط به ، وإن كان فرق بين إسراء أدم ونبينا وما فيهما من
الشهود والقرب ، وكلا له خصوصية تخصه ) .
+
أقول : و قد مر في رواية العياشي عن الصادق عليه السلام :
في خليل : كان لآدم من الملائكة .... .
الحديث : في
هذا المعنى ( مر في التفسير الروائي للآيات 30-31 ، ومر أنه كرمه الله تعالى
وأسجد له الملائكة وسلاه الملك بما كرمه الله تعالى ).
+
و في الاحتجاج : في احتجاج علي عليه السلام مع الشامي
.
حين سأله : عن أكرم واد على وجه الأرض
؟
فقال عليه السلام : واد يقال له
سرانديب ، سقط فيه آدم من السماء
.
أقول : و تقابلها روايات مستفيضة ، تدل على سقوطه في أرض مكة ، و قد مر بعضها .
و يمكن
: التوفيق بينها .
بإمكان : نزوله
أولا ، بسرانديب .
ثم هبوطه : إلى أرض
مكة .
و ليس : بنزوليين
عرضيين هذا .
+
و في الدر المنثور : عن الطبراني ، و أبي الشيخ في العظمة ، و ابن مردويه .
عن أبي ذر قال :
قلت : يا رسول الله ، أ رأيت آدم أ نبيا كان ؟
قال : نعم ، كان نبيا رسولا .
كلمه الله
: قبلا ، قال له :{
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ .... (19) } الأعراف .
أقول : و روى أهل السنة و الجماعة ، قريبا من هذا المعنى ، بعدة طرق .
الميزان
في تفسير القرآن ج1ص 150.
( يا طيب : إن آدم عليه السلام كان نبيا مرسلا بلغ رسالة ربه لبنيه ، وإن لم يكن
من أولي العزم الخمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد ، وهذا مما لا
شك فيه .
ولكن أن يستفاد : من القسم الثاني من الحديث :
أنه عليه السلام : رأى الله تعالى في الجنة قبلا حين كلمه قبلا ، فهذا من المحال
.
وأنه تعالى : لا يحاط به علما ، ولا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا الجنة .
ففي هذا القسم من الحديث :
إن أريد : من كلمه الله قبلا ، الرؤيا له معها ، فهو باطل ، و ليس على رأي
مذهب أهل البيت عليهم السلام .
وإن أريد : من كلمه الله قبلا ، الإيحاء له مباشرة ، وإلقاء إليه من غير توسط
ملائكة ، فهو ممكن ومقبول على المذهب الحق .
وقد قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ
إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ
عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) } الشورى .
تمت قصة : آدم وحواء عليهما السلام ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين
الطاهرين ) .